في إطار انفتاحها على محيطها السيوسيو اقتصادي نظمت جامعة الحسن الأول ندوة دولية حول " الذكاء الترابي والتنمية الجهوية أية رؤى؟" وذلك يوم الخميس 21 نونبر 2013 بمدرج كلية العلوم والتقنيات بسطات، وتندرج هذه الندوة العلمية ضمن السياق الجديد لثقافة التنمية التي تعتمد أساسا على مقاربة تشاورية ومندمجة، وقد نشط هذه الندوة التي ترأس أشغالها الأستاذ سمير فجال ثلة من الأساتذة والخبراء المغاربة والأجانب وعرفت مشاركة مجموعة من الفاعلين العموميين والخواص والمجتمع المدني وممثلي الأمة لا سيما من جهة الشاوية ورديغة . وكان الهدف من تنظيم هذه الندوة هو تحسيس الفاعلين المحليين بأهمية الذكاء الترابي و المساهمة في تعميم هذا المفهوم وتنزيله كممارسة عملية مع إبراز أهمية تملك أليات ووسائل الذكاء الترابي من أجل تنمية مستدامة للجهة. وقد افتتحت الندوة بكلمة السيد الحسين بوعياد عميد كلية العلوم والتقنيات بسطات رحب في مستهلها بالضيوف وحيا اللجنة المشرفة على حسن اختيار الموضوع وذكر أن المغرب يعرف تطورا ملموسا لم يعد يستوعب خلاله القوالب الجاهزة بل ينبغي الإبداع والخلق والتحكم من أجل ربط التنمية الجهوية بالتنمية المستدامة لاسيما وأن جلالة الملك يدعو دائما إلى ضرورة إدماج المؤسسة العلمية بالمحيط الاجتماعي. وباسم اللجنة المنظمة للندوة العلمية أشارت السيدة الأستاذة بديعة أولحاج أن منظمو الندوة يرومون من خلالها حل إشكالية التنمية الجهوية من خلال الذكاء الترابي مبرزة بعض تعاريفه وأهدافه وكيفية خدمته للتنمية، وموجهة الشكر لجمعية الذكاء الترابي بالقنيطرة وغرفة التجارة والصناعة والخدمات. وفي أول مداخلة للأستاذ عبد الواحد فكرت مدير إعداد التراب الوطني حول موضوع" إعداد التراب ودوره في إعداد النجابة الترابية" بين أن إعداد التراب يعد عبارة عن مجموعة من المعاريف والأنشطة التي تقوم بها الدولة أو الفاعلين لتوزيع ناجح يهم "الساكنة، الأنشطة الاقتصادية والتجهيزات الكبرى للدولة" انطلاقا من المعطيات المجالية لأن لكل مجال إكراهاته وضعفه وكل ذلك من أجل ضمان التناسق والانسجام المطلوب، مبينا أن الاستدامة ترتكز على الجانب الاجتماعي، والجانب الاقتصادي، والجانب البيئي أما النجابة الترابية فتعني الذكاء والنجابة والفطنة ، حيث أن الذكاء يعني القدرة على تحليل المعلومات وردود أفعال، لكن النجابة في مفهومها أرقى ومنها القدرة على القرار الصائب على تحليل المعطيات والهدف منها هو المعرفة الجيدة للمعطيات الحية لهذا المجال من أجل أخد قرارات جيدة للتراب. أما المقاربة الترابية فيقصد بها كل ما يتعلق بالتخطيط الاستراتيجي الترابي وهي التناسق والاندماجية والاشتراك والتعاقد الذي ينبني عليه الانسجام، فالمغرب يقول الأستاذ عبد الواحد فكرت يتوفر على 1500 جماعة ترابية و 16 جهة ولكل مستوى مخطط خاص به انطلاقا من المقاربة الترابية بالرغم من تواجد الهيمنة القطاعية وهيمنة المركز وضعف المقدرات المحلية من موارد مالية وبشرية، وعليه فمديرية إعداد التراب الوطني لديها مهام جسيمة تتوخى الرصد والتنسيق واليقظة والقيام بالدراسات الإستراتيجية. ولعل الحوار الوطني لإعداد التراب وقف عبر خلاصا ته لتقييم المجالات للنهوض بالسياسات العمومية وبالتنمية الجهوية عبر خلق مشاريع ثرابية وتزويد الجهات بأوراق مضبوطة من أجل وضع مخططات وبرامج لمدة 25 سنة. أما مداخلة الدكتور عبد الجبار عراش مدير مختبر الأبحاث حول الانتقال الديمقراطي المقارن وأستاذ بكلية الحقوق بسطات في موضوع" الذكاء الترابي مقاربة في المفهوم" فقد وقف عند خمس ديناميات أساسية، سياسية، اقتصادية، اجتماعية، قيمية، ومجالية حيث تتمثل الدينامية الاقتصادية في حرية التنقل وحرية التجارة وتتمثل الدينامية الاجتماعية في الهجرة الداخلية والهجرة الخارجية والكوارث البيئية والدينامية القيمية التي أخذت تتغير شيئا فشيئا وأخرى ظهرت على السطح طارحا في الوقت ذاته إشكالية عريضة مفادها أنه كيف يمكن للذكاء الترابي أن يشكل الدفعة الأساسية لخلق التدبير، وفي تحديده المفاهيمي بين أن الذكاء الترابي يعد منهجية عمومية ويعني النباهة والنجابة وهي في مستوى أرقى من الذكاء لكون أن هذا الأخير يعد حديث العهد وله العديد من الأبعاد ويتميز بالغموض والتباين، والذكاء الترابي هو ذكاء العيش معا في زمان ومكان معين يعني حفظ الكرامة دون الحقوق والواجبات على مستوى الجماعة والفرد، كما