مسألة ضعف التلاميذ ببلدنا، علميا ووظيفيا: في القراءة والكتابة والتعبير والاستيعاب والتواصل، وفي تحصيل علوم اللغة، وفي الإقبال عليها. مسألة مقررة لا خلاف فيها بين المربين ومدرسي اللغة العربية. فالتلميذ المغربي – مع بعض الاختلاف من منطقة إلى منطقة – لا يعرف لغته العربية ولا يحسن استخدامها حتى لتبدو حصة "اللغة العربية" في المدارس مثل حصة اللغة الأجنبية، وذلك على الرغم من الجهود التربوية الكبيرة التي تبذل في مختلف مراحل التعليم ، كان آخرها تغيير المناهج والمقررات الدراسية، ففي مادة اللغة العربية، استحضر الإصلاح التربوي بيداغوجيا الكفايات ونظام المجزوءات، رافعا شعار ا مركزيا هو "الجودة" وذلك بهدف الرفع من مستوى التلاميذ ومسايرة المستجدات الثقافية والإبداعية العربية بصفة عامة، والمغربية بصفة خاصة. وعلى الرغم مما بذل من مجهودات، مازلنا نجد تلامذتنا يتخبطون في دراستهم ويصطدمون بعقبات تحول دون قدرتهم على الأداء اللغوي السليم ،نطقا، وكتابة ،وفهما...وصار كلامهم ركيكا ليس عربيا فصيحا ولا فرنسيا صحيحا ولا إنجليزيا صريحا ، بل وليس دارجيا واضحا . مع العلم أن أهمية التعليم تتعاظم يوما بعد يوم إلى درجة أن الكثير من دول العالم تعتبره قضية استراتيجية كبرى تأتي أولويته مثل أولوية الدفاع والأمن القومي سواء بسواء، وذلك على أساس أنه العامل الأقوى لإحداث الحراك الاجتماعي ودعم البنية الاقتصادية. والمحقق لشرط الحضارة في العصر الحديث . يبقى السؤال الجوهري المطروح، ما هي الأسباب الحقيقية وراء ضعف تلامذتنا؟. بعد بيداغوجيا الكفايات ونظام المجزوءات وشعار الجودة ..والمخطط الاستعجالي ، وهلم جرا. قبل أن أتحدث عن الأسباب ، أريد أن أعرج قليلا على بعض أخطاء تلامذتي في الثانوي التأهيلي حتى تدرك مدى الخطورة التي أصيبت بها اللغة الأم . عندما نستمع إلى كلام التلاميذ في مواقف مختلفة وننظر فيما يكتبون في الواجبات المنزلية أو في أوراق الاختبارات أو في غيرها من الأعمال التي يكلفون بكتابتها فإن النتيجة تكون مخيبة للأمل من حيث التعبير عند كثير من التلاميذ. فقليل منهم من يستطيع الكتابة بطريقة واضحة والتعبير بلغة سليمة . وللتدليل على ما أقول ، فقد قمت بجرد لجملة من الأخطاء التي ارتكبها تلامذتي في الفرض المحروس الأول لهذه السنة، ويتعلق الأمر بمستويين ، المستوى الأول : السنة الثانية علوم الحياة والأرض، وموضوع فرضها هو كالتالي: " تصور أنك تقدمت لاجتياز مباراة عن طريق الانتقاء والاختيار للالتحاق بإحدى المؤسسات العلمية أو التجارية أو المالية " . تحدث عن الظروف التي جرت فيها عملية المقابلة ، والإجراءات التي قمت بها، والمهارات التي وظفتها". وهذه بعض أخطائهم : - بدأت بجمع ما سأحتجه في هذه المقابلة من شواهيد وأتاني ضرف يحدد تاريخ المقابلة الشفاوية . -وفي يوم المبارة استقدت مبكرن لبسة أجمل ...ورجعة أوراقي قبل مغدرة المنزل ...عند دخولي تفاجئة . -وكنت أتكلم بالبسطة والتوضع وكنت أفكار في السؤال ...كنت متوتر قليل ...عندما دفعت لكنكور أساتذة . -وعندإذ دخلت إلى تلك المدرسة وبيدي وثائق واللوازم وشاهدة البكلوريا . -ودخلت إلى قسم وكانوا التلاميذ فارحون ...لاكن عند دخولي وجهة السلام وجهزة نفسي وتكمة في أعصابي .
