2/3 المقابلة ، المصاحبة ، التكوين النظري يقول بيير سميت : " أن جمع معلومات إضافية عن المرشحين هو أمر يستحق العناء وذلك للتأكد من أن عملية الاختيار قد اكتملت وبأنها تتسم بالموضوعية إلى أبعد حد ممكن، وفي كثير من الأحيان يبقى كل هذا البحث والتنقيب غير كاف ولا بد من إجراء مقابلة". تهدف المقابلة الى وضع الرجل المناسب في المكان المناسب بناء على مرجعية واضحة ومعايير علمية دقيقة وموضوعية و تكمن أهمية المقابلة في كونها فرصة للأوصياء على قطاع التعليم (وزارة- اكاديمية- نيابة) للتعرف أكثر على شخصية المترشح(ة) لشغل مهمة الإدارة التربوية مدير- ناظر- رئيس اشغال – حارس عام – مدير الدروس ... وتَلَمُّس مواصفات وشروط القيادة في شخصيته ، ومدى ادراكه لجسامة المسؤولية التي تنتظره، وقدرته على الابداع والابتكار باعتبارهما من أهم مهارات القيادة، وتوفره على المؤهلات والخبرات المطلوبة لمواجهة الصعوبات، واتخاذ القرارات بحكمة وترو وبعد نظر. ولكن بالرجوع الى نماذج الأسئلة التي تطرح على المترشحين اثناء هذه المقابلة يتضح انها تحولت الى امتحان شفهي في جميع مناحي التسيير الإداري والتربوي والمالي وكأن المعني خريج مدرسة إدارية، أسئلة حول مواضيع ،أنا على يقين أن جل إن لم يكن كل أعضاء لجنة غير ملمين بها . ان الطريقة التي تتم بها المقابلة في كثير من الأكاديميات بعيدة كل البعد عن هذه الأهداف النبيلة، ذلك - مع الأسف الشديد- أن جل اللجن المكلفة بإجراء المقابلات تحكمها اعتبارات أخرى ناتجة إما عن ضعف المستوى المعرفي وعدم الالمام بأبسط ابجديات الإدارة التربوية التي أصبحت علما قائما بذاته (باستثناء المفتشين التربويين و مفتشي المصالح المادية والمالية الذين لهم تكوين خاص في مجال تخصصهم )، او اقتصارها على رؤساء المصالح والاقسام والمكاتب يحكمها هاجس الاستفادة من غنيمة التعويضات المخصصة لهذه المهام التي تصرف للمقربين ومن يدور في فلكهم . يضاف الى ذلك غياب التنظيم المحكم للمقابلة (الاطلاع على المشاريع او البحوث المقترحة و توزيع المهام / المحاور بين أعضاء اللجنة) ، ولجوء بعضهم إلى وضع أسئلة تعجيزية حول مذكرات او مراجع ومساطير لا طائل من ورائها ولا فائدة ترجى من معرفة تواريخها وأرقامها ، وأخيرا طغيان المحسوبية والزبونية ومحاولة إرضاء بعض النقابيين وتفضيل مترشحي الإقليم او الجهة على غيرهم ،عملا بمبدأ " اللي تتعرفو حسن من لي ما تنعرفوش" وأساسا تهميش دور اطر الإدارة التربوية الأكفاء حراس عامين ونظار ... من المساهمة في هذه العملية وفي مختلف مراحل تأطير زملائهم الجدد . ومن الدلائل الصارخة على هذا التخبط : حصول بعض المترشحين على علامات مخزية تقل عن عشرة من عشرين في مقابلة بهذه النيابة ، وعلى علامات تفوق عشرة من عشرين بكثير في مقابلات بنيابات أخرى . 1- المصاحبة : إن فكرة مصاحبة المديرين الجدد استوردها المشرع المغربي من النظام التعليمي الفرنسي ( أنظر المرسوم الفرنسي رقم l'article 3 du décret n° 89-122 du 24 février 1989) وفي اطار اتفاقية بين الطرفين اشرف خبراء فرنسيون من اكاديمية DIJON على تكوين وتدريب بعض الأطر المغربية التي ستشكل بعد ذلك الفرق الاكاديمية للمصاحبة (كان لي شرف الاستفادة من هذا التكوين) و التي تولت بعد ذلك تكوين لجن إقليمية، وكما نص على ذلك القانون الفرنسي المشار اليه يوجد ضمن فريق المصاحبة الجهوية أو الإقليمية ، مدير مصاحب DIRECTEUR TUTEURكما ان مصطلح " المصاحبة" المستعمل في مذكراتنا الوزيرية ترجمة حرفية " للمصطلح الفرنسي accompagnement الذي يعني المرافقة والملازمة ، الوارد في