نشوز الزوج الزواج في عرف وتقاليد الغالبية العظمى من المجتمعات العربية والإسلامية، هو مجرد علاقة روتينية، مترتبة على التزامات عقد - كغيره من العقود الأخرى- تبيع بموجبه المرأة نفسها للرجل ويكون له فيه حق التصرف والتمتع وإنتاج النسل، كيفما، وأينما، ومتى شاء. وهي نظرة تحمل الكثير من العنف المبرر بسبب الفهم الخاطئ للقوامة الواردة في قوله تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ" هذا الفهم الذي يكسب الرجال عقدة التفوق، ويعطيهم حق إصدار الأوامر والنواهي في البيت، ويصل ببعضهم إلى اتخاذها دليلا على تبرير العنف والقسوة المخالفين لمشروعية العلاقة الزوجية التي أرادها الله سبحانه علاقة شراكة مؤسسة على المودة والرحمة والاستقرار بين الرجل والمرأة.. بقوله سبحانه:" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" وانطلاقا من حرص الإسلام على استقرار الأسرة، حمل سبحانه كل أطرافها مسؤولية هدوئها وطمأنينتها، فوضع على عاتق الزوج مسؤولية جسيمة تجاه إصلاح بيته وزوجه بما سبق ان ذكر، وجعل للمرأة سبلا مختلفة لإصلاح الزوج ورده إلى الأسرة الهانئة، والحياة الرغيدة، حماية لبيتها ورعاية لأولادها، وما الحديث الشريف "كلكم راع، وكلم مسؤول عن رعيته" إلا دليل على أن مسؤوليات كلا الزوجين، هي حزام الأمان للأسرة حتى لا يتعكر صفوها، ويضطرب استقرارها، وينفرط عقدها، وتنهدم المودة الربانية التي سكبها الله بين الزوجين، فيتحول إلى كابوس نتيجة تصرفات عشوائية ولا مسؤولة تأتي منهما معا.. وهي في الغالب، أكثر إساءةً للأسرة، تصعق الأولاد، وتهز مشاعرهم، وتسلب السكينة من قلوبهم، حين تقع من طرف رب الأسرة. ومع ذلك يرفض الكثير من العامة وبعض الفقهاء أن يصفوه ب" الناشز" كما هو سائد في تعريف الزوجة "الناشز" لأن النشوز في رأيهم خاص بالمرأة فقط، ولا يمكن أن يقع البتة، من طرف صاحب القوامة، مهما تجاوز حدود الله المرسومة للزواج، وخرج في معاملته لزوجته عن ضوابط الشريعة الإسلامية وآدابها ومس كرامتها، وهدد أمنها وأمن الأسرة كلها. فالحديث عن نشوز الزوج يكاد لا يردده الفقهاء ولا نجد له بندا في التشريع المرتكن للشريعة، ولا في عرف الناس الذين لا يعترفون بشيء اسمه "نشوز الزوج" رغم أن القرآن الكريم بين. وبصريح العبارة وواضح المعنى، أن صفة النشوز ليست خاصة بالنساء دون الرجال، حين قال تعالى في سورة النساء: "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا". وهو دليل قاطع على أن الرجل ليس بمعزل عن دائرة المراقبة، ولا بعيد عن عدسة ضبط كل تصرفاته وتهذيبها أخلاقيا وفكريا وفقا للطبيعة والمنطق وصالح الأسرة التي لن تبلغ شأوها في الاستقرار والصلاح إذا كان رب بعيدا كل البعد عن منهج الإصلاح ومقوماته، ويعني كذلك هذا التطرق لنشوز الرجل في بعض ما يعنيه، فتح المجال للمرأة واسعا لإطلاعها على ما غيبه الفقه الذكوري من جوانب مهمة من حقوقها. فإذا كان النشوز ممكن الوقوع من طرف الزوج، بذليل "وإن امرأة خافت" الآية، والرجال، كما هو معروف، مجبولون بفطرتهم الذكورية على العنف والسادية والمبالغة في تأديب الزوجة وسوء معاشرتها المؤدي إلى الكراهة والبغضاء التي إذا دخلت مجالا أو علاقة إلا وأفسدتها.. فإن السؤال الحساس الذي يطرح نفسه بشدة هو: "كيف يمكن للزوجة أن تعامل زوجها الناشز الذي يصدها ولا يهتم بعواطفها ولا يشبع حاجتها كما أوصى الشرع؟ وهل يُسمح لها بهجر فراشه؟ كما يسمح له هو بذاك الحق وغيره من التدابير الإصلاحية والإجراءات التقويمية في حال نشوزها والمذكرة في الآية: "وَالَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا" والتي لم تتطرق لمثلها الآية التي تحدثت عن نشوز الزوج ولم تضع أي تدبير لمكافئته غير الصلح: "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون". وكأن الزوج الناشز أو المسيء منزه عن المحاسبة ولا يجب أن يلقى عقابه بدعوى القوامة التي تخرج الرجال عن نطاق الإنسانية إلى التسلط الوحشي، وتدفع بالكثير من أعداء الإسلام، إلى الاعتقاد بأن في الإسلام نزعة ذكورية لا تسوي بين الرجل والمرأة، وتفرق بينهما في القيم الأخلاقية والفروض الدينية. وهو إدعاء تفنده المبادئ الإسلامية الواردة في سورتي التوبة، الآية 71، والأحزاب، الآية 35؟ المؤكدتان على أن الله سبحانه وتعالى سوى بينهما في كل شيء، تسوية كاملة ولم يغلب كفة أحد منهما على الآخر في الحقوق والواجبات، فمنح المرأة حق متابعة أخطاء زوجها، ومحاولة تصحيحها، والتقليل منها، بالنصح والموعظة دون اللجوء إلى الوسيلة الثانية أو الثالثة المذكورة في آية نشوز الزوجة، وقد يبدو -ظاهريا- أن في ذاك نوعا من الإجحاف وانعدام المساواة، بينما حقيقة الأمر غير ذلك، حيث نجد أن حق تأديب الزوج لزوجته يقابله حق الزوجة في تأديب زوجها، لكن بشكل يناسب طبيعتها الأنثوية، ولا يعرضها للمخاطر، فإنه بإمكان المرأة التي تخاف من بعلها نشوزا وعاملة بغير المعروف، أن تشكوه للقاضي إذا لم وحسب مذهب مالك، فإن على القاضي أن يعظه، وإذا لم ينفع الوعظ، حكم للزوجة بالنفقة، ولا يأمر له بالطاعة وقتا مناسبا، وذلك لتأديبه، وهو مقابل الهجر في المضاجع، فإذا لم يُجدِ ذلك في الزوج حكم عليه بالضرب بالعصا؛ ويرى بعض الفقهاء أن يؤخذ برأي مالك في قوانين الأحوال الشخصية في الدول الإسلامية منعاً لشطط الرجال في إساءة معاملة الزوجات. ولذلك لابد من التطرق لحقيقة معنى نشوز الزوجة والذي يفسره سياق آية القوامة، التي قابلت بين الصالحات القانتات الحافظات للغيب وبين الناشزات، وهي المقابلة التي تدلنا على أن المراد بالنشوز والمقصود منه، ليس هو ما يعتقده الرجال على ضوء فهمهم الخاطئ للقوامة التي يحصرونها في طاعة الزوجة العمياء والتي تجيز للزوج إكراه زوجته حتى على المعاشرة الجنسية دون رضاها -كما سبق في مقالة سابقة- وهذا النوع من الطاعة لا وجود له في أي آية في القرآن الكريم، وجميع الأحاديث التي تقول به ضعيفة، وهو نابع من إشباعها لغريزة التملك عند الرجل وإشعاره بالزعامة وتلبية حاجته لحب التسلط والقيادة، لأنه المكلف بالإنفاق في البيت.. بل يقصد به نوع خاص ووحيد من النشوز الذي تجب فيه تلك الإجراءات، وهو النشوز الذي لا تحفظ فيه الزوجة حقوق زوجها بالغيب، وترتكب الفاحشة المبينة أي الزنا، ويؤكد هذا الطرح الحديث النبوي الذي قاله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عندكم عوانٍ ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضجع واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، إن لكم من نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون..." رواه الترمذي وصححه. [email protected]