لم يكن طريق الفنان العالمي رشيد غلام مفروشا بالورد، كما هو طريق بعض فناني الميوعة وأبواق الاستبداد الذين انسلخوا عن إنسانيتهم، في أوطاننا التي ترزح تحت نير الظلم والفساد والقهر والمنع، ولذلك خرج هذا الفنان المبدع إلى العالم بفهم جديد وتصور مغاير لمعنى الفن ومضمونه وقصديته، فبالإضافة إلى ما حبى الله هذا الفنان من صوت عذب جميل وقدرات عالية في الأداء، أعطاه الله تعالى وجدانا فياضا بمشاعر إنسانية، وبمكارم الأخلاق العالية، فلم يجعل الفن يوما وسيلة للزيف، ولا لخدمة حكام الزور، بل هدف من خلال فنه إلى هد صروح فن الخلاعة ورسم طريق ثان مغاير للابتذال الذي وقع فيه مفهوم الفن، نتيجة ارتباط كثير ممن ينتسبون للفن برجال الأعمال الفاسدين، وبالحكام الظلمة والأمراء المترفين، واللاهثين وراء الربح ولو بمخاطبة الذوق الهابط والرغبات المكبوتة، من المنتجين الذين يجعلون من الفنانين مجرد أدوات للإغراء واللهو. أول ما بدأ رشيد غلام مسيرته الفنية صدحت حنجرته بالتغني بالذات الإلهية العلية وبالمديح النبوي، معتبرا أن الفن بطبيعته رسالة وجودية، ومطلوب من الفنان أن يخبر الإنسان بطرق مختلفة عن حياته ومآله وقضيته مع ربه، وجعل الفن وسيلة لخدمة تطلع الإنسان إلى كمال الروح وسمو الأخلاق، وتلقف آثار الجمال في الأفاق والأنفس، ورغم انتساب غلام المبكر للحركة الإسلامية وإلى مدرسة العدل والإحسان، إلا أنه وعلى غرار دعوة العدل والإحسان المنغرسة في وجدان الملايين، قد عبر بفنه قلوب الملايين من محبيه أيضا ليس في المغرب فقط، بل وفي كثير من بلاد العالم، وأغانيه في الجمال الإلهي والبهاء المحمدي ومساندة ثورات الشعوب، أصبحت أشهر من نار على علم. لم يكن رشيد غلام بعيدا عن أحلام مجتمعه في الحرية والخلاص من الفساد والاستبداد، فلقد خرج إلى جانب الشباب المغربي خلال مسيرات وفعاليات حركة 20 فبراير المغربية، فغنى أغنية خالدة رددها معه الآلاف في ساحات النضال صحبة شباب 20 فبراير في البيضاءمسقط رأسه وهذه الأغنية كانت بعنوان علو الصوت: من وسط الظلم والقهرة نعليو الصوت من حر الحيف والحكرة نعليو الصوت من أجل الماسك بالجمرة نعليو الصوت من دم يفور بالحسرة نعليو الصوت من أجل بلادي وولاد بلادي من أجل ولادي نعليو الصوت من أجل ارواح مدفوعة لبحور الموت من أجل أعراض مبيوعة بلقمة قوت من اجل أصوات مقموعة لابد تصير مسموعة نعليو الصوت من أجل دموع مسكوبة من عيون الصبر كما غنى غلام للثورة السورية، وأضفى بهاء فوق البهاء، وجمالا فوق الجمال، بصوته العذب وأداءه الرائع، على الموال الدمشقي لنزار قباني: قل للذين بأرض الشام قد نزلوا قتيلكم لم يزل بالعشق مقتولا يا شام يا شامة الدنيا، ووردتها يا من بحسنك أوجعت الأزاميلا وددت لو زرعوني فيك مئذنة أو علقوني على الأبواب قنديلا هواك يا بردي، كالسيف يسكنني وما ملكت لأمر الحب تبديلا والنهر يسمعنا أحلى قصائده والسرو يلبس بالساق الخلاخيلا يا من على ورق الصفصاف يكتبني ..شعرا ...وينقشني في الأرض أيلولا وأما جديد غلام فكان أغنية آية في الجمال للثورة المصرية بعد الانقلاب العسكري، ومجازر نظام الانقلاب الغاشم في رابعة والحرس والمنصة، فكانت أغنية طالع التي كتبها رشيد غلام بيده ولحنها، أجمل تفاعل من قلب فنان مع الثورة المصرية، وبالمعايير الفنية شكلت هذه الأغنية تحفة فنية تعبر عن ملحمة ميدان رابعة العدوية، أما بمعيار المضمون فهي محملة بمضامين معبرة عن هموم أمة وملايين الفتيان والنسوة والشيوخ والصبيان، الذين اقسموا على مواصلة الدرب وإتمام المشوار حتى تشرق ثورتهم ويهدون صرح حكم البيادة الغاشم، ويعود لكنانة عز الإسلام مجدها وتعود الإرادة والشرعية المسلوبة. طالع يطلب حقه وكبّر- شايل أكفانه ومجروح يهتف: يسقط حكم العسكر- صارخ وصوته مبحوح هشم صدره رصاص العسكر-ترخص لك يا بلادي الروح مصر يا خير البلدان - شوفي كيف العسكر خان قتلوا فتيان الإيمان - نسوة وشيوخ وصبيان مصر يا خير البلدان - شوفي كيف العسكر خان قتلوا فتيان الإيمان- و"رابعة" شاهد عيان ترخص لك يا بلادي الروح - شهدائك يحموا الأوطان ثورتنا تشرق بالنور-و الباطل زيفه مدحور ثمم ثورات الأحرار- و لا ترضي حاكم بالزور شق الصخر و هد السور -يا محمد يا منصور أم الدنيا شدي الحيل - مهما دوائوكي الويل شمس ولادك تجلي الليل - يغسل وشك ماية نيل ده كنانة عز الإسلام - كوني للثورة عنوان لقد حق لنا أن نفتخر بهذا الفنان الكبير وبأغانيه الملتزمة التي يتعبد بها الله تعالى، غير مول وجهه قبل صنم ولا حاكم، بل رافعا رأسه للسماء صادحا بالتغني بجمال وجلال الله، وبجمال سيد الخلق أجمعين، دون أن ينسى هموم أمته، يغني نصرة للمظلوم، ومواساة هي أمر الله لكل إنسان، وحق لكل إنسان مقهور على أي إنسان، وواجب على كل إنسان تجاه أي إنسان مظلوم، وهذا ما يجعل من رشيد غلام فنانا رائعا وإنسانا وقلبا كبيرا، وفي الآن ذاته غاية في التواضع كما هو شأن الكبار دائما، في لقاء قصير جمعني به قلت له ننتظر منك أغنية بالأمازيغية، ورد علي بتواضع جم "ما كرهتش خص لي يعلمني الامازيغية "، هذا هو رشيد غلام الفنان والإنسان.