أمازيغي، عربي، فرنسي،... مهما كان موضع الإنسان على هذه البسيطة و مهما كان أصله و عرقه، فهو في نهاية الحكاية " إنسان "، إنسان بإنسانيته فقط لا غير. كلنا نسل من ماء أول الخلق، آدم عليه السلام، و كلنا قد كرمنا من فوق سبع سماوات و ميزنا بالعقل عن باقي المخلوقات. من المنظور الديني،لا فضل لهذا عن ذاك إلا بالتقوى و بلغة العصر، ما يميز أحدنا عن الآخر هو مستوى عقله و درجة رقي سلوكه و معاملاته. أي مدى استخدامه لتلك الكتلة في جمجمته، و التي تميزه عن بقية الدواب و ترقى به إلى أعلى مستويات الخلق. لكن حكمة الخالق سبحانه اقتضت أن يوزع نسل أبينا آدم على أرجاء كوكب الأرض و يعمروا أرجاءه، فكان من نتاج ذلك أن اختلفت تدريجيا، مع مرور الزمن، ثقافات أبناء آدم و عاداتهم و كذا ألسنتهم و أمور أخرى، إلى أن صرنا على ما نحن عليه اليوم " شعوبا و قبائل ". كما أن حكمة الله اقتضت أن " تتعارف " هذه القبائل و الشعوب فيما بينها و تتداخل ثقافاتها و عاداتها، فتتحقق بذلك الغاية الأسمى و هي خلق التقارب و المودة بين أبناء الجنس البشري. و هذا، من طبيعة الحال، سيرقى بالإنسان و الإنسانية إلى أفضل الأحوال و يكرم نفسه كما كرمه خالقه. من هذا المنظور فكرامة الإنسان و جلاله يكمنان في مدى اعتباره لأخيه الإنسان، و الذي يجسد هذا الاعتبار هو مستوى معاملاته له و سلوكه اتجاهه. و مهما كان أصل الإنسان و عرقه فميزان إنسانيته في سلوكه فقط. صحيح أن لكل قوم مجموعة من الثوابت التي تحدد هويتهم، و ليس إنسانيتهم. و اللغة هي إحدى هذه الثوابت، بل أهمها إن صح التعبير. لكن الانشغال بإحدى هذه الثوابت مع إغفال الأخرى لن يؤدي إلا إلى إتلاف هذه الهوية عوضا عن الحفاظ عليها. إذا كان هذا الإغفال من باب التجاهل فذلك موضوع يحتاج إلى نقاش أكبر، أما إذا كان الإغفال من باب الجهل فتلك علة تحتاج للعلاج السريع قبل أن تتفاقم و تستعصي. و الكثير منا، نحن الأمازيغ، لا يخلو تفكيره من هذه العلة، فقد صار هؤلاء " الأمازيغيون العصريون " يشكلون، بمراهقتهم الفكرية و سلوكاتهم الهجينة، عالة على الأمازيغية. فقد صاروا يدافعون عن القضية الأمازيغية بألسنتهم و يدفنونها بسلوكاتهم و مستواهم الفكري الناقص و المعتل. لا أحد ينكر وجود العرق الأمازيغي في المغرب و لا أحد بإمكانه أن ينفي وجود الأمازيغ بين ظهرانيه في هذا البلد، ومن يفعل ذلك فقد سفه نفسه. لكن المتأمل للأمازيغي المغربي " العصري " سيجد نفسه أمام تناقض كبير سيقوده لا محالة إلى اعتقاد أحد الأمرين. الأول أن الإنسان الأمازيغي الحقيقي قد عاش مع الديناصورات و لم يبقى منه إلا الاسم و بعض المستحاثات في أعلام الأطلس. أما الثاني، و هو الأخطر، أن الأمازيغية سلالة حديثة العهد، سلالة هجينة جديدة نتجت عن طفرة في تناسل العربية أو أنها نتجت عن عملية استنساخ جمعت فيها العربية و الفرنسية و العبرية و مواد أخرى لا يعلمها إلا الله. فلنتأمل معا هذه الصورة العجيبة التي صار عليها الشاب الأمازيغي: إذا تحدث اختلطت أربع أو خمس لغات في جملته الواحدة حتى أنك لا تكاد تسمع إلا بضع كلمات أمازيغية في مزيج لغوي عجيب. ناهيك عن مصطلحات هجينة أخرى لا أصل و لا معنى لها. إذا ابتعد عن بيته بضع خطوات و اختلط بالآخرين، ينسلخ من أمازيغيته كليا ليصير رغما عن أنفها إنسانا " راقيا " و " متطورا " يتحدث العربية العامية و لا يتقن " الشلحة "، رغم أن براءة لكنته و نبرة صوته تبوح بعكس ذلك. هذا إذا كان قد تعلم بضع كلمات عربية، أما إذا كان لا " يقشع " شيأ هنا تسمع العجب العجاب... . هذا العناء كله سيتحمله لأن الأمازيغية، في منظوره، لغة الجهل و التخلف أما العربية، و لو كانت عامية، لغة التقدم و الحضارة. إذا كانت له ذرية، و بمجرد أن يبدؤوا في نطق " إم..ا " و ب...ا با " حاول أن يلقنهم العربية وأمر أهله و وصى بنيه من بعده على ذلك. ليس تمجيدا للغة القرآن و لا حرصا عليها، و لكن سعيا لوأد لغة التخلف. إذا تزينت الأمازيغية في عصرنا شمرت على خصرها و صدرها بلباس غربي يفضح العورة أكثر مما يسترها، أما اللباس الأمازيغي فلا أحد يعيره اهتماما لأنه محتشم و يستر مفاتن المرأة و يمتص أنوثتها. أما الفتى إذا تزين سيخاله الناظر " ديكا " في هيئة بشرية أو جنيا خرج من ظلمة إحدى قنوات الصرف. فقد صارت أنصاف " السراويل " و أرباع القمصان فوق أجساد بشعور واقفة و المظاهر الغربية المقرفة، هي كل شي، هي التقدم و هي الحضارة. فأين هؤلاء من الأمازيغي الحقيقي الذي يتقن لغته و يلقنها لبنيه، يعتز بها و لا يستحيي من التواصل بها أمام أي كان. أين هؤلاء من الأمازيغي الذي يحلق رأسه و يحاول أن يظهر من بساطة هندامه ما استطاع تواضعا. أين هؤلاء من الأمازيغي الذي يصون موروثه و يحافظ عليه من الضياع و الاندثار في موجة التداخل الفكري. كيف لمن اختلطت في جسمه مظاهر الشرق و الغرب و امتزجت في لسانه لغات كثيرة و تطاحنت في فكره مذاهب العرب و العجم و كان هندامه و سلوكه أقرب إلى الحيوان منه إلى البشر، أن نقول إنه أمازيغي و ننسبه إلى الأمازيغية الشريفة. هذا الصنف من البشر لا يكون إلا دنسا لها و وصمة عار تاريخية شابت كرامة السلالة الأمازيغية. فهل نستحق فعلا أن نكون أمازيغيين؟.