تابعت نشرات الأخبار على قنواتنا العربية لساعات طويلة هذا اليوم، فلم أرى غير الموت يعرفنا، يعيش معنا كما الحياة، كل الأخبار تقول الموت وتصفه بأبشع الأوصاف... لا أعرف أصلا لماذا أتابع هذه الأخبار بكل هدوء، لا أعرف شيئا من هذا، ربما صار الموت عندنا شيئا عاديا وربما شيئا آخر أبسط من هذا. هل صار هذا الموت لا يعرف سوانا؟ هل أصبح يا ترى لا يثقن سوى كيف يأخذ منا الأحباب؟، لقد سئمنا من وجودك بيننا ومعنا أيها الموت، إننا لم نعد نهابك ولم نعد نخشاك. أنت لست سوى الموت ... إلا الموت. أنت في كل مكان نلقاك، لقد آلفا آذاك. ألم تستحيي أيها الموت من هذا الخنوع؟، إنك تظلمنا نحن العرب كثيرا، تأخذ صغارنا وشيوخنا، شبابنا وشيابنا... كل شيء تأخذه منا حتى أصبح رداؤك كله ملطخا بدمائنا، أنت جبان أيها الموت لا تعرف سوى العرب، وكأننا مورثك القديم. لا أحد يسأل عن الموت سواك أيها العربي، لا أحد يناقشه ويهتم به سواك، فمتى ينتهي هذا الهراء؟... ،معذرة يا عزيزي القارئ، فأنا لا أؤمن أصلا بأن هذا السؤال سوف ينتهي: العرب تموت في كل يوم تموت العرب الموت لا يعرف سوانا هذا هو السبب... أيها الموت إنك شبح تجوع دائما، عليك أن تأكل دائما، عليك أن تأكل هذا الإنسان... المشكل أنك لا تأكل إلا الإنسان العربي، نحن مرة أخرى أمام المعادلة الأرسطية : الموت لا يأكل إلا الإنسان العرب انسان الموت لا يعرف إلا الإنسان العربي الموت لا يعرف سوانا. هل رأيتم؟ نحن الوجبة الوحيدة للموت، فلماذا لا نقترح حلا لهذه المعضلة... عفوا، نسيت أن مناهجنا الدراسية علمتنا عوض ذلك، كيف نتعامل مع المشكلات، أنا أقترح عليكم أن نواجه الموت، أن نحاربه ولا ندعه يأخذ منا أطفالنا ونساءنا، علينا أن نمنعه من الدخول إلى أرضنا، علينا أن نغلق كل الحدود. أرأيتم كيف بدأت أفكر؟ بدأت أقترح، ومن هنا بدأت أتساءل: - لماذا صمت العرب لكل هذا الزمن؟ لو فكرنا قليلا لما صار واقعنا على هذا الحال، هل تعرفون لماذا؟ السبب أيها العرب أننا لا نفكر، وأحيانا نرفض أصلا هذا التفكير، بل عندما يفكر بعضنا يقتله الآخرون، لا نحب أن يفكر منا أحد، لقد صار هذا الفعل عندنا بدعة أيها العرب، أصبحت عندنا الحقوق مطالبا نموت من أجلها... نموت دونها. دعونا على الأقل نفكر، لابد أن نواجه الموت... آه، لقد فكرت مرة أخرى، ولا شك أنكم سوف تتفقون معي، ليس أمامنا سوى مصاحبة الموت، سوف نرافقه ونصاحبه حتى يصير جزء منا، آنذاك أيها العرب يمكن أن نجول به في العالم، وأن نخرج به من أراضينا. سنخرج معه من القدس إلى أرض الصهيونية، ومن العراق واليمن وليبيا إلى أمريكا، سنأخذه من سوريا إلى روسيا، سنغادر معا أرض العروبة، لعله ينبهر بهذه العوالم التي تقتلنا. ها أنا قد فكرت مرة أخرى، أترون؟، إنها فكرة جميلة لنتخلص من الموت، لكن...،كل ما أخافه هو أن لا يقبل أحد غيرنا الموت، فالموت بدوره لا يحب غير الخانعين. بقلم الطالب: مصطفى العادل