المصطفى سنكي لتسويق الوهم تاريخ: "لا أريد أن أكيفكم"، عبارة/مَعلمة في خطاب الملك الراحل الحسن الثاني يوم 8 ماي 1990، وهو يعلن عن تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، بعد أن حصر محددات معتقل الرأي، حيث اعتبر أن الذي لا "يعتنق" الملكية نظاما سياسيا، والإسلام دينا، والوحدة الترابية لا يصنف معتقلا سياسيا. مجلس استشاري جاء تأسيسه في سياق ضغط الهيئات الحقوقية الدولية من جهة، وفي سياق تنامي الوعي المجتمعي من جهة ثانية؛ تأسيس سعى النظام من خلاله لتزيين صورته في الخارج وتأكيد مركزيته في المشهد السياسي باحتكار المبادرات. أما على المستوى العملي، فالمجلس المحدث بمقتضى الظهير رقم 1.90.12 الصادر في 24 من رمضان1410ه الموافق ل: 20 أبريل 1990م، يشتغل تحت إمرة الملك مباشرة، يعين أعضاءه، يصادق على جدول أعماله. عوامل تطرح وبقوة سؤال الجدوى والاستقلالية. بمعنى أدق، ما الجهة أو الجهات المطلوب مراقبة مدى احترامها لحقوق الانسان؟ ما الجهة أو الجهات التي تخرق أو يمكن أن تخرق حقوق العباد؟ وإذا كانت السلطة ومؤسسات الدولة عموما هي التي يشار لها بالاتهام، فهل يستقيم أن تنصب نفسها خصما وحكما؟ وما المنتظر من هيئة نظامية المنشإ والتكوين والاشتغال؟ لذلك، لا يعدو قرار تأسيس المجلس أن يكون التفافا على الشأن الحقوقي ليقفز النظام بطبيعته التنفيذية ورهن مؤسسات الدولة لتعليماته من موقع المتهم المباشر بانتهاك حقوق الانسان وتسخير أجهزة الدولة قضاء وإعلاما لتصفية حساباته مع المعارضين السياسيين إلى موقع المنافح عن حقوق الانسان والساهر عن احترامها؟ وما أبلغ قول أبي الطيب المتنبي: "فيك الخصام وأنت الخصم والحكم". وسيرا على نفس النهج الاحتوائي، تم تحديث المجلس سنة 2001، انسجاما مع شعار "المفهوم الجديد للسلطة" دون تغيير جوهري في اختصاصاته، ليضطلع كما كان سنة 1990 بوظيفته التبريرية لما تقترفه الماكينة المخزنية من انتهاك لحقوق الانسان سياسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية. وهو ذات النهج أو الوظيفة التي يمارسها المجلس الذي تم "تطويره" بما ينسجم ومتغيرات الربيع العربي واختير له "المجلس الوطني لحقوق الانسان" اسما، وظل يشتغل بنفس السقف والمقصد، حيث سُجل غيابه أو تغييبه في أكثر اللحظات سخونة: ملف ضحايا 20 فبراير نموذجا. مجلس لم يقوَ منذ 23 سنة من التأسيس على وضع حد لانتهاك حقوق الانسان، ولم يفِ بما برر به الراحل إدريس بنزكري انخراطه في مسلسل المصالحة وهو يحاول إقناع الرفاق بالتنازل على مبدإ تحديد المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة مقابل ضمان التزام الدولة بعدم العود. تغيرت المجالس، وتغيرت الوجوه، وظل المنطق التبريري سيد الموقف، حجتهم أن العدالة الديمقراطية تتطلب زمنا لا يبدو أنه قصير بل الغريب أن إنتاج ملفات الانتهاكات لا يكاد يتوقف، ويبقى أبرزها ملف متهمي أحداث 16 ماي 2003 الأليمة، الذي تحول إلى "هولوكست" لا يسمح بنبشه أو مجرد الاقتراب منه، رغم الاعترافات الرسمية، وعلى أعلى مستوى أن معالجة الملف شابتها خروقات، فمتى ينصف ضحايا هذا الملف؟ وما السبيل لإعادة الاعتبار إليهم وجبر ما لحقهم من ضرر المعنوي منه أكبر من المادي؟ ثم لا يستحيي القوم وهم يتحدثون على إنجاز يسمونه "توسيع هامش الحرية"، وكأن الانتهاك للحقوق هو الأصل، وحيث إن السلطة تكرمت وتنازلت عن بعض من استبدادها وسمحت للعباد بقليل من الحرية، يجب تقبيل الأرض شكرا تطبيقا للطقوس والأعراف الاستبدادية. أليست يا قوم الحرية هي الأصل؟ أليست الحقوق مكفولة وسحبها أو تقييدها يكون بضوابط؟ ورحم الله الفاروق لقوله: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟!" مغرب الأضداد: ما أبعد الشعارات عن الواقع! ولأنك في المغرب فلا تستغرب، فقد اجتمعت يوم 8 ماي1990 الأضداد: محاكمة رأي لمصادرة اختيار سياسي وإعلان عن ترسيخ العدالة واحترام حقوق الانسان. فغير بعيد عن القصر الملكي بالرباط حيث كان الملك الراحل الحسن الثاني يعلن عن تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، كان قلب العاصمة يغص بآلاف أعضاء ومناصري جماعة العدل والإحسان، هبوا من كل ربوع المغرب ليساندوا أعضاء مجلس إرشاد الجماعة الذين اقتادهم السلطة للمحاكمة في محاولة يائسة لتطويع صوت معارض وتفتيت جماعة استعصت عن الترويض ورفضت دخول بيت الطاعة المخزني. لقد ظلت الماكينة المخزنية تشتغل دون كلل أو ملل للنيل من كرامة الانسان، تتربص بالفضلاء والغيورين أفرادا وجماعات، تتوعدهم تخويفا وترويعا، حتى إذا أوشكت أن تطوّع الساحة السياسية انبرت جماعة العدل والإحسان لتشكل الاستثناء وتكسر حاجز الخوف وعيا منها أنه بدون التخلص من وهم الخوف الذي يراهن عليه الاستبداد، لن تتحرر الإرادات، ويتنفس الشعب نسائم الحرية والكرامة، فجاء يوم 8 ماي1990 ليدشن مرحلة جديدة من الاحتجاج السلمي في الساحة التي ستصبح قِبلة لأجيال من المظلومين المطالبين بحقوقهم وملايين الغاضبين من سوء تدبير العباد والبلاد أو الشاجبين لمواقف الخذلان لقضايا الأمة. من كان يتوقع أن اعتصامات العدل والإحسان يوم 8 ماي 1990 ستشكل صرخة الوجود وميلاد يقظة مجتمعية. مساق وسياق: هي إذن ذكرى بنكهتين: ذكرى تعيد طرح الشأن الحقوقي الذي يسعى النظام لتعويمه وتوجيهه عن مساره الحقيقي، وذلك بتضخيم الحقوق الفردية على حساب الحقوق الأساسية، من خلال تشجيع تنظيم مسيرات تندد بجرائم اعتداء على أشخاص الطفلة وئام مثالا وتأسيس إطارات جمعوية يتحكم فيها عن بعد تملأ دنيا المجتمع ضجيجا وتشغل الناس عن قضاياهم الحقيقية. وإلا من المستهدف بمثل هذا الاحتجاج المفبرك؟ ثم هل تسمح السلطات لفئات مختلفة من الشعب بالاحتجاج السلمي المؤطر، أم أنها ستعرقله إذا لم تنجح في منعه بدعوى تهديده للأمن العام؟ في الذكرى 23 لتأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، ما حجم المكاسب الحقوقية؟ هل طوي ملف الانتهاكات الجسيمة للحقوق الأساسية للانسان؟ ما مصير ملف ضحايا 20 فبراير ومقتل كمال عمّاري تحديدا؟ ما موقف المجلس الوطني لحقوق الانسان من بيوت العدل والإحسان المشمعة؟ أم أن معايير المجلس وتصنيفه لا يعتبرها انتهاكا؟ أم تراه لم يتوصل بهذا الملف ولا يريد أن يسمع به أصلا، على اعتبار أنه لا يناقش إلا ما تعرضه عليه الجهة المؤسسة والراعية والممولة؟ ومن الموافقات الطريفة أن أوردت القناة الثانية في نشرتها اليوم 9 ماي 2013 وضعية أرملة من عاصمة المغرب العميق: جرادة، أرملة أو هي هكذا عمليا، اختطف زوجها خلال سنوات الجمر والرصاص واللفظ لهيئة تحرير الأخبار سنة 1973، ورغم ما أحدث من هيئات إنصاف ومصالحة لم تتوصل المسكينة وهي في عقدها الثامن بأي خبر عن زوجها ولا تعرف مصيره. ذكرى تؤرخ لمسار جماعة اختارت منذ انطلاقتها السلمية والوضوح، وخاضت عباب الاستبداد تؤسس لمنهج تربوي في تأهيل الانسان وإعداده لينخرط في بناء صرح أمة نالت منها قرون العض والجبر وأحالتها جسما بلا روح وعددا غثائيا بلا وزن أو جدوى. منهاج تغيير أساسه إسلام وسطي معتدل، لا يُبَدّع ولا يُكفر، وفي ذات الحين لا يهادن الظلم ولاستبداد، إسلام يقرأ الواقع بأدوات قرآنية ويستشرف المستقبل بعيون نبوية. منهاج بشرى ورحمة وفتح وتمكين تترجمه مسيرة الجماعة مواقف وتدافعا مع قوى الظلم والاستبداد ويؤشر على صوابه اختياراتها وصمودها واستعصائها عن التدجين والترويض. هي إذن 8 ماي 1990 واحدة، لكن بطعمين ودلالتين مختلفتين إلى درجة التناقض. " وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ". (يوسف:21) صدق الله العظيم.