- وتوجهت نحوى الشركة وأنا ذهيب في الطريق كنت أحول أن أستعد نفسيا وجلست أنتدرو. - وبصرحة مرت المبارة بشكل جيد وتجوبت معهم بشكل رائع وكنت خائفة جدا لأننا كنت خائفة . - حصلة على من وزارة التجارية والصياد البحري ...عدت إلى المنزل في الانتظار النتيجة . المستوى الثاني: السنة الثانية باكلوريا " علوم إنسانية " ، وكان موضوعهم : تحليل قصيدة للشاعر إيليا أبو ماضي بعنوان " في القفر " . وجاءت أخطاؤهم على الشكل التالي : -فقد قضى الشاعر وقته جميلن في الغابة والطبيعة بعدن عن العمران . - نلاحيظ القصيدة ينتمي إلى القصائد التقليدية ...فانتظم هاؤلاء. -وفي أولى ما ظهرة هذه الحركة ظهرة مع جماعة الديوان . . - وهو راءد من رواد هذا الاتجاه ....أما بنسبة ...وضف الجمل ...لم يبقى ....لاكنه . -حيث لاعب دورا مهما .... ولقد قسم الشاعر القصيدة إلى فقرتان . -حيث هيمنت مناخ يسوده الفقر والمعانات ومن هنا لم يعود المدرسة الرومانسية . -بعد أن لم يبقا مبرر ا لستمرار ...وهناك مأشيرات كثيرة دالة هي غرض قصيدة ... - وهناك عدة رواد من هذا الاتجاه الرومانسي ومن أهمهم أبو نواس - هناك إشارات ذالة على غرض القصيدة من خلال العنوانها - والأشجار أصبحوا غير قفر يباب أي خراب .,,,يشكوا إلى الصخور العظيمة . - كما فعلوا الإحيائيون قبلهم . هذه إذن ، بعض الأخطاء التي تمكنت من تدوينها ، وهي وإن كانت متفاوتة بين المستويين، فهي أخطاء صادرة عن تلميذ بالمرحلة الثانوية ، مرحلة الإبداع ، مرحلة وسيطة ،بين التعليم الابتدائي الإعدادي، وبين التعليم الجامعي العالي ... أن يخطئ التلميذ العلمي في صياغة إحدى الجمل السابقة –ربما - أمر عادي وطبيعي ، لكن أن يصل الأمر بتلميذ المستويين العلمي والأدبي باكلوريا بكتابة التاء المربوطة في الفعل، وبالتاء المبسوطة في الاسم وبتعريف المعرف، ورفع الاسم المجرور، وكتابة كلمة "قلت/قولت" وكلمة " أنتظر/ أنتدروا وكلمة استيقظت / استقدت " وكتابة اسم الإشارة "هذا / هاذا" وكلمة "ليؤكد / يأكد" وقس على ذلك ...فضلا عن أخطاء منهجية وقلة معرفية واستعمال لغة عامية والرداءة في الخط وعدم مقروئيته وغياب المستتويين الحجاجي والمفاهيمي والخلط بين مهارتي التحليل والتركيب ...إلخ. إن لغتنا العربية ضعيفة في ثانوياتنا ليست بمستوى العصر-للأسف- وهو أمر لابد من الاعتراف به عن قناعة أولا ، ثم البحث عن الأسباب التي أوصلتها إلى المستوى المتدني ،إن لم نقل المفقود أصلا. ضعف أصبح يهدد لغتنا واقعا ومستقبلا ، يخشى منه على الأمة وشخصيتها ، وعقيدتها وكيانها وصلتها بتراثها وجذورها . أسباب الضعف: قد ترجع الأسباب في ظاهرها إلى الأطراف المتداخلة ، والعناصر التقليدية ، في عملية تعليم اللغة العربية، كأي عملية تربوية ..