من المعلوم أن المرأة هي نصف المجتمع وشريكة الرّجل وسنده في حياته ، فهي لباس له و هو لباس لها ، فهي منه و إليه و هو منها و إليها . فهي تعمل من أجل انتصاره و انتصار مجتمعها .وقد جاء في حقها : وراء كل رجل عظيم امرأة و قالت العرب : عظمة الرجل من عظمة المرأة وعظمة المرأة من عظمة نفسها .وقالت النساء بثقة : يكفيني فخراً بأنني امرأة . إنها ظلت سيدة المجتمعات الإنسانية و استمرارها . بصماتها عبر التاريخ ظلت حاضرة حتى يومنا هذا . فدورها الرئيس في التنمية بدءا من البيت إلى المجتمع جعلها تكون حاضرة و بقوة في كل معدلات التقدم و في مراتب التنمية و التطور.لكن أصبحنا نعيش في زمن فيه بعض الذين يدعون الإسلام يناهضون المرأة بذل النهوض بها و تريدون إذلالها بذل أن ينتصروا لها كما هي تنتصر لهم .إنما يريد هؤلاء أن يأخذون أفكارهم و مذاهبهم من بعض المعتقدات الدينية القديمة التي حاولت أن تجعل المرأة آلة متعة و آلة ولادة والمس بكرامتها و لا ترى فيها إلا أنوثتها و على أنها نجس. إنا المظاهر التي تعود إلينا اليوم تحت عنوان الإسلام حيث نصب البعض نفسه وصيا على الدين الإسلامي دون أن يكون مسلما ، لأنه من الذين أسلموا و لما يدخل الإيمان في قلوبهم فيرتكبون الجهالة و ما حادثة فتاتي إنزكان إلا عربونا يعيد المنظور القديم للمرأة من طرف بعض الديانات . فمثلا عند الرومان كان رب الأسرة هو المسيطر على الأبناء ذكوراً وإناثاً ، والبنت ليس لها حق التصرف فيما تملك ، فهي غير مؤهلة للتصرف في أي شيء ، لها فقط حق ملكية ما تكسبه بسبب عملها ، و حق بيع نفسها لمن تريد بعد وفاة وليها. و عقد الزواج هو صك اسمه حق سيادة الرجل عليها , وتوقع عليه المرأة ويسمى " اتفاق السيادة ". و بالنسبة للهنود تعتبر المرأة عندهم أسوأ من الموت و من الجحيم : لم يكن للمرأة في شريعة "مانو" الحق في الاستقلال عن أبيها أو أخيها أو زوجها ، ولم يكن لها حق الحياة بعد وفاة زوجها ، بل تحرق معه وهي حية على موقد واحد ، و قد جاء في شرائعهم ليس الصبر المقدر والريح والموت والجحيم والسم والأفاعي والنار أسوأ من المرأة . أما في شريعة اليهود القدامى فإن المرأة هي في مرتبة الخادم ومحرومة من الإرث ، و هي لعنة ، لأنها أغوت آدم فأخرجته من الجنة ، و المرأة عندهم أيام المحيض يهجروها و لا يطعمونها ، فقد جاء عندهم في التوراة : المرأة أمرّ من الموت ، إن الصالح أمام الله من ينجو منها و في «سفر التكوين»، ألزم المرأة اليهودية بتغطية وجهها، وكذلك في التلمود، و« المشنا» وأقوال أحبار اليهود وحكماءهم الذين فرضوا التشدد على المرأة . و في شرع الكنيسة رأى حكامها المتعصبين أن ما آل إليه المجتمع الروماني من انحلال أخلاقي شنيع ، هو من مسئولية المرأة ، فقرروا أن الزواج دنس يجب الابتعاد عنه ، وأعلنوا أنها باب الشيطان وهي سلاح إبليس للفتنة والإغراء . فهي كما يقول القديس تروتوليان :(( إنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان ناقضة لنواميس الله مشوهة لصورة الله - الرجل ). و لما انعقد مؤتمر فرنسا عام 586 للميلاد، كان موضوعه هو الجواب عن السؤال التالي: هل تعد المرأة إنساناً أم غير إنسان ؟ و كان القرار هو أنها خلقت لخدمة الرجل وهي قاصر كذلك لا يحق لها أن تتصرف بأموالها دون إذن زوجها أو وليها. وقد كان القانون الإنجليزي يبيح للرجل أن يبيع زوجته. ولما قامت الثورة الفرنسية وأعلنت تحرير الإنسان من العبودية والمهانة لم تشمل المرأة ، ونص القانون الفرنسي على أنها ليست أهلاً للتعاقد دون رضي وليها إن كانت غير متزوجة . أما وضع المرأة عند العرب قبل الإسلام فكان يتأثر بالطقوس و المعتقات التي كانت تهيمن على الجزيرة العربية مثل اليهودية و المسيحية و البودية و المجوسية .... لذلك كانت المرأة مهضومة الحقوق لا ميراث لها ، وليس لها أي حق على زوجها ، فهو يطلقها متى يشاء ويتزوج من غيرها بلا حدود ، وكان العرب في الجاهلية يتشاءمون من ولادة الأنثى حتى وصل الأمر بهم إلى وأد البنات وهن أحياء خشية الفقر والعار . هدا الوضع عند المرأة سيعرف تغييرات جذرية على إثر الثروات التي عرفتها أوروبا ابتداء من القرن 12 ببريطانيا حول الحقوق المدنية و السياسية ، إلى الثورة الفرنسية 1879 و ما حملته من حقوق للمرأة و مساواة . لكن دور المرأة في المعادلة الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية في أروبا جعلها تحقق مكاسب مهمة : المساواة في الحقوق و الواجبات تحقيق الشخصية النسائية كفاعل سياسي و اقتصادي و اجتماعي حرية الرأي و التعبير حرية المعتقد أما الإسلام فقد أقر بكرامة المرأة وإنسانيتها وأهليتها لأداء رسالة سامية في المجتمع بإعطائها مكانة عالية من التقدير والاحترام اللائق بها كأم مربية للأجيال و كفاعلة اقتصادية و اجتماعية و كزوجة لها حقوق وعليها واجبات في علاقتها مع الرجل : شروط الزواج و قواعد الطلاق و حق التصرف في أموالها و أورثها مما يترك الوالدان و الزوج و الأبناء . و العمل على أن يصان عرضها من الاستغلال و الاغتصاب. هذه هي المرأة عبر التاريخ على مستوى الأديان و المعتقدات القديمة و على مستوى الإسلام. فما هو هدف أعداء المرأة اليوم في بلادنا ؟ إنه بالطبع العودة إلى عهد الظلمات وعهد الاعتقاد بالديانات القديمة في علاقتها بالمرأة التي تعتبرها نجس . هذه مذاهب ترمي إلى التخلف و إلى الانحطاط و هي مذاهب تخدم الصهيونية في مخططها الذي وضعته في مؤتمرها نهاية القرن التاسع عشر. البدالي صافي الدين القلعة