الفهرس: - أهمية حدث الهجرة النبوية - الهجرة والنصرة معاني خالدة - الأخذ بالأسباب سنة نبوية - التوكل على الله مفتاح النجاة والنصر - شرف وثواب الهجرة لا ينقطع. _ أهمية حدث الهجرة النبوية: إن حدث الهجرة النبوية له أهمية قصوى في تاريخ المسلمين، فهو مرحلة فاصلة بين الحصار والتضييق وبين الحرية والنصرة، بين الإذاية والتعذيب لكل من آمن بالله واليوم الآخر وبين الترحيب والفرح بالإسلام والمسلمين، وبين تكذيب خير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم، وبين التصديق والمحبة والشوق لرؤية رسول الله. إن حدث الهجرة النبوية كان بمثابة الخطوة الأولى في بناء دولة الإسلام، دولة الحق والعدل والإحسان، حينها سيتم بناء أول مسجد في الإسلام، المسجد كمكان لعبادة الله والتقرب إليه بالفرض والنفل، وكمؤسسة اجتماعية واقتصادية وسياسية، للتشاور في أمور المسلمين والتخطيط لمستقبلهم، لذلك اختار الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أن يبدأ التأريخ لدولة الإسلام بحدث الهجرة النبوية. _ الهجرة والنصرة معاني خالدة: إن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يقدمان لنا المهاجرين كرمز للصبر وتحمل الأذى في سبيل الله، وكذلك الصبر على مفارقة الأولاد والأموال وتفويض الأمر إلى الله عز وج، كما يقدمان لنا الأنصار كنموذج لنصرة دعوة الله بالنفس والمال وبكل ما يملكون، رضي الله عنهم وأرضاهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المهاجر من هاجر ما حرم الله"، إن شرف وثواب المهاجر يناله كل من هجر الذنوب والمعاصي والآثام، ويناله كل من هجر النفاق وشهادة الزور ومغالطة الناس بتزيين الظلم والاستبداد، يناله كل من صبر واحتسب وتحمل أذى الظالمين وثبت ولم يستسلم للحكم بغير ما أنزل الله. يناله كل من تحرى الحلال ولم يشارك في نهب أموال البلاد والعباد، فالدنيا دار ابتلاء واختبار والآخرة هي دار القرار. أما شرف النصرة فيناله كل من وقف بجانب الحق وأهله وبذل ماله ونفسه في سبيل نصرة دعوة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وبناء جماعة المسلمين، يناله كل من آوى واحتضن وصبر على الناس حتى يتعلموا ويفقهوا أمور دينهم ودنياهم، يناله كل من اصطف إلى جانب المستضعفين من الفقراء والمهمشين ودافع عنهم. إن الهجرة والنصرة معان خالدة بخلود كتاب الله وسنة رسول الله، ومتجددة بتجدد الزمان والمكان والظروف التي تمر منها أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. _ الأخذ بالأسباب سنة نبوية: إن من أعظم معاني الهجرة النبوية، التي تحتاج أمتنا -اليوم- إلى تجديدها وتجسيدها في الواقع هي سنة الأخذ بالأسباب التي أمر الله عباده بإتقانها والاجتهاد فيها قدر الإمكان، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم المأذون له بالهجرة من قبل مالك الملك جل وعلا، يتخذ جميع التدابير والاحتياطات التي من شأنها أن تساعده على النجاة. أمر سيدنا عليا بأن ينام في مكانه، وخرج متخفيا، واتخذ دليلا، وبقي في الغار ليالي حتى رجع القوم، وسلك طريقا غير معروف... من يفعل هذا؟ إنه محمد صلى الله عليه وسلم الذي يوحى إليه، والذي أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عُرج به إلى السماء السابعة في ليلة واحدة، إنه هو صلى الله عليه وسلم، يعلمنا الأخذ بالأسباب والاجتهاد فيها وإتقانها، فالنية الحسنة وحدها لاتكفي، بل لابد من عمل وجهد واجتهاد وصبر وتحمل إذا نحن أردنا تغيير ما بأنفسنا من حب للدنيا وكراهية للموت، وما بقومنا من ظلم واستبداد وفقر وتهميش، وما بأمتنا من تخلف وضعف وهوان. _ التوكل على الله مفتاح النجاة والنصر: علمنا خير البرية صلى الله عليه وسلم أن مع إتقان الأسباب وقبلها وبعدها لابد لقلب المؤمن أن يمتلأ توكلا ويقينا في نصر الله وتوفيقه، وإلا ستحجبه الأسباب عن مسبب الأسباب، فما النصر إلا من عند الله، لذلك نجده صلى الله عليه وسلم عندما قال له سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهما في الغار: "لو أن أحدهم نظر إلى أسفل قدميه لرآنا" فقال له رسول الله: "ما بالك باثنين الله ثالثهما". يقين تام في حفظ الله ونصره، يقين لم تنل منه كثرة الشدائد والمحن. إنه رسول الله وكفى. كم نحن اليوم في حاجة إلى رجال ذاكرين صادقين موقنين بأن المستقبل للإسلام والمسلمين، المستقبل لدولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة التي ستملأ الأرض عدلا. وعد من الله إن الله لا يخلف الميعاد. وهاهي بشائر الخير تلوح في الأفق من خلال هذا الربيع المبارك الذي أسقطت رياحه بعض رؤوس الاستبداد والفساد، وتركت أخرى آيلة للسقوط في أية لحظة. الحمد لله ناصر المستضعفين وقاصم الجبارين. اللهم اجعلنا من المتوكلين الموقنين بنصرك وتمكينك لعبادك الصالحين، ولا تجعلنا من المتواكلين المشككين في موعودك لعبادك المؤمنين. آمين _ شرف وثواب الهجرة لا ينقطع: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوية حتى تطلع الشمس من مغربها". يامن عرف قدر ومكانة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم بما صبروا وتحملوا وبما آووا ونصروا دعوة الحق بالنفس والمال، ويا من يتمنى لو كان منهم أو معهم ونال شرفهم وثوابهم، هاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بأن شرف وثواب الهجرة لا ينقطع بل هو باق ما بقيت الشمس تطلع من مشرقها وما بقيت التوبة، فكن من المهاجرين لما حرم الله تنل ثواب وشرف الهجرة، وكن مع الحق وأهل الحق واصطف إلى جانب المستضعفين ودافع عنهم تنل شرف وثواب الهجرة. اللهم اجمع لنا شرف وثواب الهجرة والنصرة. آمين، والحمد لله رب العالمين. زهير بنطالبة