وهي المنهج، والمعلم، والطريقة، والدارس، والمدرسة، والتقويم أو التوجيه، والاكتظاظ، والخريطة المدرسية ، وغيرها من الأسباب ...وهناك اجتهادات كثيرة مطروحة لعلاج هذه الأسباب . غير أنني أرى أن الأمر يختلف هنا من حيث المصادر الحقيقية لمشكلة ضعف اللغة العربية في مدارسنا ،والتي يجب معرفتها والوعي بها جيدا ، حيث تنعكس آثارها بشدة على كياننا وعلى مختلف أوجه نشاطات حياتنا ، ومنها بطبيعة الحال عملية التعليم وطبيعة المتعلم ...من هذه الأسباب ، ما يلي : 1-اللغة الأجنبية : إن أحد أسباب الصعوبة التي يجدها الأطفال في تعلم اللغة العربية هو فرض لغة أجنبية عليه في المدرسة في سن مبكرة، وإن ازدواجية اللغة في هذه السن المبكرة هي الخطر الحقيقي الذي تتجنبه كل دول العالم، من ذلك « فرنسا شرعت في سنة 1994عقوبة للذي يستخدم غير الفرنسية ، في الوثائق والمستندات والإعلانات المسموعة، والمرئية وكافة مكاتبات الشركات العاملة على الأرض الفرنسية وبوجه خاص المحلات التجارية والأفلام الدعائية التي تبث عبر الإذاعة والتلفزيون ...وأوصت بعقوبة السجن أو الغرامة المالية تصل إلى ما يعادل ألفي دولار » [1] . وفي بريطانيا: أصدر المجلس القومي لمعلمي اللغة الإنجليزية قراراً يقضي بأن على كل معلم أن يكون معلماً للغة الأم أولاً؛ ذلك لأن تعليم اللغة إنما هو مسؤولية جماعية، وجميع المعلمين مهما تكن اختصاصاتهم ينبغي لهم أن يعلّموا اللغة الأم من خلال تعليم موادهم » [2] . وفي إسبانيا: اجتمع أعضاء البرلمان بعد انتخاب خوسيه لويس ثاباتيرو رئيساً للحكومة الإسبانية في 14 مارس 2004 م تحت قبة البرلمان، وحاول ممثلو إقليم قطلونيا استعمال اللغة المحلية، غير أنهم فوجئوا بالرفض الشديد من مانويل مارين رئيس البرلمان، الذي منعهم من استعمال اللغة المحلية، لما تمثله من خطر من شأنه أن يهدد اللغة الإسبانية الرسمية، وقد استشهد رئيس البرلمان بالمادة الثالثة من الدستور الإسباني، التي تنص على أن اللغة الإسبانية هي اللغة الرسمية التي ينبغي لجميع أبناء الشعب استعمالها »[3] . والأمثلة على ذلك كثيرة . وها نحن أولاء نلاحظ على الصعيد العالمي أنه ما من شعب أراد الحياة العزيزة الكريمة إلا وتمسك بلغته الأم أمام اللغات الغازية. فأين هذا من معاناتنا اللغوية، أو مأساتنا اللغوية في مدارسنا، وجامعاتنا ومعاهدنا، ومحلاتنا التجارية ودوائرنا الرسمية التي تمارس علينا، أو تفرض علينا عملية التعجيم، وتكسير موازين وقواعد اللغة العربية؟ . وحتى لا ينظر إلي بعض المستغربين أو المتحمسين نظرة احتجاج واستنكار،أو نظرة دهشة وذهول،أسارع فأطمئنهم ، بأنني لست ضد إجادة أي لغة أجنبية ،ولست ضد الفكر الأجنبي بكل ما فيه من ثراء وإبداع، فاللغات والعلوم والحضارات ...