كثيرة هي العادات السيئة التي زرعها الفاطميون الشيعة في المغرب, و بعضها لا يمت بصلة إلى ديننا الحنيف رغم أنهم يعتبرونه منه, و قد ترسخت بعض العادات حتى صَعُب التخلص منها و صار التنبيه إليها جهلا و أصبح من لا ياتيها معابا حتى من طرف أحبائه, و من تلك العادات ما يسمى بعشاء الميت. عشاء الميت هو وليمة يقيمها أهل الميت بعد مرور ليلتين على الدفن أي أنها تقام في الليلة الثالثة بعد الوفاة, و يحضرها المُعَزّون بمعية كل من تمت دعوتهم, و هي عادة دأب على فعلها المغاربة حتى اختلطت مع الهواء الذي يتنفسونه فاستحال التخلص منها بسهولة و القبول بتغييرها, حتى و أنّ من لا يقيم هذا العشاء يحس و كأنه ظلم و تعدى, و هذا العشاء لا يعدو أن يكون عادة و ليست عبادة مطلقا, و قد ذمه المذاهب الأربعة و لم أعلم أحدا من الأئمة الأخيار أباحه لوجه من الأوجه و إنما كان التركيز على جانب الصدقة بشكل ملفت فحددوا ثوابت الإسلام في الصدقة و أكدوا أنها تعطى اختيارا و ليس قسرا, أما تلك الوليمة فإنما هي بدعة مستحدثة لوجوه أهمها: 1-ليس في ديننا الحنيف و لو إشارة إليها من قريب و لا من بعيد و إنما لدينا عكسها تماما أي أن المُعَزّون من الأقارب و الجيران هم من تجب عليهم خدمة أهل الميت فقد روى الترمذي و الحاكم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لما استشهد جعفر بن أبي طالب:‘‘ اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم‘‘, و هي إشارة واضحة على أن أهل الميت لا ينشغلون بالضيوف و إقامة الولائم و إنما أمرهم أن ينشغلوا بهمهم لفراق عزيز عليهم. 2-ترسيخ العشاء و جعله من المسلمات: و هو أمر مرفوض شرعا لأنه يلزم حتى الفقير بتدبر مصارف العشاء و إقامته و دعوة الناس إليه حتى لا يشعر بنقص إزاء المجتمع و نظرة الناس, و بذلك يخرج العزاء عن مساره الطبيعي ليدخل في إطار التكاليف العسيرة و المصارف الباهظة خاصة لدى الضعفاء, و ديننا لا يكلف نفسا إلا وسعها في المباح و الواجب, فما بالك بالذي لا يمت إليه بصلة. 3-تحديد زمانه: و هذا التحديد بالضبط يجعل منه بدعة خبيثة أي أنهم ركزوا على تحديده انطلاقا من دليل في كتاب الله تعالى أو في سنة رسول الله و هذا ما لم يحصل بتاتا فما من حديث نبوي و لا آية قرآنية تثبت فرضية ذلك العشاء أو استحبابه أو انتدابه أو وجوبه أو إباحته, أي أن التقيد بزمان معين يزيد الطين بلة و يجعل من ذلك تشريعا وضعيا و بدعة محدثة لا يجب إدخالها في الدين بتاتا. و قد حُرِّمت البدع كيفما كانت, و لو وُجِد بعض العلماء ممن يسمون بعضها بدعا مستحسنة و هي تسمية لا أساس لها في ديننا و إنما نتجت عن فهم خاطئ لسنة النبي صلى الله عليه و سلم و كتاب الله عز و جل, و قد ذكر المبيحون للبدع حديث النبي صلى الله عليه و سلم لما قال:‘‘ مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ. إذا رجعنا إلى الفهم الحقيقي للحديث فلابد أن نسترجع الأحداث و حيثيات قوله صلى الله عليه و سلم حتى ندرك حقيقة الحديث, و لو أخذنا معنى كلمة فعل سنَّ سنجد أنه يعني ابتدأ و ليس شرع أي أن مفهوم الكلمة في الحديث السابق كما شرحها العلماء هو أحيا و ابتدأ و لا يعني شرع مطلقا فكل من سن سنة فقد أحياها فقط و لم يشرعها أي أنها كانت سابقا ثم انقطع العمل بها إلى أن أحياها شخص ما, و هذا هو المقصود و ليس المقصود سن تشريعات على هوانا و نسبها للدين بدعوى السنة الحسنة. و بالرجوع إلى الحديث كاملا يتضح لنا المعنى جليا, ففي صحيح مسلم عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ قَالَ: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلالاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمِ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) إِلَى آخِرِ الآيَةِ ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) وَالآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ ( اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ ) تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، حَتَّى قَالَ: وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ. و من خلال الحديث يتبين لنا أن الصدقة ليست بدعة و إنما شرعت في الإسلام قبل هذا الحدث و لكن الناس كفوا عنها و امتنعوا حتى تفاقمت أوضاع الفقراء في مُضَر و حصل ما حصل فطلب الرسول صلى الله عليه و سلم إحياء سنة الصدقة و ليس تشريعها, و لو طُلِب منا استحداث تشريعات في الإسلام و بدعا لكان الإسلام مجرد تشريع بشري محض و لا دخل لله به, و لكثر الخلاف و انقسم الناس كل حسب هواه, و لكان الإسلام دينا ناقصا, و لكن الله تعالى سلم و جعله دينا كاملا و ذم البدع و فتح باب الإجتهاد بضوابط شرعية. و عليه فكل بدعة تعني بلسان الحال أن الإسلام دين ناقص و تنفي علم الغيب عن الله تعالى و تؤكد بشرية المصادر الإسلامية و كلها أمور مجانبة للصواب, و عشاء الميت واحد من الأمور المحدثة و هو بدعة يجب الإعراض عنها, و هذا لا يعني نفي الصدقة و لكن ارتباطها بحدث معين و تقييدها بزمن محدد مع عَدِّها عبادة هو من يجعل منها بدعة محدثة, و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم: كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار. و إليكم أقوال المذاهب الأربعة