المرسوم الفرنسي الملمع اليه أعلاه . و لا يختص فريق المصاحبة -الذي يجب ان يكون مكونا من أطر متمرسين و مراكمين لتجربة تدبيرية مهمة بعكس ما نراه اليوم حيث هاجس التعويضات هو المتحكم – بتقديم حلول جاهزة للمشاكل التي تعترض المدير المتدرب ، ولا يقترح نموذجا معينا للتدبير والتسيير ، بل تقتصر مهمته على مساعدة المتدرب على تطوير مقدرته لكي يصبح قادرا على القيام بنفسه بإجراء تشخيصات محددة للصعوبات والمشاكل ، ويواكبه لتطوير برامج عمله لزيادة الفعالية والتأثير التنظيمي انطلاقا من نظرته هو، وتصوره هو ، وليس بناء على قالب أو نموذج جاهز. وتتم عملية المصاحبة عبر محطات تبرمجها النيابة الاقليمية و بجدولة زمنية مضبوطة يقوم فريق المصاحبة خلالها - عند الضرورة- بتزويد المدير بالوثائق المرجعية ، وذلك بتوافق تام مع يتلقاه في التكوين النظري الذي تعتبر المصاحبة حلقة مكملة له. أما اهتمام المدير المصاحب DIRECTEUR TUTEURفينصب - حسب برنامج معد سلفا أو عند طلب المدير المتدرب - على ايصال مهاراته وخبرته وتجربته وتقديم المشورة والتوجيه والنصح وخصوصا في الأوقات الحرجة كالدخول المدرسي ونهاية الأسدوس أوأثناء اعداد مشروع المؤسسة ، دون السقوط في فخ تحويل المؤسسة الى صورة كربونية لمؤسسة المدير المصاحب couper-coller . ويساعده على حل المشاكل ضمن خصوصية المؤسسة نفسها ،وحالما تصبح جميع مراحل هذه العملية فعالة وسارية المفعول ومألوفة في المؤسسة لا يبقى هناك عذر ان لا تصبح هذه العملية جزءا طبيعياَ من الممارسات الادارية في المؤسسة دون مساعدة المدير المصاحب ، ربما يكون هناك استثناء وحاجة لوجود تقنية إدارية محددة من أجل حل مشكلة ما تتطلب تدخل ذوي الاختصاص، هنا يلعب المدير المصاحب دور الموجه والمرشد ، ولكن مما يؤسف له فإن بعض المديرين المكلفين بمهمة المصاحبة اصبحوا يعتبرون أنفسهم SUPER MOUDIR يفقهون في كل شيء ويفتون في كل شيء. وقد ضرب في الصميم تأويل مضامين القرار الوزاري رقم 05/1849 الصادر في 2 رجب 1426 الموافق 8 غشت 2005 وعدم استيعاب مغزى المذكرة الوزارية رقم 131/14 بتاريخ 26.9.2014 مفهوم المصاحبة وحوله الى ما يشبه تفتيشا ينتهي بنقطة تقييمية ، وهو ما يتناقض مع فلسفة ومفهوم المصاحبة ،كما تم استثناء الحراس العامين والنظار وغيرهم من أطر الإدارة التربوية من مهمة المصاحبة ، رغم وجود أطر متمرسين لهم تجربة محترمة في كثير من المؤسسات وفي مختلف الاسلاك ، وبدون مبالغة فهناك اشخاص مشهود لهم بالخبرة والحنكة ، أتساءل لماذا لا تتم الاستفادة منهم ؟ لقد كشفت عملية مصاحبة اطر الإدارة التربوية عن نقائص كثيرة ، على رأسها تكليف أشخاص غير مؤهلين لمهمة التأطير والتكوين لاعتبارات عدة معروفة لا داعي للخوض فيها ، عدم تلقي أعضاء فريق المصاحبة أي تكوين في تقنيات "المصاحبة" ، عدم التنسيق بين أعضاء الفريق واقتصار العملية على فرد او ثلاثة في اغلب الحالات إما خوفا من إثقال كاهل ميزانية النيابة أو تهاونا من طرف البعض ، تهميش دور أطر الإدارة التربوية الأخرى داخل المؤسسة وكأن الأمر لا يعنيهم بتاتا . التقليل من قيمة هذه المصاحبة-رغم محوريتها وأهميتها في عملية التكوين والتأطير-من طرف بعض أعضاء الفريق ومن طرف كل من النيابة والأكاديمية .... كل هذا وغيره ينعكس سلبا على عملية التكوين في مجال التدبير الإداري والتربوي الذي يعتبر ركيزة أساسية من ركائز اصلاح المنظومة التربوية برمتها. 