هي تراث مشترك بين الأمم ، وأخذ وعطاء منذ أقدم العصور حتى اليوم. وقد حث عليها ديننا الإسلامي، فقد جاء في الأثر " من تعلم لغة قوم أمن مكرهم " ولكن تعلم لغة أجنبية ينبغي ألا يترك على عواهنه وعلى علاته، وكل من دب وهب، وبالصورة التي تؤول إليها المخرجات التربوية من خلال ثنائية اللغة، وتفشي هذه الظاهرة على حساب اللغة الأم التي « تشكل وسيلة لا بديل عنها ، لأي إبداع –أدبي أو علمي –مستقل ومتميز. وبدونها لا تكون إلا التبعية والذيلية والهامشية. فليس هناك أمة أبدعت وتميزت حضاريا أو علميا أو أدبيا، بغير لغتها القومية الراسخة فيها » [4] ولعل أخطر ما تحمله الثنائية ، التعارض بين الثقافات والمفاهيم التي تحملها كل لغة ، فليست اللغة –كما يقول ابن جني –مجرد كلمات وأصوات يعبر بها كل قوم عن حاجاتهم فقط وإنما هي في الحقيقة –إلى جانب ذلك –مستودع هائل للفكر والثقافة والمعرفة التي تراكمت عند هذه الأمة أو تلك عبر الأجيال المتعاقبة وتكمن الخطورة في الثنائية في عملية الطرد والإقصاء والتنحية للثقافة الأم . أما ما يقال عن اللغة العربية ، من قبل بعض المخدوعين ، بأنها لغة متخلفة ،و عاجزة عن استيعاب العلوم والفنون، ولذا لايمكن الاعتماد عليها ، كلغة تعليم وتدريس ، وليكن في علم هؤلاء أن الله قد أنعم على لغة القرآن بما لم ينعم به على أي لغة ، فقد عرفت بسعتها وثرائها وطواعيتها ، وما تملك من وسائل النمو والتطور بالاشتقاق والمجاز والقياس والنحت والتعريب وأشباهها ، فضلا عن الأوزان التي أوصلها اللغويون إلى ألف ومئتين وعشرة ، وهذه الأوزان هي أشبه ما يكون بقوالب المصانع التي تصب فيها المادة اللفظية فتعطيك ما أنت راغب فيه من ألفاظ سائغة ،جزلة ، دقيقة المعنى . اللغة العربية لم تعجز في الماضي ولن تكون عاجزة في المستقبل عن مجاراة التقدم العلمي الحديث ...وهي التي حملت أمانة الحضارة طوال القرون الوسطى ومنحتها جميع المصطلحات الإنسانية والتقنية والعلمية في عصر كانت فيه وسائل التواصل الفكري في البلاد والمجتمعات شبه بدائية ...فالعجز والعيب ليس في اللغة العربية ولكن في الأمة العربية . فحتى مطلع القرن التاسع عشر كانت اليابان في عداد الدول المتخلفة . واحتاجت إلى علوم العصر وصناعته ، ولكنها أدركت بوعي أنها لن يتم لها امتلاك ناصية العلوم وزمام الصناعة إلا بنقلها إلى لغتها ، ومن هنا نقلت العلم والتقنية إلى اللغة اليابانية ، برغم ما فيها من الكثرة في اللهجات والصعوبة والتعقيد ، ولم يرتفع صوت هناك ينادي باتخاذ العامية أو بجعل التعليم في المعاهد والجامعات باللغة الأنجليزية.. واللغة الصينية هي الأخرى أشد تعقيدا ... ولعلك تعجب حينما ترى رموزها على المنتجات التي تصدرها الصين إلينا مع يقينها أن أحدا لن يقرأ حرفا واحدا مما تكتبه ، ولكنها ترى في تسجيل الحروف مظهرا للاستمساك بالشخصية وتأكيد الذات وإبراز الهوية .... لذلك نقول هنا: « إن أخطر ما تواجه الأمم، هو التعبير بأوعية الآخرين، والتفكير بوسائل وأدوات وآليات الآخرين ، وإن عدم التعريب، يعني التغريب مهما حاولنا اعتبار اللغة أداة توصيل، وهمشنا دورها في التفكير، وتجاهلنا علاقة التعبير بالتفكير والنقل الثقافي » .