قصة من تيلوكيت : لم استطع أن أقاوم مشاعري الجياشة و الألم يعتصر قلبي أثناء استماعي لإذاعة شذى إف إم وهي تتحدث عن معاناة وآهات سكان الجبال بإقليمأزيلال. استضاف البرنامج محمد من دوار أيت عبي بجماعة تيلوكيت المنكوبة . محمد تحدث بحرقة كبيرة عن العزلة التامة التي يعاني منها سكان الدواوير التابعة للجماعة لمدة 24 يوما دون أن يتدخل أحد لوضع حد لمأساتهم. تحدث محمد عن فقدانه ل 40 رأسا من ماشيته موتا بالجوع كما تحدث عن دفنه لطفلين قبل 4 سنوات لأنه لم يستطع أن يوفر الحليب لهما بعد حصار الثلوج للمنطقة وقطع الطريق ..تكلم محمد، كذلك، بكل حرقة عن نفاذ مخزون الطعام وأن الشعب هناك يسد رمقه ب"الخبز والشاي ".. رئيس الجماعة "ينتظر" مع بقية الشعب : ما أثار حنقي وحنق مقدم البرنامج أن رئيس مجلس جماعة تيلوكيت، الذي استضافه البرنامج ،المعنون" برلمان الشعب، مباشرة بعد مداخلة محمد لم يقدم جوابا عمليا لفك الحصار والعزلة عن من صوتوا عليه ذات يوم ، واكتفى بدور المنتظر كبقية الشعب، حيث تدرع بهزالة الميزانية وأن فائض الميزانية لا يتجاوز 60 مليون سنتيم. وكل ما استطاع سعادة الرئيس القيام به هو الإتصال بقائد قيادة تيلوكيت، الذي بدوره راسل مندوبية وزارة التجهيز والنقل والعمالة ولا جواب لحد إذاعة البرنامج مساء يوم الإثنين الماضي. إن اكتفاء رئيس الجماعة بمراسلة القائد وحتى مدير التجهيز وانتظار الجواب لمدة طويلة ينم عن المستوى التدبيري والمعرفي للسيد الرئيس. فلو أراد السكان الإعتماد على القائد في مثل هذه الأمور لما انتخبوك ومنحوك "تفويضا" باسمهم كي تدافع عن حقوقهم و تصون كرامتهم وتصرخ بأفواههم ، وإذا لم تجد أذانا صاغية محليا فلتراسل الحكومة مركزيا أو حتى جلالة الملك إذا اقتضى الأمر ذلك، فليس القائد هو نهاية السلطة في البلاد وليس العامل هو نهاية المسار. إن أرواح أيت تيلوكيت و كرامتهم أهم من أي اعتبار آخر.. إقليم الحكرة قصة ساكنة تيلوكيت ليست إلا نموذجا، ربما مخففا، لنماذج كثيرة من إقليمأزيلال التي تعاني، تتألم، تتأوه، تجوع ... في صمت وهي منقطعة عن العالم بسبب الثلوج والبرد القارس وضيق ذات اليد، دون أن تجد من يفك عنها العزلة أو يمد لها لقمة تسد بها رمقها.. إن الأمر خطير جدا: فلا الأطفال يدرسون ولا يتداوون ولا يلعبون ولالا، أين حقوق الطفل؟ أما النساء الحوامل فتلك مأساة أخرى. أين حقوق المرأة؟ أين الجمعيات النسائية الحداثية الديمقراطية جدا؟؟ طبعا ليست هذه المرة الأولى التي تسقط فيها الثلوج وليست المرة الأولى التي تعاني فيها ساكنة الجبال بإقليمأزيلال..فهذا يحدث كل سنة وقد تحدث الإعلام عن ذلك وفضح المجتمع المدني المعاناة التي يعاني منها شعب كل ما يربطهم بالدولة المغربية تلك البطاقة الوطنية أو شحنهم في الشاحنات للتصويت بنعم لدستور أو ما شابه ومن تم يتم نسيانهم وتهميشهم والمبالغة في احتقارهم و إهانتهم. أعتقد جازما أن شعب إقليمأزيلال لا يقل أهمية ولا قيمة ولا منزلة عن شعب مالي أو شعب الكونغو أو شعب سوريا ...الذين تلقوا وما زالوا يتلقون مساعدات مختلفة من الدولة المغربية لأسباب سياسية أكثر منها إنسانية. فعلى الأقل يجب أن ترسل طائرات محملة بالأدوية والأغذية والأفرشة لسكان المناطق المنكوبة بأزيلال وتقام مستشفيات ميدانية في فترة الثلج والبرد الغير محتملين. فإذا تم نزع، بشكل غير مباشر ، صفة المواطنة الكاملة عن شعب أزيلال، وشعوب أخرى تعيش نفس الآلام، من خلال حرمانهم من أبسط حقوق المواطنة، فعلى الأقل يجب على الدولة أن ترسل لهم مساعدات إنسانية من باب " الشعب الشقيق" فهم أولى بها و"الصدقة في المقربين أولى". وياليت وزارة الداخلية تدع المجتمع المدني يشتغل بحرية وبدون ازعاج لإيصال المعونات الى السكان المنكوبين. فلا هم يساعدون ولا هم يتركون من يقدم المساعدة. إنها الجريمة المتكاملة الأركان!! التصويت على من " يصوِّت" الشعب: صحيح أن جزء من مسؤولية المأساة المستمرة التي يعيشها أبناء الجبال والهامش من إقليمأزيلال، يتحملها السكان أنفسهم من خلال التصويت على أناس لا كفاءة ولا مروءة لهم. حيث يبيعون أصواتهم في لحظة ضعف أو ضغط أو إغراء مقابل الوهم والسراب والألم..كما يتحملون جزء من المسؤولية من خلال صمتهم وخوفهم كأنهم ليسوا مواطنين كاملي المواطنة مثل باقي المغاربة فتجار البؤس جعلوهم يحسون أنهم " لا يستحقون" الحقوق التي يتمتع بها مغاربة " المغرب النافع".. غير أن هذه الظروف العصيبة الصعبة ليست مناسبة للوم والعتاب وإنما للسؤال : أين هي الدولة المغربية مما يعانيه سكان أزيلال الوطنيين حتى النخاع؟ لماذا هذا التهميش والحكرة المستمرة المتواصلة؟ أي ذنب اقترفه هؤلاء الأبرياء؟ إن الظلم ظلمات يوم القيامة.. هل تتغير الأوضاع؟ نستبشر بتعيين العامل الجديد خيرا باعتباره من أبناء المنطقة. نتمنى أن يحس بمعاناة أهله وأن يساهم في وضع حد لمعاناتهم التي طالت رغم الشعارات الرنانة التي رفعتها الدولة المغربية في السنوات الأخيرة. نقول كفى من الحكرة ونقول كفى من التهميش ونقول كفى من التمادي في إيذاء سكان إقليمأزيلال عامة وساكنة الجبال والهوامش خاصة. فنحن بشر من لحم ودم وأحاسيس ولنا كرامة ولنا عزة ولنا حقوق مواطنة ولدنا في هذا البلد ونحن مستعدين أن نضحي بأرواحنا في سبيل هذا الوطن.. غير أننا غير مستعدين أن نعاني أكثر أو نُحتقر أكثر أو نهمش أكثر...واش فهمتونا ولا لا؟؟