في عشاء الميت : المَذْهَبُ المالكي: قالَ في مَواهِبِ الجَلِيلِ في شَرحِ مُختَصَرِ خَلِيل وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُهَيَّأَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامٌ ، (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ وَيَجُوزُ حَمْلُ الطَّعَامِ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ وَاسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَإِنَّهُمْ فَاجَأَهُمْ أَمْرٌ شَغَلَهُمْ» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد، لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الْبِرِّ وَالتَّوَدُّدِ لِلْأَهْلِ وَالْجِيرَانِ. أَمَّا إصْلَاحُ أَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا وَجَمْعُ النَّاسِ عَلَيْهِ فَقَدْ كَرِهَهُ جَمَاعَةٌ وَعَدُّوهُ مِنْ الْبِدَعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِيهِ شَيْءٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَائِمِ أَمَّا عَقْرُ الْبَهَائِمِ وَذَبْحُهَا عَلَى الْقَبْرِ فَمِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ... قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْعَقْرُ الذَّبْحُ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَأَمَّا مَا يَذْبَحُهُ الْإِنْسَانُ فِي بَيْتِهِ وَيُطْعِمُهُ لِلْفُقَرَاءِ صَدَقَةً عَلَى الْمَيِّتِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً وَلَا مُفَاخَرَةً وَلَمْ يَجْمَعْ عَلَيْهِ النَّاسَ. المَذْهَبُ الحَنَفِي: قال ابنُ عَابدِين في كِتَابِهِ رَدِّ المُحتَار على الدُّرِّ المُخْتَار: وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ الضِّيَافَةِ مِنْ الطَّعَامِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ، لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي السُّرُورِ لَا فِي الشُّرُورِ، وَهِيَ بِدْعَةٌ مُسْتَقْبَحَةٌ وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ " كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصُنْعَهُمْ الطَّعَامَ مِنْ النِّيَاحَةِ. المَذْهَبُ الشافِعِي: قالَ الهَيتَمِيُّ فِي شَرحِ المِنهَاج: وَمَا اُعْتِيدَ مِنْ جَعْلِ أَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا لِيَدْعُوا النَّاسَ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ كَإِجَابَتِهِمْ لِذَلِكَ، لِمَا صَحَّ عَنْ جَرِيرٍ كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصُنْعَهُمْ الطَّعَامَ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنْ النِّيَاحَةِ. و قال الشَّرواني في الحاشية: قَوْلُهُ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ عِبَارَةُ شَيْخِنَا بِدْعَةٌ غَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ بَلْ تَحْرُم. وقَال الغمروايُّ في السِّراج الوَهَّاج على مَتنِ المِنهَاج: وَأما إصْلَاح أهل الْمَيِّت طَعَاما وَجمع النَّاس عَلَيْهِ فبدعة تعد من النِّيَاحَة. المَذْهَبُ الحنبلي: قَال البهوتيُّ في كَشَّاف القِناع: وَيُسَنُّ أَنْ يُصْنَعَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامٌ يُبْعَثُ بِهِ إلَيْهِمْ ثَلَاثًا أَيْ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، لِقَوْلِهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرَ طَعَامًا فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ... ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَأَتَاهُمْ نَعْيُهُ. وَيَنْوِي فِعْلَ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ (لَا لِمَنْ يَجْتَمِعُ عِنْدَهُمْ، فَيُكْرَهُ) لِأَنَّهُ مَعُونَةٌ عَلَى مَكْرُوهٍ، وَهُوَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ. نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ هُوَ مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنْكَرَه شَدِيدًا، وَلِأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ عَنْ جَرِيرٍ وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنْ النِّيَاحَةِ. وَيُكْرَهُ فِعْلُهُمْ أَيْ: فِعْلُ أَهْلِ الْمَيِّتِ (ذَلِكَ) أَيْ: الطَّعَامِ (لِلنَّاسِ) الَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ عِنْدَهُمْ، لِمَا تَقَدَّمَ. قَالَ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ كَالشَّارِحِ إلَّا مِنْ حَاجَةٍ تَدْعُو إلَى فِعْلِهِمْ الطَّعَامَ لِلنَّاسِ كَأَنْ يَجِيئَهُمْ مَنْ يَحْضُرُ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى الْبَعِيدَةِ وَيَبِيتُ عِنْدَهُمْ، فَلَا يُمْكِنُهُمْ عَادَةً إلَّا أَنْ يُطْعِمُوهُ فَيَصْنَعُونَ مَا يُطْعِمُونَهُ لَهُ. وَيُكْرَهُ الْأَكْلُ مِنْ طَعَامِهِمْ، قَالَهُ فِي النَّظْمِ وَإِنْ كَانَ مِنْ التَّرِكَةِ وَفِي الْوَرَثَةِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَوْ مَنْ لَمْ يَأْذَنْ حَرُمَ فِعْلُهُ، وَ حَرُمَ (الْأَكْلُ مِنْهُ. نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقا و يرزقنا إتباعه و يرينا الباطل باطلا و يرزقنا اجتنابه..