[5] 2- استعمال العامية في الدرس : وبجانب الاكتساح اللغوي الأجنبي، نجد إحلال العامية مكان اللغة العربية الفصحى، حيث « بدأ يستفحل استعمال العامية في الإعلام والتعليم كذلك، ففي الثا نويات – ولا نتحدث عما دونها – وكذلك في الجامعات، وحتى في أقسام الدراسات العليا يتزايد استعمال الطلبة والأساتذة للهجاتهم العامية، أو الخلط بين الفصحى والعامية . » [6] فالتلميذ في ثانويتنا بل في مدارسنا يجد نفسه في وضعية صعبة عندما يحاول الإجابة باللغة العربية الفصيحة على سؤال وجه له من قبل أستاذه ، بل الأدهى والأمر من ذلك تثير إجابته بالفصحى انتباه زملائه في الفصل فلا تسمع لهم إلا همسا وسخرية واستهزاء وضحكا ...، والغريب في هذا، أن الأستاذ الذي يتحدث العربية ويلزم نفسه بها في القسم وخارجه يصبح هو الآخر محط سخرية وحديث بين التلاميذ والمجتمع فيشيرون إليه بالأنامل وكأنه أحدث أمرا . بل إن المشكلة تبدو أكثر تعقيدا ، عندما نجد بعض أساتذة العربية وغيرهم من أساتذة المواد العلمية على غرار الرياضيات والفيزياء وغيرها يقدمون دروسهم بالدارجة المغربية –مع العلم أن الكتب المدرسية مكتوبة بالفصحى- لا يتمكنون من إلقاء محاضرتهم كاملة متصلة... وآخرين يوصلون المعلومات بلغة عامية أو عربية ركيكة، مما يؤدي إلى ملء أسماع تلامذتهم وذاكرتهم بالعجمة، وباللحن الذي ينشرونه في أوساط المؤسسات التعليمية، معللين استخدامهم لها بأنها سهلة وأسلوب معين على الفهم والاستيعاب . حتى الذين يجتهدون في تقديم دروسهم لتلامذتهم باللغة الفصحى، تشعر بهم، أنهم يتصنعون في أغلب الأحوال ، فتأتي لغتهم مخلوطة بكثير من الأخطاء تتفاوت قلة وكثرة، وهو دليل آخر على أن الذين يستخدمونها لا يملكون سليقة لغوية سليمة ،فالمتكلم باللغة على السليقة لا يخطئ فيها، وإنما يخطئ من يتكلف. التلميذ في نظري ،تعبيره بالدارجة معذور ،لأن المسؤولية الكبرى تقع على الأستاذ، حينما يهمل استعمال الفصحى في الدرس فإنه يؤكد للطفل أن اللغة العربية إنما هي مادة من المواد، وليست أداة للتواصل. والقيادة الإدارية والأحزاب السياسية والنقابية ...حينما تتعامل مع العربية بالإهمال أو التجاهل، فهي إنما ترسل رسالة إلى الطفل الناشئ والمواطن العادي بأن ذلك جائز في حق هذه اللغة ، وأنه لا ضير من التساهل مع أنفسهم إزاء لغتهم . ووسائل الإعلام حينما تكثف من بث المواد الإعلامية بالعاميات ، هي أيضا تؤكد للتلميذ والمواطن المغربي أن العربية الفصيحة مكانها جدران القسم المدرسي وليست الحياة بمعناها الواسع . مما يتيح للعامية واللغات الأخرى السيطرة على ذهن التلميذ ولسانه خارج القسم في البيت والمعمل والشارع . لقد أصبح ضعف اللغة العربية