أعاد نفي مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، الأسبوع الفائت، ما راج من أخبار عن التحقيق مع الوزيرة الاستقلالية السابقة ياسمينة بادو، على خلفية صفقة اللقاحات، وزوجها علي الفاسي الفهري، الحديث عن مآل تقارير المجلس الأعلى للحسابات، وإن كان قد أصبح مصيرها الأرشيف بدل إعمال المحاسبة والمساءلة الجنائية. ولئن كان إصدار ونشر المجلس الأعلى للحسابات لتقاريره السنوية خطوة مهمة في طريق تخليق الحياة العامة وترسيخ الشفافية في مراقبة وتدبير المال العام، إلا أن الملاحظ هو أن الكثير من الاختلالات المالية وجرائم الفساد التي تكشف عنها تلك التقارير في مؤسسات عمومية وجماعات ترابية، لا تحال على الجهات القضائية المختصة، ما يثير أكثر من علامة استفهام حول مدى قدرة الهيئات المختصة في الرقابة المالية والإدارية على حماية المال العام وفرض وتدعيم مبادئ الشفافية والحكامة الجيدة في المؤسسات العمومية والجماعات الترابية. بلغة الأرقام، قامت وزارة العدل والحريات في سنة 2012، على ضوء تقرير مجلس إدريس جطو لسنة 2010، بإحالة تسعة ملفات على النيابة العامة في إطار الدراسة التي أنجزتها لجنة تتكون من قضاة، فيما تم في سنة 2014 إحالة 21 ملفا، على ضوء ما رصده تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2012 من اختلالات طبعت تسيير المؤسسات العمومية والجماعات المحلية، وكذا تفعيلا لما تنص عليه المادة 111 من مدونة المحاكم المالية التي تعطي الحق لوزير العدل بفتح تحقيقات قضائية في ملفات وتجاوزات تقتضي المتابعة الجنائية. وإذا كان عدد الملفات المحالة على النيابة العامة منذ سنة 2001 إلى 2014 قد بلغ 77 ملفا منها 46 ملفا متوصلا بها من المجلس الأعلى للحسابات، إلا أن السؤال الذي تطرحه العديد من الهيئات المهتمة بحماية المال العام هو: ما قيمة التقارير الصادرة عن المجلس، باعتباره من المؤسسات المختصة في الرقابة على المال العام، إذا كانت لا تستطيع أن توقف نزيف ذلك المال من خلال المساءلة؟ من المؤكد أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات، كهيئة من هيئات الحكامة، تشكل محكا حقيقيا لإرادة الدولة والحكومة في محاربة الفساد وعدم الإفلات من العقاب، بيد أن الواقع يشير إلى أن عدد الملفات التي يتم تحريك المتابعة الجنائية بشأنها ولا تبقى حبيسة الرفوف يبقى غير كاف. وفي نظر العديد من المتابعين، فإن مساعي وزارة العدل من خلال تشكيل لجنة مشكلة من قضاة خبراء في الجرائم المالية لدراسة تقارير المجلس الأعلى للحسابات، تبقى غير كافية إذا لم تمنح للنيابة العامة الصلاحيات الكاملة والاستقلالية اللازمة لتبت في ملفات الفساد. ويبدو لافتا بهذا الصدد، رفع الشبكة المغربية لحماية المال العام لمطلب حذف شرط إحالة ملفات الفساد من المجلس الأعلى للحسابات إلى وزير العدل من طرف الوكيل العام لدى المجلس لتصبح الإحالة تلقائيا بعد صدور تقارير المجلس في الجريدة الرسمية، باعتبار شرط الإحالة يعتبر عرقلة حقيقية لمحاربة الفساد وأداة لتكريس الإفلات من العقاب. وإذا كان المتتبعون والصحافيون قد اعتادوا خلال السنوات الأخيرة أن تقوم وزارة العدل، بعد كل تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، بإحالة عدد من ملفات الفساد إلى القضاء، بيد أن بقاء عدد من الملفات حبيسة الرفوف، وعدم تفعيل المتابعة القانونية إزاء المتورطين في ارتكاب مخالفات خلال تدبيرهم للشأن العام، يحول المجلس إلى مجرد مكتب للدراسات، ويجعل تكرر نهب المال العام أمرا واردا بقوة. الظاهر أن هناك أسئلة عدة تثار حول مآل تقارير المجلس التي ينشرها سنويا، بوصفه مؤسسة مؤهلة دستوريا وعمليا للمساهمة في حماية المال العام ومراقبة طرق تدبير السياسات العامة، خاصة في ظل الحديث عن تأخر في متابعة ما يتم رصده من اختلالات لأسباب متعددة. بيد أن هذا التأخر راجع لأسباب أخرى خارجة عن إرادة المجلس ووزارة العدل، كشف عنها وزير العدل في إحدى جلسات الأسئلة الشفوية بمجلس النواب خلال الدورة التشريعية الماضية، حينما كشف عن وجود ما نعته ببعض التأخر في متابعة الملفات، لأن «الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء هي التي تبحث في جميع ملفات الجرائم المالية». الأكيد أن إحالة 21 ملفا، على ضوء ما رصده تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2012، على النيابة العامة، تبدو خطوة مهمة في مسار حماية المال العام، لكن التحدي الكبير الذي يواجه حكومة عبد الإله بنكيران التي رفعت شعار محاربة الفساد هو: إلى أي حد ستصل تلك الملفات في مسارها القضائي؟ وهل سيتمكن القضاء من اتخاذ قرارات جريئة في حق المتورطين في قضايا الفساد، أم أن الملفات ستضيع في تحقيقات ومحاكمات لا تنتهي، وتصطدم بمقاومة اللوبيات؟