ذ. حسن تزوضى : بادئ ذي بدء لابد من كلمة شكر و تقدير و اعتراف بالجميل لفرع الرحامنة للجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة التي أتاحت الفرصة لثلة من أساتذة الفلسفة وطنيا، للاجتماع و اللقاء في مائدة مستديرة حول موضوع "مدرس الفلسفة الهوية و الإصلاح "، هذا اللقاء الذي وفر أرضية للتفكير مجددا في موضوع الهوية ، لكن هذه المرة ليس الهوية في مستوياتها العامة ، السياسية و الاجتماعية ، و إنما الهوية في مستوياتها الشخصية و المهنية ، يتعلق ألأمر بهوية مدرس الفلسفة، أو بالأحرى كينونته و ما يجعله متميزا و مختلفا ، إن كان هناك طبعا ما يجعله كذلك . لقد كان النقاش على طول هذه الأمسية الفكرية منصبا بشكل كبير حول هوية مدرس الفلسفة ، و لقد كانت معظم التدخلات في تقديري تعبر عن وجهتي نظر مخلفتين و متناقضتين شكلا و مضمونا : - وجهة نظر أولى تعتقد أن مدرس الفلسفة ليس هناك ما يميزه و يجعله مختلفا ، على اعتبار انه في آخر المطاف مثله مثل باقي المدرسين ، و ما إحساسه أحيانا بالاختلاف و التميز إلا وهم ناتج عن تضخم أناه ، أصحاب هذا الموقف يستندون إلى واقع الحال ، و إلى التطورات النظرية التي عرفها التفكير في مفهوم الهوية فلسفيا ، و يؤكدون على انه ليس هناك هوية ثابتة ، الكل متحول و متغير باستمرار و على مدرس الفلسفة أن ينفلت من كل تصنيف و تحديد ممكن. - وجهة نظر ثانية تؤكد أن لمدرس الفلسفة هوية تجعل منه مدرسا مختلفا و متميزا، بالنظر إلى طبيعة مادة الفلسفة ،و طبيعة القيم الملقاة على عاتقه التأسيس لها، و حجم الاكراهات التي تعيق ذلك ثقافية كانت أو سياسية أو مؤسساتية ، صحيح أن مدرس الفلسفة اليوم و غيره من مدرسي المواد الأخرى يقعون تحث وطأة المؤسسة بضوابطها القانونية و توجهاتها العامة ، لكن مدرس الفلسفة بالنظر دائما إلى طبيعة مادته الدراسية يعاني بحدة أكثر من غيره ، فهو يقع بين المطرقة والسندان ، من حيث هو مطالب بقول الحقيقة ، بالتربية على النقد و الشك و التساؤل باعتبارها قيما تشكل روح الفكر الفلسفي ، ومن حيث كونه أيضا مطالب بالحذر في ظل بيئة ملغومة يسيطر عليها الاستبداد و الفكر الأحادي و الإيمان المطلق بالمسلمات ، بيئة لا تضمن الحق في الاختلاف و حرية التعبير . في ظل هذا الاختلاف الحاد بين مدرسي الفلسفة حول هويتهم، لابد من التأكيد مبدئيا على صحة هذا الاختلاف لجسم مدرسي الفلسفة اليوم بالمغرب ، لأن مثل هذه النقاشات و الاختلافات لا يمكن لها إلا أن تقوي هذا الجسم و تجعله سليما ، لكن في المقابل لابد من الانتباه إلى خطورة هذا الأمر ، خاصة و أن عددا لا يستهان به من مدرسي الفلسفة اليوم يعيشون "هدرا هوياتيا " – إن صح هذا القول – و من تمة بوعي منهم أو بدون وعي يتخذون لأنفسهم هويات لا تمت بصلة إلى الفكر الفلسفي ، و هو ما يضرب عرض الحائط القيم الفلسفية الكبرى، و يجعل مدرس الفلسفة مجرد "سرابسي" يدخل و يخرج من باب المؤسسة التعليمية دون أن يكون له أي دور، و أي إشعاع . على ضوء هذا النقاش السالف الذكر ، اعتقد أن هناك لبس يكتني هوية المدرس بشكل عام، و مدرس الفلسفة بشكل خاص ، هذا اللبس الذي يعود إلى التغيرات العامة التي تحدث اليوم على مستوى منظومة القيم وطنيا و عالميا ، و هو كذلك نتاج الفشل المستمر لكل المخططات الهادفة إلى إصلاح المنظومة التعليمية ببلادنا ، هذا الوضع افرز مدرسا يعيش انفصاما بين المبادئ و بين واقع الممارسة المأزوم . إن التفكير في هوية مدرس الفلسفة في اعتقادي المتواضع لن يتأتى إلا من خلال التفكير في مجموع القيم و السمات التي يجب على هذا المدرس أن يتصف بها، و تكون قاعدة و منطلقا لمواقفه و ممارسته المهنية و الغير المهنية ، هذه القيم التي يجب أن تستمد من الفكر الفلسفي، و من تاريخ الفلسفة و سير الفلاسفة ، قيم الجرأة و المشاكسة ، و العقلانية و الانتصار للحق، و الدفاع على الإنسان و على القيم الإنسانية النبيلة ...،و لا اعتقد أن هذه القيم قد تعيق عمل مدرس الفلسفة ، بل على العكس من ذلك تؤسس لكينونته و لاختلافه و تجسد مدى وفائه لروح الفكر الفلسفي ، و تضفي ايضا المصداقية على ممارساته ، و لهذا كله فاني اعتقد ان الثابت في هوية مدرس الفلسفة يتمثل في هذه القيم و الصفات القاعدية ، أما المتغير فيرتبط بكل المتطلبات التي تقتضيها السيرورة التي تعرفها المنظومة التعليمية ، أعني المتطلبات التقنية و البيداغوجية و القانونية ، و على مدرس الفلسفة أن لا يحصل لديه تناقض بين القيم الفلسفية الكبرى ،و بين متطلبات المؤسسة ، فعليه بالتكيف لكن ليس ذلك التكيف الذي يفقده كينونته ، و إنما ذلك الذي يضمن له اختلافه كمدرس للفلسفة .