طالبت جماعة العدل والإحسان، في بيان لهيئتها الحقوقية أول أمس، بضرورة "كشف الغموض عن حقيقة ما جرى في جرائم تفجيرات 16 ماي 2003 بالدار البيضاء، ليعلم المغاربة ومعهم العالم من يدبرها ومن ينفذها، ومن يختار لها الزمان والمكان، ولأية أغراض". وأكد بيان المنظمة الحقوقية لجماعة عبد السلام ياسين أن الوقت قد حان "للكشف عن التجاوزات والانتهاكات التي ارتكبت في حق المواطنين الذين شملهم الاعتقال، أو البحث والتحقيق والاستنطاق". ورغم الخصومة التاريخية التي طبعت العلاقة بين الجماعات السلفية المغربية وجماعة العدل والإحسان والتي ازدادت حدتها منذ 2006 بعد إعلان عبد السلام ياسين أن هذه السنة ستكون سنة الخلافة وتهكم السلفيين من ذلك واعتبارها خرافة، إلا أن ذلك لم يمنع الجماعة من المطالبة ب"رد الاعتبار للضحايا وعائلاتهم... وجبر الضرر الناجم عن اعتقالهم، ومحاكمة كل شطط في استعمال النفوذ والسلطة". وانتقد البيان، ضمنيا، المقاربة الأمنية التي انتهجتها الدولة مع مخالفيها عموما وسلفية الجهادية خصوصا، حينما أكد أن المدخل الكفيل بتجاوز مرحلة ما بعد 16 ماي هو "التأسيس لفكر الحوار والمناظرة مع كل من يحمل فكرا مخالفا لما ترغب الدولة في فرضه، فالاعتقال والحصار دليل العجز والهشاشة إن غاب ما يبررهما". من جهته، اعتبر فتح الله أرسلان الناطق الرسمي لجماعة العدل والإحسان أن البيان يأتي في سياق "اعتراف أعلى سلطة في الدولة بالتجاوزات التي وقعت في ملف السلفيين والخروقات التي شابت اعتقالهم ومحاكمتهم". وأضاف عضو مجلس إرشاد جماعة عبد السلام ياسين ذات النزعة الصوفية أن الخلاف العقدي والإيديولوجي مع السلفيين "لن يمنعنا من الوقوف في وجه الظلم الذي نحس به أكثر من غيرنا". وانتقد القيادي في جماعة العدل والإحسان بشدة الفاعلين الحزبيين والحقوقيين، حينما اعتبر البيان بمثابة "درس سياسي للقوى السياسية التي تقول ما لا تفعل". معتبرا أن الحرب من طرف واحد التي شنتها السلفية على جماعة العدل والإحسان وعلى مرشدها عبد السلام ياسين لم يمس من "إخلاصنا لمبادئنا والتنديد بكل أشكال الظلم الذي تمارسه الدولة والذي يزداد أمدا واتساعا". إلى ذلك، أكد عبد الرحيم مهتاد رئيس جمعية النصير لمساندة المعتقلين الإسلاميين أن بيان جماعة العدل والإحسان يأتي في إطار المزايد السياسية التي تنهجها هذه الجماعة"، وأضاف مهتاد أن البيان يمكن قراءته ضمن أربعة أهداف، أولها عما "تعيشه الجماعة من اهتزازات تنظيمية بعد إقالة عيسى أشرقي"، وثانيها أن هذا البيان يهدف إلى "التودد إلى التيار السلفي لاستقطاب أعضائه، خصوصا أولئك الذين انقضت مدة إدانتهم والذين لم يجدوا من يحتضنهم"، وثالثها "أن الجماعة كلما أحست بأنها مهمشة ومحاصرة إلا ورفعت سقف المواجهة مع الدولة في بياناتها وتصريحات قيادييها". على صعيد آخر، اعتبر محمد ضريف المتخصص في الجماعات الإسلامية أن الهيئة الحقوقية لجماعة العدل والإحسان، من خلال بيانها، تحرص أن "لا تقدم نفسها على أنها تنطلق من تصور عقدي، بل كمنظمة تدافع عن حقوق الإنسان". وأضاف أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الحسن الثاني بالمحمدية أن البيان، في طياته، يحمل الدولة مسؤولية أحداث 16 ماي 2003، حينما يقول: "ليعلم المغاربة ومعهم العالم من يدبرها ومن ينفذها، ومن يختار لها الزمان والمكان، ولأية أغراض". وتساءل ضريف: كيف يمكن للدولة أن تنتهج سياسة أمنية وقانونية وقضائية طوال سبع سنوات دون أن تطلع الرأي العام على حقيقة ما جرى؟". وبخصوص وصفة جماعة العدل والإحسان لطي صفحة السلفية الجهادية، قال ضريف إنها "وصفة يمكن قراءتها من زاويتين"، الزاوية الأولى وهو "نقدها الضمني لتجربة للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وهيئة الإنصاف والمصالحة التي اكتفت بتغطية مرحلة 1956-1999 دون أن يطال ذلك التجاوزات التي وقعت بعد هذه الفترة، ومنها التجاوزات التي مست السلفيين وجماعة العدل والإحسان نفسها"، الزاوية الثانية أن بيان جماعة العدل والإحسان "لا يشكل فقط خطاطة لطريقة طي صفحة السلفية الجهادية بل مدخلا ضمنيا لكيفية تعامل الدولة مع جماعة العدل والإحسان، إن هي أرادت طي هذا الملف كذلك". وأضاف ضريف أن البيان حينما يقول بضرورة فتح الحوار مع السلفيين فهذا يتضمن "مطالبة ضمنية للدولة ليتسع صدرها لمخالفيها، ومن ضمنهم جماعة العدل والإحسان". بيد أن الباحث في شؤون الحركة الإسلامية أكد أن تأثير هذا البيان سيكون ضعيفا لأن "الدولة والقوى السياسية لن ينشغلوا به كثيرا"، ولكن كذلك، حسب الضريف، لأن جماعة العدل والإحسان "لا تريد بهذا البيان تحريك ملف السلفيين الذي ظل جامدا لمدة سبع سنوات، ولكن تريد التذكير بملف حقوق الإنسان التي تعاني منه الجماعة نفسها".