لم يبق من المفكرين سوى الحثالة ، وأشباه المثقفين الذين يحملون أقلاما مأجورة تحت الطلب، تؤمن لهم العيش ولعائلاتهم، يتهادون على أنغام مزمار الراعي ، تتقاذفهم سلطة الوظيفة الحكومية، وتروضهم المبادرات والإمتيازات؛ يبررون الإخفاقات، ويدافعون عن القرارات الخاطئة ، والأفكار المحرمة؛ يشجعون ويؤيدون على الفساد بجميع أنواعه؛ عيونهم على الكراسي للوصول الى التحكم في البلاد والعباد ، بآرائهم المغرضة، وبفتاويهم الزائفة يضللون الناس. مفكرو آخر الزمان لا يقفون من السياسات، ولا الحياة اليومية الإجتماعية موقف الناقد الرافض المتمرد ، ولا تصدرعنهم أفكار ومبادئ عن قناعات واقعية. لقد نسي هؤلاء المفكرون والمثقفون سلطتهم في التنبيه والتوجيه، وإمكانية الابتكار والتجديد والتأثير في الأجيال، وكأن لكل جيل مفكرين بقيمة مختلفة. ما يسمى بالمفكر المثقف الجديد، يقنعك بأن لا جدوى من فكر التيئيس، وينصح بتسطيح الوعي، يدافع عن الفشل في عجزه، والتعاطي مع القضايا الكبرى، أو يدوخك باتباع أصناف وألوان وأشكال من الإطارات المشحونة، المفرغة من المعاني، حسب الأهواء، زخرفا وغرورا، يكسبنا مصطلحات تافهة، ويضيع علينا فرصا ومعان وحقائق …مفكرمغرور، مدفوع من جهات حاقدة على المغرب، ملكا، وشعبا. المفكرالمعاصر، المثقف، المبدع، تعطيه ورقة وقلما، وتوجهه إلى حد الكتابة، ولا يفعل شيئا؛ وكأنه عديم الإحساس، يتقبل الحياة كما هي، بغير تفكير ، ولا مناقشة، ولا رأي؛ والواقع يزخر بالقضايا الفكرية والانسانية، والأحداث المعقدة، والتداعيات العسيرة، التي يتقاطع فيها السياسي بالإنساني، و القومي بالريادي. المفكر الحالي يغرد خارج السرب، يكتب بالوردي على السواد، ولم تعد لآرائه قيمة، لأنه اختار الإنكماش، ورضخ للتهميش؛ وبهذا يستحق الإهانة، لأنه هجر الواقع واختار الغياب، فلا تأثير له في الرأي العام؛ رضخ و افترش التخلف، والقرارات الإرتجالية الخاطئة، وينتظر من يذكره بدور الفكر و المفكر في النهضة. المفكر التقليدي أصبح من عالم المتاحف، وذهب معه الإبداع، والفكر المستنير والتقدمي، ومات الفكر الرائد المتحدي للوقائع والأوضاع، والمحرض على فحصها ونقدها، والتمرد عليها من أجل غد أفضل، إلا القليل منهم. المفكر صاحب رسالة، وموعود بالترهيب والمضايقة، والإضطهاد والردة؛ ولكنه ليس بالشخص العادي، فلا تستقيم الحياة دون فكره السليم والصريح؛ فدراساته، و تأملاته، وتساؤلاته، واقتراحاته، هي التي تنير للمجتمع الطريق نحو حياة أفضل. المفكر لا يهمه أن يكون مداده أحمرا، فالكتابة دمها حريته، وأفكاره واعدة بالتمرد على الموت الفكري، والنكوص الإيديولوجي، والإنتحار السياسي.