لا يمكن البتة تعريف ما الذكاء أو النجابة الترابية أو اختزالهم في مفهوم واحد إلا بعد ربطهما بمفهومها العام، تم أن النجابة الترابية ماهي إلا تطبيق لسياسة التراب وبين أن الذكاء الترابي هو مجموع المعاريف المتعددة التخصصات والتي تستوعب البنيات وتعد آلية يسخرها الفاعلون " عدالة اجتماعية، نجاعة اقتصادية، حماية البيئة". كما دعى الدكتور عبد الجبار عراش أن فهم واستيعاب البنيات وتحقيق النجاعة الاقتصادية لا يكتمل إلا بعد اقتصاد المعرفة، حيث تصبح المعرفة عاملا إنتاجيا و أضحت معرفة المجالات المورد الأساسي للمعرفة، فإلى أي مدى يمكن اعتبار الذكاء أساسي لإعداد التراب، حيث اعتبر المحاضر أن هناك ذكاء إيجابي آخر سلبي يخدم فئات معينة ويعمل كمنهجية لحل مشاكل اقتصادية واجتماعية، وهناك يقظة ترابية و مجالات رقمية، وركز على بعض الإكراهات من قبيل غياب السياسات العمومية وهيمنة السياسة العامة، ناهيك عن غياب الاستقرار التنظيمي ووجود هيمنة للسلطة المركزية وطرح مشكل الهاجس الأمني واللاستقرار التنظيمي المؤسساتي في مغرب التحولات، وعرج على مشروع الجهوية الموسعة أو المتقدمة الذي يجب أن يوازيه تحويل أكثر للاختصاصات من المركز إلى المحيط " القانون 96/47 " حيث بين أن المواطن المغربي في جهات المغرب لا يمكن أن يتعرف على هويته دون الحديث عن الذكاء والنجابة خاتما مداخلته بتساؤل كبير مفاده أنه كيف يمكن للذكاء الترابي أن يكون آلية استباقية لتصحيح الاختلالات بين الجهات. وفي مداخلة للأستاذة فاطمة بركان رئيسة قسم بمديرية إعداد التراب حول موضوع" مختبر الديناميات الترابية بوصفه أداة لتقاسم المعطيات الترابية" ركزت في مستهلها عن مفاتيح نجاح المغرب في كونه يحتاج لدينامية ترابية في إطار عمل جماعي وبرنامج متكامل وخارطة طريق صلبة لتحقيق التنمية بمختلف مجالاتها السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والمجالية مذكرة في الوقت ذاته بدور مختبر الديناميات الترابية الذي يهتم بجمع المعلومات وتوزيعها على صانعي القرار من حكومة ووزارات و وإدارات بنوع من الحرية في الرأي عبر أليات التواصل المباشرة والمعلوماتية "سيت ويب"وبدعم البحوث الخاصة بالطلبة والقيام بأسئلة للباحثين في المجال، مع وضع برامج متوسطة وطويلة وخلق دورات تكوينية، وخلق شراكات أساسية مع فاعلين أساسيين، كما يشتغل المركز لحل إشكاليات عالقة مرتبطة بمجال النقل والهجرة والمدينة والسكن ووضع تقارير وإحصائيات وخرائط مونوغرافية وطبوغرافية تهم بتهيئة التراب بالاعتماد على الأقمار الاصطناعية، كما لعب المركز دورا في الاشتغال على ملف الجهوية الموسعة بالمغرب . أما مداخلة الأستاذ الفرنسي تيري مونيكات دو الأصول البلجيكية في موضوع" إنشاء الثقة والحكامة ودورهما في التنمية الجهوية " بدأها بطرح سؤال عن ماهية الحكامة والثقة لاسيما في وقتنا الحالي ونحن نعرف حربا اقتصادية واجتماعية تتطلب حكامة ناجعة، فهناك موارد اقتصادية واجتماعية ويبقى مورد المعلومة أهمها لأنها غير مستقرة وتعرف حركية وتشكل مادة خصبة وجب التعامل معها بحذر شديد، حيث أن الكل يقول الأستاذ الفرنسي تيري مونيكات يتوخى الوصول إلى المعلومة سواء مركزية أو غيرها وفي جميع جوانبها الوطنية الجهوية والمحلية لأن الحكامة مفهوم جديد وله ارتباط بالتراب الذي لا يعد مغلقا أو مركبا ولأن أساس التنمية المجالية لايعود فقط للإنسان والطبيعة والبيئة بل نضيف لها الحكامة التي تكون قريبة من الشعب ولا يمكن للحكامة أن تكون هي الأخرى لوحدها بدون ثقة وحينما تكون الثقة والحكامة فهذا يشجع الفاعلين والمستثمرين الاقتصاديين والاجتماعيين لبسط مشاريعهم وخلق شراكات تدخل ضمن المقاربات التشاركية، حيث لا يمكن حل المشاكل إلا بالعمل الجماعي للفاعلين ودعا الأستاذ المحاضر إلى تقوية عنصر الثقة في الجماعة والتي تعد عبارة عن بنزين وبترول المشاريع. مبرزا في الوقت نفسه إلى تحليل ثلاث أنماط للثقة المرتبطة بالتعاقد تم التنظيم والتقييم ودعا في الأخير أنه يستوجب ربط الثقة والحكامة بكل البرامج والمبادرات، وأن تكون هناك نظرة ثاقبة للمستقبل بالاعتماد على التواصل بشقيه العمودي والأفقي . و توج اللقاءالدولي بصياغة العديد من التوصيات في هذا الشأن سيتم رفعها إلى الجهات العليا المختصة في المجال الترابي بغيت الأخذ بعين الاعتبار لاقتراحات النخب والفاعلين المحليين، الجهويين، الوطنيين والدوليين.