ظل المجلس الأعلى للحسابات يصدر تقاريره السنوية منذ إنشائه سنة 1979. و كان أخر تقاريره السنوي عن سنتي 2016 و 2017 ، هو الذي سلمه ادريس جطو للملك يوم 29 يوليوز 2018 ، طبقا لمقتضيات الفصل 148 من الدستور والمادة 100 من القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية. و كشف هذا التقرير جملة من الاختلالات التي عرفتها عديد من القطاعات الحكومية و الجماعات المحلية و المجالس الإقليمية و الغرف المهنية . و تتعلق هذه الاختلالات بالتسيير و التدبير المفوض و الحكامة و الصفقات العمومية و التحصيل الضريبي و الموظفين الأشباح ، و كذلك المبالغة في النفقات ، وحسب هذا التقرير فإنه تم إصدار 399 قرارا قضائيا فيما يتعلق بمادة التدقيق والبت في الحسابات و 25 قرارا فيما يخص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية و إحالة ثمانية قضايا تتعلق بأفعال قد تستوجب عقوبة جنائية على وزير العدل . إن أي قراءة علمية لهذا التقرير تجعلنا نستخلص ما يلي : 1 إن عدم ربط المسؤولية بالمحاسبة جعل الاستهتار و الغش و الرشوة و المحسوبية و الريع السياسي و الاقتصادي و التهاون يمزقون احشاء الدولة و يجعلونها لا تقوى على النهوض . 2 إن العقلية السائدة في جميع الوزارات و في مصالحها الخارجية هي عقلية مبنية على سوء التسيير الإداري و على العشوائية في التدبير المالي و البشري و لممتلكات الدولة 3 من الملاحظ بأن الفساد أصبح هو الرابط الأساسي بين رجال الاقتصاد و المسئولين عن تسيير شؤون البلاد و المؤسسات الاجتماعية ، حتى أصبح العملة السائدة في العلاقات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية بل حتى الفنية و الرياضية منها .لكن الأسئلة التي تظل مطروحة دائما هي : Ø ما مصير هذه التقارير و ما الفائدة من الأموال التي تم صرفها لكل عملية افتحاص؟ Ø هل سيكون هدا التقرير مجرد صيحة في واد ؟ أي نفس مصير التقارير السابقة التي ظلت تعرف التحنيط و اللامبالاة من طرف الحكومة و المؤسسات التشريعية ؟ إن الأمر أصبح يعني كل السلطات في البلاد ، التشريعية و التنفيذية و القضائية و الملك حتى تتخذ الإجراءات المناسبة و المسئولة ، حماية لمالية الدولة من التبديد و النهب و حماية ممتلكاتها و ثرواتها الطبيعية البرية و البحرية من النهب و التهريب و الاستغلال غير المشروع من أجل تمكين البلاد من تحقيق التنمية المرجوة . لقد كشفت تقارير المجلس الأعلى للحسابات لسنوات 2010 و 2011 و 2012 و 2013 و 2014 و 2015 عدة اختلالات مالية تجلت في الفساد و نهب المال العام و في الصفقات المشبوهة و تبديد المال العمومي و تواطؤ رؤساء جماعات محلية و رؤساء مجالس جهوية و إقليمية مع ناهبي أراضي الدولة و أراضي الجموع و المقالع الرملية و مع المضاربين العقاريين و المقاولات من خلال التحايل على القانون و التهرب من واجبات الجماعات ، مما جعلها تحرم من المئات الملايير من الدراهم . و لقد تقدم المكتب الوطني للجمعية المغربية لحماية المال العام و كذلك فرع جهة مراكش أسفي للجمعية بعدة شكايات تتعلق بالفساد و نهب المال العام بناء على تقارير المجلس الأعلى للحسابات، إلا أن هذه الشكايات لا زالت لم تلق طريقها إلى محاكمة المتورطين من وزراء و برلمانيين و مستشارين جماعيين و سلطات محلية و إقليمية و مهندسين و تقنيين و مقاولين من الذين تبت أن لهم مسؤولية مباشرة في هذه الملفات . كما تم التعاطي مع تقارير جطو بشكل انتقائي من طرف الحكومة حيث لم يتم المس بالذين يستظلون بظلها من حزبيين و ذوي النفوذ . و لا زال الرأي العام لا يعرف مصير هذه التقارير حتى الساعة , بل أصبح يحكم عليها بكونها تقارير روتينية ليس إلا . إن تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنتي 2016 و 2018 و ما يحمله من وقائع تتجلى في الاختلالات التي عرفها برنامج التماسك الاجتماعي و المشاريع السياحية و المستشفيات العمومية و الجماعات الترابية و صفقات البرنامج الاستعجالي و السكن الاجتماعي و التجاوزات القانونية و الاختلالات التي شابتْ صرف المال العام و تراكم المديونية الخارجية و الداخلية إلى غير ذلك من الاختلالات شكلت صورة قاتمة بالنسبة لتسيير و تدبير دواليب الدولة . إن هذه الوقائع التي وقف عليها المجلس الأعلى للحسابات هو إنذار حقيقي لما قد تعرفه الدوله من انهيار اقتصادي و اجتماعي غير قابلين للترقيع أو للتأجيل ، فنهب المال العام و التلاعب بميزانية الدولة على أكثر من مستوى و في أغلب القطاعات التي شملها الافتحاص لا يجب أن يمر رسميا و إعلاميا دون أي أثر يذكر على مستوى المسائلة و ربط المسؤولية بالمحاسبة . إن التعاطي مع تقارير المجلس الأعلى للحسابات و تقارير المفتشيات العامة التابعة للوزارات و شكايات الجمعيات المهتمة بحماية المال العام لا يجب ان تتم وفق تقديرات سياسوية و غير قانونية ؛ و لا يجب على وزارة العدل أن تمارس التحقيقات وفق الحساسيات السياسية ، حيث إن هناك ملفات تمت إحالتها بسرعة في إطار حسابات سياسوية ، وهناك ملفات ظل أصحابها ينعمون بعامل اللامبالاة في انتظار النسيان أو التجاوز أو الحفظ غير القانوني .