في إطار لوحة الرئاسة ضمن مشاهد المسرحية التي انطلق عرضها يوم 30 يونيو الماضي بالانقلاب على الشرعية المصرية بكل معانيها، رئيسا ودستورا وشعبا ومؤسسات، قَدم قائد الانقلاب نفسه مرشحا رئاسيا ليستفتي الشعب المصري على نفسه؛ في انتخابات محسومة النتائج قبل انطلاقها؛ بالرغم من وجود أرنب السباق حمدين صباحي؛ لتزيين المشهد المسرحي، وإكمال الصورة على الفضاء الركحي. هذا المرشح الرئاسي، مع التجوز في التسمية، يفرض نفسه على هذه الأمة المصرية؛ وليس فيه أدنى شروط الترشح للرئاسة، بل إن صفاته كلها شواهد تشهد ضده، مؤكدة عدم صلاحية قائد الانقلاب لهذه المهمة العظيمة، كما تؤكد هذه الصفات أن مستقبل مصر مع المرشح السيسي، لا محالة، ذاهب نحو مصير مجهول لا يعلم به إلا الله. أول هذه الصفات ضيق الصدر، فإذا كان المرشحون الحقيقيون يقدمون برامج شاملة تشمل رؤية المرشح السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ...، ويقدمون ضمن هذه البرامج ملفات بمقترحات تفصيلية للمنطقة التي يترشحون فيها؛ فإن مرشح الانقلاب يجعل ضمن برنامجه القضاء على تيار فكري وسياسي داخل المجتمع المصري؛ تمتد جذوره إلى ما يقارب قرنا من الزمن. لقد وعد المصريين علنا أنه سيجعل من أولويات برنامجه القضاء على "جماعة الإخوان المسلمين"، معتقدا أن الجماعة هي فلان أو علان، متناسيا أن الجماعة في أصلها فكرة ومنهاج، وأن أنصارها وفروعها انتشرت في بقاع العالم، غير أن ما نفهمه من هذه الخطوة المريضة أننا أمام مرشح يضيق صدره عن تحمل طيف معين داخل المجتمع، فكيف ستكون له القدرة على تدبير الخلافات داخل مصر التي جاوز عدد سكانها 90 مليونا. ثانيها اتصافه بما يصطلح عليه في القوانين الوطنية للدول بالخيانة العظمى، فقد خان رئيسه وكل مؤسساته وانقلب عليها بتنسيق مع جهات دولية. ثالثها الدموية وروح الانتقام، ولا أرى شاهدا على ذلك أكبر من مجزرة "رابعة"، التي قارب عدد شهدائها خمسة آلاف شهيد حسب بعض الإحصائيات؛ دون ذكر الجرحى والمعطوبين. رابعها التبعية للغرب، وقد دلت على ذلك وقائع وأمثلة كثيرة، منها إعلانه شخصيا أنه أخبر الولاياتالمتحدة بقرار الانقلاب على الرئيس الشرعي محمد مرسي منذ شهر مارس، أي ثلاثة أشهر قبل وقوع الواقعة، ثم تبعية التمويل، ناهيك عن الزيادة الأخيرة لروسيا التي كتب عنها الكثير. خامسها سطحية التفكير، والفضل في الحقيقة في كشف هذه السطحية المفرطة يرجع للقاء التلفزيوني الأخير الذي أجرته معه لميس الحديدي وإبراهيم عيسى. فهل يعتقد المسكين أن دولة بحجم مصر تحل مشاكلها وكوارثها الاقتصادية والاجتماعية بمقترحات جزئية مثل مقترح شراء السيارات للشباب وإغراقها في الأقساط، أو مقترح المصابيح ... السيسي رجل عسكري وكفى، لا علاقة له بشؤون السياسة ولا بإدارة الدولة، يكفيه أن يبقى مع نفَس العجرفة والتكبر الذي تلبس بلبوسه أثناء خطاباته العسكرية السابقة كلها. سادسا الكذب بلا انقطاع، فلو شئنا أن نحصي عدد المرات التي تكلم فيها السيسي فكان كاذبا لأخطأن العد دون شك، فمنذ أول خطاب لرجل الانقلاب أطلق العنان لخياله لإنتاج ما شاء الله أن ينتج من الكذب، وواصل ذلك دون انقطاع. ثامنا الهوس الإعلامي، فمنذ استيلائه على مقاليد الحكم في الدولة وضع قبضة حديدية على الإعلام المصري دون استثناء، وكمم أفواه القنوات التي لا تقبل الترويض فأغلقها وأنها قصتها تماما؛ في سابقة لم نر مثلها حتى في الزمن المباركي المظلم! وقد كان حريصا على توظيف الإعلام في كل محطاته الانقلابية، فمنذ يوم الحدث الفاجعة وظف جميع أساليب المكر والخداع والتدليس الإعلامي ليقنع العالم أن الشعب المصري خرج عن بكرة أبيه ليدعم انقلاب العسكر على شرعية الشعب. ثم واكب ذلك بهجوم منظم وَظفت فيه جوقة الإعلاميين كل الأسلحة، المشروع منها وغير المشروع، لتشويه صورة الإخوان وكل من يوافق مشروع الإخوان، حتى ولو كان من أقصى اليسار أو العلمانيين. تلك بعض معالم شخصية مرشح الانقلاب، وكلها تثبت عدم صلاحية هذا العسكري الدعي الذي لطالما كذب على الشعب المصري وادعى أنه ليس له مطمع في الرئاسة، ولا ينوي الترشح لأي انتخابات رئاسية، واليوم يخرج مواصلا خداعه وكذبه، مدعيا أنه إنما يفعل ذلك استجابة لدعوة الشعب المصري واعجبا، فلله الأمر من قبل ومن بعد! *باحث من المغرب