2- التكوين النظري: لم يعد التسيير والتدبير الإداري والتربوي للمؤسسات التعليمية يقتصر على الطاعة العمياء لأوامر تملى من طرف رؤساء مباشرين بما يشبه علاقة العبد بسيده ، كما لم يعد دور المدير يقتصر على لعب دور ساعي البريد وصلة الوصل بين النيابة ومجتمع المدرسة ، بل اصبح المدير قائدا تربويا مسؤولا على تنمية البرامج التعليمية وتقدمها ، ورائدا يقتدى به ومدبرا ورئيسا مباشرا لمجموعة من الموظفين ومسؤولا عن تدبير موارد مادية ومالية ، ومحاورا وشريكا .وبالتالي فان التدريب النظري لأطر الإدارة التربوية الذي تنفق عليه الملايين وبالشكل الذي يتم به ، أصبح – في اعتقادي- غير ذي جدوى، لأن تأثير محتوياته محدود لعدم ارتباطه بالمتغيرات التي عرفها التسيير الإداري والتربوي والتدبير بصفة عامة ،ولا يستجيب لحاجيات وانتظارات المتدربين انفسهم، وبالتالي فان نتائج هذه التكوينات تأتي مخيبة للآمال ،ولو رجعت الجهات المختصة المكلفة بوضع برامج التكوين هذه ، إلى تقارير مختلف المجالس والى المراسلات العديدة للمديرين القدامى منهم والجدد على السواء ، وإلى تقارير لجن التفتيش وتقصي الحقائق والبحوث التربوية التي كانت مطلوبة في النظام القديم للإقرار ، لوجدت منجما من ذهب من الكتابات التي تشخص الصعوبات بشكل دقيق ومضبوط وتقدم توصيات محددة من أجل التغيير المنشود .وإلا فما الفائدة من هذه التقارير وما الجدوى من كتابتها أصلا إذا لم تكن تستثمر؟ أضف الى ذلك أن مستوى بعض المتدربين أحسن بكثير من مستوى بعض المؤطرين الذين لا يرقى ما يقدمونه الى تطلعاتهم وأمانيهم. واسمحوا لي ان أتساءل مرة أخرى عن سبب عدم توفر الأكاديميات النيابات على فريق مكون من أشخاص متمرسين في الإدارة وفي علم السلوك وفي التطوير الإداري ؟ ولماذا لم تفتح الوزارة حتى الان شعبة تكوين المفتشين في المجال الإداري كما هو الشأن بالنسبة لسلك تكوين مفتشي المصالح المادة والمالية أو على الأقل إضافة محاور خاصة بالتسيير الإداري ضمن منهاج تكوين المؤطرين التربويين، على ان تكون مهمة هذا الفريق الذي اقترح إحداثه : ü انتقاء برامج التكوين ذات الأولوية القصوى بناء على دراسات وابحاث وتشخيصات ميدانية وتحليل متطلبات التدريب على القيادة والإدارة، تأخذ بعين الاعتبار حاجيات المتدربين وخصوصيات المناطق والمؤسسات من أجل أن يكون التدريب أقرب ما يمكن من واقع المؤسسة لإن ما يقدم أحيانا من محاور اثناء التدريب في واد وما ينتظر المتدرب في مؤسسته في واد اخر. ü تنظيم دورات واجتماعات للمراجعة والتنقيح والتجديد اعتبارا لكون تحسين أداء الإدارة دورة مستمرة وعمل متواصل. ü الاستعانة بالخبراء من خارج المنظومة التربوية مغاربة وأجانب من مديري الشركات والمقاولات والمؤسسات والمعاهد الناجحة والأساتذة المتخصصين لتأطير بعض جوانب التكوين بذل اجترار نفس الأسطوانة. ü خلق نظام معلوماتي إداري فعال لتتبع مردودية اطر الإدارة التربوية وللتزود بالمعلومات الضرورية والفعالة والكافية لاتخاذ قرار الترقية من مهمة الى أخرى ( رأينا حارسا عاما متورطا في تزوير النتائج و في السنة الموالية أصبح - بقدرة قادر- ناظرا ،وهو اليوم يتطلع ليصبح مديرا ، ولماذا لا ؟ ما المانع ؟ ü تنظيم ورشات تطبيقية من أجل تنفيذ المفاهيم والأفكار التي تمت مناقشتها في الدورات التدريبية، حتى لا تبقى الدورات التكوينية النظرية ميتة و بلا روح . ü تنظيم زيارات ميدانية لهذه المؤسسات والمعاهد للوقوف على كيفية تدبير مواردها المادية والبشرية وطرق اشتغالها، بذل الاقتصار على تنظيم زيارات لا طائل من ورائها الى النيابات والاكاديميات، لأن جلها غير مهيكل وموظفوها بدون تكوين أساسي أو مستمر وباختصاصات مبهمة وغير محددة. وليست نموذجا جيدا يمكن ان يحتدي به المدير المتدرب. يتبع...