لا تزال بعض المقررات الدراسية غارقة في الثقافة الذكورية ، رغم محاولات إدخال " مريم " و " سلمى " لمزاحمة " عمرو " و" زيد " الكلاسيكيين في دروس النحو العربية ، و كنتيجة لذلك ارتفعت أصوات نسائية تنادي بمناصفة حقيقية تتجسد فعليا على الكتاب المدرسي ، كحقنات إديولوجية تضمن لجيل الغد مناعة ضد كافة أشكال الميز ... و من هذه الأصوات المتعالية من تنتقدن علانية اللغة العربية التي، في نظرهن، تجعل تاء التأنيث ساكنة ، و بدون محل من الإعراب... لا ينبغي في الحقيقة تحميل اللغة العربية وزر ثقافة ذكورية خاطئة تعتبر القوامة تشريفا ، و الأنوثة دونية و انتقاصا ...و لا ننكر أن في بعض مناطق المغرب العميق تضاف كلمة " حاشاك " عند ورود كلمة " امرأة" في الكلام ، و هو أمر في قمة العيب ... لكن حين نغوص في أعماق اللغة نجد أن كلمة " رجل " لم تكن أبدا مرادفا للذكر، و إنما هي مقومات و صفات تشترك فيها الأنثى و الذكر على حد سواء... في الخطاب القرآني : " من المؤمنين رجال ..." و في الخطاب القرآني أيضا تركيز أكثر على الشخصية المعنوية متمثلة في النفس، و الروح و العقل و الفؤاد ... التي ،كلها، تخاطب الذكر و الأنثى، بل و نجد كما في سورة النور متتالية مناصفة في آيات القانتين و القانتات و الصادقين و الصادقات ... وتر المناصفة حساس جدا، تعزف عليه الجمعيات النسائية و غير النسائية ، فيتردد صداه بين غرب ميال إلى تحرر متوحش، و بين شرق مرد على السيطرة و التحكم، و جعل العرف أحيانا أسمى من الدين ... و غالبا ما يُنظر لتلك الجمعيات نظرة ريبة و توجس، بعقلية المؤامرة و العمالة أحيانا ...فلسفة النوع الاجتماعي في رأيي الخاص خطيرة إذا ما أخذت بتربتها الأصلية ، لأن امتداداتها الاديولوجية البعيدة تلامس خطوطا حمراء في الدين و الأعراف و الفطرة .... قلما يعزف الرجال على هذا الوتر الحساس، و قلما يكتب عنه الكتاب، و حتى السياسيون، تفاديا لرد فعل نسوي قوي، له فعل الخنجر أحيانا ... ما أحوجنا إلى بلورة نموذج خاص من المناصفة، وفق ثوابتنا و هويتنا، وبتوافق أيضا... فلا أحد يريد صداما بين كريم و مريم على صفحات "القراءة "... يونس حماد