أدرك عمر بنجلون بأن الثورة الفكرية أقوى من الثورة بالسلاح ، لأن الثورة الفكرية وليدة الثورة الثقافية التي تؤمن للثورة استمرارها و رعاية أبنائها. فالثورة الثقافية التي قادها ماو تسي تونغ خلفت شعبا قويا وقف شامخا و صامدا أمام المد الإمبريالي . وهاهي الصين الشعبية تفاجئ العالم اقتصاديا و سياسيا و صناعيا .لذلك كان لعمر منهاجا ثوريا ينبني على ثلاثة مرتكزات أساسية، المرتكز الأول قوامه الخطاب المباشر الذي كان يروم إلى استهداف العقول عند الشباب المناضل و المتعاطف و إلى تنمية قدراتهم في التحليل العلمي لفهم الواقع المعاش حتى يكون نضالهم ذا مردودية سياسية في سبيل التغيير. فلكي يكون الشباب مثقفا واعدا و مالكا لأدوات التحليل العلمية و يكون في مقدمة الثورة إلى جانب طبقة العاملة الواعية بدورها ألطلائعي في التغيير ،فإنه يحتاج إلى المثقف الثوري من طينة عمر بن جلون ، الذي ظل يتجنب استهداف العواطف و الغرائز من أجل شحن هؤلاء الشباب ، لأنه كان يدرك بأن تداعيات الشحن لها خطورتها على المستوى السياسي و الاجتماعي و الثقافي ، ولأنها تعمل على تكوين عناصر بدون روح إنسانية ، أو عناصر شعبوية تميع المشهد السياسي و تحول حزب القوات الشعبية إلى حزب تتحكم فيه النزوات الشخصية و الكذب على المواطن و جعله يعيش على الوهم كما يحصل اليوم على مستوى المشهد السياسي ، الذي أصبحت فيه الشعبوية هي العملة الرائجة كالسيجارة الممزوجة بالأفيون. لقد كان يؤكد دائما بأن أي تغيير لن يكتمل دون مشاركة الجماهير الشعبية، وأن أي تغيير لن يكون حقيقيا ، أولا دون الإرادة القوية لتصفية الهياكل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الشبه الاستعمارية التي يطلق عليها التخلف ،وثانيا الوعي بأن تصفية هذه الهياكل لا يمكن أن تتم إلا بالحل الاشتراكي الذي لا يمكن ان ينجح إلا بالاعتماد على الجماهير التي يجب أن بكون واعية بدورها في التغيير ، وثالثا لتحقيق هذه الأهداف لا بد من تنظيم حزبي تكون مقوماته ثورية . أما المرتكز الثاني فهو يتميز بالارتباط العضوي بالطبقة العاملة من أجل تأطيرها و تكوينها ، حتى تعي بواقعها و بدورها في التغيير ، و تأهيلها لتكون ذات إرادة منها و إليها ومستقلة عن أية وصاية بيروقراطية أو مخزنية ، أي طبقة عاملة واعدة و مستعدة لتكون في طليعة التغيير. ولقد قال عمر في هذا المجال يبدو من الأفيد أن نتناول التحليل بالرجوع إلى طبيعة الحركة النقابية منذ نشأتها ولنتلمس أسباب الشعارات التي تطغى على تحليلاتنا و التي كثيرا ما تجعل مناضلين يتنازعان و يتجادلان بالرغم من أنهما يتكلمان نفس اللغة لأن كلا منهما يعطي للكلمات مذلولا خاصا. ثم يضيف لماذا يفرض دائما على الحركة النقابية أو الطبقة العاملة أسلوب المعركة؟ الواقعية أو غر الواقعية؟التغامرية؟ هذا هو السؤال الحقيقي الذي يعني ضرورة تغيير الهياكل الاقتصادية و الاجتماعية و بالتالي السياسية حتى يتخلص العامل من هذه الأسئلة المفروضة عليه و يصيح صاحب الإنتاج.. والمرتكز الثالث فهو يتميز بمواجهة قوى التضليل و التحريف داخل نقابة الاتحاد المغربي للشغل و داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ثم الاتحاد الاشتراكي. إن هذه المميزات/ المرتكزات السياسية و النقابية كانت و ستظل هي المدخل الحقيقي للثورة الحقيقية التي لن تأكل أبنائها و التي لن تجد القوى الانتهازية مكانا لها فيه، و هذا ما سيدفع بالنظام إلى مواجهة هذه الثورة التي بدأت تدب في جسم الشباب ، الذي بدأ يرتبط بالفكر الاشتراكي و يؤمن بالعمل الثوري من أجل التغيير الحقيقي،و في جسم العمال الذين بدئوا يتحررون من الوصاية البرقراطية و بدءوا ينخرطون في العمل السياسي . إن بطل هذا للمشروع الثوري كان هو عمر بن جلون. لقد أدرك النظام و عملاؤه بأن عمر هو «عنوان الثورة ". و أدركت القوى الظلامية بأن عمر هو الحامل للمشروع الثوري الذي سيفسد تطلعاتهم إلى السلطة . و بذلك يلتقي النظام المخزني و القوى الظلامية في الموعد من أجل إجهاض مشروع عمر . لكن كيف ذلك؟ .لقد عمل النظام على تسخير عملائه في الجهاز البيروقراطي من أجل إبعاد عمر على مربع الطبقة العاملة من خلا التضييق بل حتى التعنيف. و كان عمر واعيا بهذا المخطط، فلم يستسلم، بل ظل مرتبطا بالطبقة العاملة ماكثا وسطها، لإيمانه بخطورة تقسيمها و بخطورة تحويلها إلى قوة للابتزاز و اللعب السياسي.لم تفلح بيروقراطية الاتحاد المغربي للشغل في زحزحة عمر من مكانه المشرق داخل العمال ،بل ازداد عزيمة و تحديا و دينامكية أقوى . و من جانب آخر عمل النظام على تجنيد فلول المد الأصولي من أجل مواجهة عمر بن جلون ،عنوان الثورة القادمة. فما كان لهذه القوى الظلامية، بعد إذن النظام ،إلا أن تغتال عمر في واضحة النهار و تحت أعين النظام التي لا تنام و هي تلاحق و تراقب اليساريين في تكل المرحلة .وحقق النظام و القوى الظلامية هدفهما المشترك، ألا و هو مواجهة أي مشروع ثوري يهدف إلى تغيير الهياكل السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و بناء مجتمع تسود فيه الديمقراطية و والعدالة الاجتماعية و حقوق الإنسان. و هاهو النظام و حلفائه التاريخين من القوى الظلامية يتآمرون على الشعب المغربي من خلال برلمان و حكومة يقودانهما معا و يحافظان من خلالهما على الكيانات القائمة و التي تستنزف الشعب و تستعبده و تحرمه من حقه في تقرير مصيره بنفسه . لذلك قتل عمر لأنه كان عنوان ثورة حقيقية ,ولأنه كان يدرك مخططات النظام المخزني و من ورائه الإمبريالية عدوة الشعوب.فما قتلوا ثورته مع اغتياله و ما قتلوا فكره الأبدي بتنحية من الحياة و ما انتصروا بغدرهم و جبنهم ولكن أذنبوا في حق الشعب المغربي و في حق الأمة العربية و الإسلامية , وسيظل دم عمر عنوان ثورة الشعب المغربي مهما طال الزمن ، وهو ما لم يدركه النظام و الرجعية في هذا الوطن ، بأن هو أن الشعب لا يقتل ثورته بل يحتفظ بها حتى تنمو لتظهر أقوى و أجدر ولتأخذ ثأرها لأبنائها . البدالي صافي الدين قلعة السراغنة