من البداهة بمكان ، وذلك من منظور يعود إلى رواسب الجهاز الاستعماري الذي كان يسير بالبلاد حثيثا إلى مصير قاتم ، وقد استطاعوا أن يصلوا درجة الامتياز، وهي أن هؤلاء الغزاة كانوا من المهارة بحيث اكتفوا بإطلاق إشارة البدء ثم تواروا، وحل محلهم أناس من جلدتنا ويتكلمون لغتنا ولكن قلوبهم غير قلوبنا فحملوا عن ساداتهم عبء المعركة وتناولوا معاول الهدم بأيديهم فتنادوا باستبدال اللغة العربية باللهجات المحلية أو ما يسمى بالدارجة المغربية، يقول الأستاد امحمد طلابي : «لقد عقدت بالمغرب عدة ندوات وطنية ودولية حول المسألة اللغوية، وحول اللغة العربية وباقي مكونات الخريطة اللغوية بالمغرب . فتنادت فئة من المثقفين المغاربة. قليلة العدد بالتأكيد، إلى ضرورة إبقاء الوظائف العليا للسان العربي بالمغرب في حوزة اللسان الفرنسي أو استبدال اللسان العربي الفصيح باللهجات المحلية أو ما يسمى بالدارجة المغربية » [7] مخالفين تماما لكل الأنظمة التعليمية في العالم المتقدم، وما دروا أن العامية في أي لسان، وعند أي أمة لا يمكن أن يعتمد عليها في التعليم والتدوين، لأنها ضعيفة في مادتها فقيرة في ألفاظها مجدبة في صيغتها وأساليبها مقفرة في اشتقاقاتها مبهمة غير مبينة في كثير من دلالتها ... وفوق هذا فإن اللهجة العامية لايمكن أن تعمل على إيجاد الوحدة الاجتماعية بين أبناء الوطن الواحد فكيف بأبناء الأمة العربية وسائر شعوبها المختلفة التي حققتها اللغة الفصحى لغة القرآن الكريم . وفي اعتقادي أن انتشار العامية أو اللهجة المحلية في مدارسنا لا تشكل خطرا يهدد الفصحى ، كاللغات الأجنبية وستنتهي قريبا ،لأنها قضية اجتماعية بالدرجة الأولى ، تعتمد على محو الأمية ،لأن هذا أمر عام في كل اللغات ، في فرنسا وإنجلترا وإيطاليا ... عامية وفصحى ، لكنها بنسب مختلفة ، والأمة التي يشيع فيها التعليم بأكثرية ساحقة هي الأمة التي تقل فيها نسبة العاميات ، ومن جهة أخرى ، أجد أن العامية المغربية قريبة من الفصحى إلى درجة التفاهم وأعتقد أن نطاق العامية يضيق بالتدرج ، وكل يوم تتجه العامية إلى ما يسميه بعض الباحثين بالعربية الوسطى وهذا راجع إلى انخفاض الأمية وانتشار الثقافة ودليلي في ذلك هو اختفاء كثير من الألفاظ والتراكيب المغرقة في عاميتها من لغة الحديث العادي بين المواطنين ، وتعويضها بألفاظ جديدة ،على اختلاف انتماءاتهم الطبقية والثقافية وهذا يبدو واضحا حتى في أعماق الأحياء الشعبية والقرى النائية. 3-المعامل : يعد معامل المادة من الأسباب المباشرة التي تدفع التلميذ إلى الإقبال عليها أوالنفور منها، ويقاس هذا الإقبال والاهتمام عند التلميذ بأي مادة ، بما لها من معامل يعلي من شأنها ،ويزيد من خطرها في نظره، خصوصا إذا علمنا أن التلميذ لا يدرس إلا للامتحان، ولا يهتم بالمادة إلا للنقطة. كيف يقتنع تلميذ ناشئ بأهمية مادته العربية ، ومادته من بين المواد التي يقل معاملها في المواد العلمية، وتتساوى مع اللغة الفرنسية في المواد الأدبية ؟ ولا يختبر فيها في السنة الأولى باكلوريا ،تخصص أدب ،ويكتفون بامتحانات المراقبة المستمرة . ففي المواد العلمية لدى العلميين ، نجد المعامل مرتفعا ارتفاعا لافتا للنظر، يتأرجح بين درجة " سبعة وتسعة " الرياضيات ، مثلا عند علوم الحياة والأرض ، تضرب في سبعة وعند العلوم الرياضية ، تضرب في تسعة ،وقس على ذلك باقي المواد العلمية الأخرى ، ربما يكون لهذا الارتفاع من المسوغات ما لا يمكن دفعه ولا معارضته ، فإننا نتساءل عن ارتفاع معامل اللغة الفرنسية لديهم يجعلها في مصاف المواد العلمية الأساسية ، في مقابل معامل اللغة العربية الذي يساوي ثلث معامل الفرنسية –مع العلم أنها مواد عربت - ومن جانب آخر ، فإننا حين نقارن بين العربية وبين اللغة الانجليزية والإسبانية ....فإننا نجد المعامل الذي خصص لها هو نفسه ما خصص للعربية . قد يرد علينا أحد ، إن المقارنة بين اللغة العربية ، والمواد العلمية في هذه التخصصات ،غير مقبولة ولا مجال لذكرها ، " طيب " فماذا نقول عن المعامل الذي خصص للعربية في الشعب الأدبية، اللغة العربية في السنة الثانية باكلوريا ،معاملها في العلوم الإنسانية " ثلاثة " و " الأدب " أربعة " ،.... وخاصة إذا علمنا أن المعامل المخصص للفرنسية مساويا هنا لما خصص للعربية ، ومعادلا هناك لما خصص للمواد العلمية الممثلة للتخصص ، فإننا نسجل اهتماما زائدا بل مبالغا فيه باللغة الفرنسية يفوق الاهتمام بغيرها. إن هذا الوضع كان وما يزال له حتما انعكاسا على اهتمام التلميذ باللغة العربية وارتباطه بها، حيث قل شأنها لديه، وضعف اكتراثه بها وأصبحت عنده مادة ثانوية مهمشة، لا يبالي بحصصها، ولا يحضر دروسها، وخصوصا العلميين منهم، ويجعلها هزيلة الوزن، عديمة الفعالية. هذه في اعتقادي أهم الأسباب التي أضعفت لغتنا في ثانويتنا بل في مدارسنا وجامعاتنا ومعاهدنا ، نرصدها ولا نملك سوى الإشارة إلى خطرها على مستقبل تلامذتنا ،ولغتنا ،وفكرنا ،وبلدنا، أما علاجها فبيد من يملكون الحل والعقد، ونحن لانملك من ذلك سوى السبورة والطبشورة،وتنفيذ ما يأتنا من " عل " من وزارتنا .
------------------------------------------------------------------------ من تقديم عمر عبيد حسنة لكتاب الأمة 42في شرف العربية ، الدكتور إبراهيم السامرائي ، ص31 _ [1] _خطة عمل وطنية لتمكين اللغة العربية ، والحفاظ عليها والاهتمام بإتقانها والارتقاء بها ، إعداد لجنة تمكين اللغة العربية في سورية ، ص6 [2] _المرجع نفسه ، 305[3] _نداء من أجل العربية ، د أحمد الريسوني ، مجلة الفرقان ، مجلة الفرقان ، العدد 65ا / 1431-2010،ص12 [4] 30 من تقديم عمر عبيد حسنة لكتاب الأمة 42في شرف العربية ، الدكتور إبراهيم السامرائي ، ص [5] _العدد نفسه ، ص12[6] التعريب بين الوعي المفوت والوعي المطابق ، أمحمد طلابي ، مجلة الفرقان ، العدد 65ا / 1431-2010،ص5_[7]