عاش المجتمع القلعاوي لمدينة قلعة السراغنة يوما أسودا ، يوم الثلاثاء 19 يونيو الجاري ، و هو ثاني أيام الامتحان الموحد للسنة الثالثة إعدادي ، على وقع جريمة قتل بشعة ذهب ضحيتها تلميذ على يد زميله بنفس المؤسسة حيث يدرسان معا في المستوى الثالثة إعدادي ويجتازان معا الامتحان الموحد الإشهادي لنهاية السنة الدراسية . كان هذا اليوم يوما دمويا في مؤسسة عرفت تاريخيا بعطائها التربوي منذ بداية السبعينات ، و هي تؤهل و توجه و تساعد التلاميذ على تحدي الصعاب و التشبع بمنافع العلم في جميع شعبه و امتداداته المعرفية و الثقافية و الأخلاقية و الاجتماعية ، لم تعرف ساحتها يوما شجارا و لا تجاوزا للقواعد التربوية و الأخلاقية ، حتى أصبحت قبلة كل من يرغب في العمل الجاد . و ما عرفته من حدث مأساوي يجعلنا في وضعية جد مقلقة على مستقبل التعليم في بلادنا . فعزائنا واحد في التلميذ الفقيد ،لأنه من شباب مستقبل البلاد ، و أسفنا الشديد على وفاته لأنه خلف جرحا عميقا في جسم أسرته و في جسم زملائه و زميلاته و في جسم الطاقم التربوي و الإداري و في جسم المدينة ككل . وحسرتنا على التلميذ القاتل الذي دخل عالما آخر بين الأحياء و الأموات بين السجون و المعتقلات ، مخلفا متاعب و شقاء لأهله و لدويه و لزملائه و زميلاته . و أمام هذا من القاتل ومن المقتول إذن ؟ هل القاتل تلميذ و المقتول تلميذ ؟ ألم يكن القاتل هو نظام التعليم في بلادنا الذي أفرغه من قيمه النبيلة ، الاجتماعية و الثقافية و التربوية ، و من برامج كانت تساعد على صقل المواهب و اكتساب المهارات و الاكتشاف و بناء المفاهيم و اكتساب المعرفة و قواعد البحث العلمي ، فحوله إلى تعليم أصم أبكم مجهول الهوية و المقاصد ، تلقيني لتعليمات مفاهيمية غير واضحة كالطلاسم تحتاج إلى الفك و ليس إلى استثمار المهارات و المعارف و القدرات و الانفتاح . ؟ لقد صدق التلاميذ و هم يتظاهرون أمام المؤسسة و في الشارع مرددين شعارات من بينها شعار مركزي " ياسين قتله التعليم " . ألم يكن القاتلون الحقيقيون هم الذين تولوا شؤون هذا القطاع ، الذي يعتبر روح الأمة وعمودها الفقري و مدخلها الرئيس لعالم التقدم الاقتصادي و التكنولوجي و التنمية بجميع أبعادها فحولوه إلى تعليم يكرس الجهل و الأمية الثقافية و الفنية و التخلف و العصبية و التعصب و التطرف و اليأس و الانحراف و الجريمة و الغش و العنف و الاستلاب الفكري ؟ ألم يكن القتلة هم الذين سرقوا أمواله و حولوها إلى جيوبهم بافتعال برامج تعليمية باءت بالفشل كالبرنامج "الاستعجالي " و البرنامج الهيكلي للمنظومة التربوية ؟ ألم يكن القاتل هو التعليم و المقتول هو التلميذ . إن الجاني إذن اصبح هو التعليم و المجنى عليهم هم التلاميذ . لقد آن الأوان محاكمة السياسة التعليمية في بلادنا على مستوى البرامج و المناهج و الأهداف و المقاصد و المعارف و المهارات المكتسبة و على مستوى تكوين أطره التربوية، كما آن الأوان محاكمة كل الذين بددوا أموال هذا القطاع و نهبوها و نهبوا عقاراته . يجب محاكمة التعليم لأنه تحول إلى قاتل للوطن في أجياله الصاعدة و في هويته و في تقدمه و في نموه و في وحدته و في أمنه وأمانه و في استقراره ؟ و نكرر شعار الأطفال " قاتل ياسين هو التعليم "