حاولت أن ألملم ما علق بذاكرتي من أناشيد الصبا فلم أجد من الفصيحة غيرَ القليل: دبَّ الحلزون ... في البستان ...أرسم بابا ... و مَن مرَّ من روض الأطفال بدل الكتّاب العتيق سيكون حظ ذاكرته أوفر بالتأكيد.... أناشيد لا تتجاوز بالكاد أربعة أو خمسة أبيات ، تُوافِق إلى حد ما المستوى الإدراكي لبنات و أبناء جيلي، غير هذا الجيل السابق لزمانه قولا و فعلا...و في مستويات دراسية عليا قرأنا المحفوظات، بتنظيمها العمودي، الذي كنا نزينه ببعض الورود بين الصدر و العجز، و بإيقاعها المتميز الذي تواتر من شمال المغرب إلى جنوبه : أنا الفتى النظيفو... مهذبٌ لطيفو أقوم في الصباحي... أسعى إلى الفلاحي رأيتها نظيفه.... نشيطة خفيفه كلمات قليلة، برصيد لغوي شحيح، و كأن ناظمها أهمَّته القافية الطربية أكثرَ مما أهمته كلمات تملأ الوعاء الفكري الصغير... و كعادة أغلب الطلاب المغاربة، راحت الأناشيد إلى الفناء بمجرد نهاية رحلة الفصل الدراسي، لأننا ببساطة كنا ندرس للامتحان أكثر مما كنا نبحث عن التثقيف، لغياب التحفيز أحيانا ... لطالما جثمت على صدورنا دروس ثقيلة الدم تلقيناها مجردة جافة خشنة ، كاقتصاد الزايير و تضاريس الشيلي و مناخ روسيا ... اليوم يُقبل أطفالنا بشغف كبير على قنوات الأناشيد العربية، و يحفظون الطويلة منها عن ظهر قلب، بينما يعجز أكثرهم عن مسايرة الإيقاع الدراسي... لا ملامة، فالعيب في طريقة التدريس و تمرير الخطاب... شتان ما بين نغم طربي هزاز ، و ألوان زاهية في جو سلمي ، و ما بين سبورة سوداء وصفير طبشور أبيض ، و عصا و حواجب مقضبة ...إثارة فنية جعلت حتى من دون السنوات الثلاث قادرين على ترديد أهازيج شامية ، بدبكتها و سكناتها و مدودها ... و هي بعيدة كل البعد عن دارجتنا ذات الجزم البيِّن ، و خليط المفردات الفرنسية و الأمازيغية... هي عدوى الدراما التركية التي روجت للهجة الشامية، أصابت الجيل الأول و تمر الآن إلى الجيل الثاني... ألم تدمن نساؤنا و حتى رجالنا على نور و مهند و بائعة الورد و سنوات الضياع...؟؟ أصبحنا شاميين إذن في المغرب، أو لنقل في دير مراكش أو ريف الرباط... ليس موقفا من أهل الشام، و لكنه شيء من غيرة على عربية تنهشها اللهجات المحلية بكل حمولتها و دلالاتها و رمزيتها... و على بقية من ميراث وطني متميز .... استسلمنا لدراماهم، و ها نحن نسلم لهم أطفالنا ، فما عدنا قادرين حتى على ابتكار أرجوزة نهدهد بها الرضع في بكائهم... لأننا أصبحنا و أياهم مجرد طيور في جنتهم... يونس حماد