كان أبوحنيفة وهو جالس مع تلامذته في المسجد، مادا رجليه بسبب آلام في ركبته، بعد أن استأذنهم في ذلك. وبينما هو منهمك في إعطاء الدرس إذ جاءه رجل عليه أمارات الوقار والحشمة، يلبس ملابس بيضاء نظيفة ذو لحية كثيفة فجلس بين تلامذة الإمام. فما كان من أبي حنيفة إلا أن طوى رجليه إلى الخلف احتراما لضيفه. وبينما التلامذة ماضون في كتابة ما يقوله الإمام إذا بالشيخ الوقور يسأل أبا حنيفة بدون سابق استئذان: يا أبا حنيفة أجبني أن كنت عالما يُتَّكل عليه في الفتوى، متى يفطر الصائم ؟. ظن أبو حنيفة أن السؤال مفخخ فأجابه على حذر: يفطر إذا غربت الشمس..فقال الرجل:وإذا لم تغرب شمس ذلك اليوم يا أبا حنيفة فمتى يُفطر الصائم ؟! وبعد أن انكشف المستور وظهر ما وراء اللباس الوقور قال أبو حنيفة قولته المشهورة: آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه.. يمكن لكل من شهد الجلسة الافتتاحية للمناظرة الوطنية حول الحق في الحصول على المعلومات، وأنا واحد منهم، والتي نظمتها وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة يوم الخميس 13 يونيو 2013 بفندق سوفيتيل بالرباط، أن يتذكر قصة أبي حنيفة مع ''الشيخ الوقور''.. فقد تناول رئيس مجلس النواب الكلمة في هذه الجلسة عقب كلمة رئيس الحكومة، غير أن ما أثار استغراب الحضور ما تناولته كلمته من بعض المضامين خارج قواعد اللياقة والتقدير ، ومنها: 1. تحميل الحكومة ضمنيا مسؤولية تعثر بعض مقترحات القوانين في مجلس النواب ومنها المقترحان المتعلقان بالحق في الحصول على المعلومات، والحال أن من يتحمل المسؤولية هو مجلس النواب لكونه يملك البرمجة بنص الدستور ونظامه الداخلي، ولو لم يلتق في ذلك مع إرادة الجهاز التنفيذي؛ 2. إن لمز رئيس الحكومة في جلسة عمومية وبحضور أجانب، بكون العديد من المواطنين ومنهم البرلمانيون يجدون العنت في الولوج للمعلومات لدى الإدارة، رسالة خاطئة شكلا ولو صحت مضمونا؛ 3. اعتبار رئيس الحكومة واحدا إلى جانب 665 برلمانيا يملكون حق المبادرة التشريعية، تفسير قانوني ضيق لا يستحضر باقي الأبعاد التي نص عليها الدستور، فلا يمكن اختزال الموضوع في حق المبادرة التشريعية فقط، فضلا عن كون إثارة الموضوع خارج الإطارات الضيقة تقدير تقني لم يستحضر اللباقة السياسية المفروضة في مسؤول كبير من مثل الرجل الثالث في هرم الدولة.. 4. إن انتقاد انعقاد المناظرة في فندق بدل مقر البرلمان، انتصارا للهاجس المؤسساتي ولمطلب الترشيد المالي، أمر غير لائق شكلا ومضمونا، فأما الشكل فيتمثل في الشكل العلني للانتقاد وبخصوص المضمون فإن الجهاز التنفيذي هو من يقرر المكان المناسب سواء كان فضاء عموميا أو خاصا، في حين إن من شأن المطالبة بعقده بالبرلمان أن يشكل إلزاما بما لا يلزم ولا يمكن في النهاية مؤاخذة الحكومة بأمر لها حق التقدير فيه؛ 5. انتفاض رئيس مجلس النواب في وجه الوزير المكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة لما أشار إليه هذا الأخير بلطف بطلب إنهاء كلمته التي أثارت القاعة، حيث توجه إليه بالقول بكونه لا حق له في إيقافه وبالحديث إليه بتلك الطريقة.. لقد كان حريا برئيس الحكومة وبوزيره أن يلزما الحكمة والتعالي على منطق الرداءة والإسفاف، بدل السقوط في الفخ والاستدراج لمواقف أساءت لانطلاقة المناظرة ولصورة البلد.. إن ما وقع يدعونا للتساؤل: هل يتعلق الأمر بسوء تقدير من رئيس الغرفة الأولى للجهاز التشريعي وبمقاربة لموضوع المناظرة من الزاوية التقنية الضيقة، أم هو اختيار مقصود أبعد ما يكون عن الاعتباطية أريد منه بعث رسائل سياسية أو تصفية حسابات سياسية، لكن في المكان الخطأ والزمان الخطأ وبالطريقة الخطأ؟؟ وفي كل الأحوال فإنه يسع أبا حنيفة فعلا أن يمد رجليه..