وجد نفسه يمشي وحيدا ويداه خلف ظهره , وبين الفينة والأخرى , تلمس قدماه عباب الأمواج المنكسرة على الرمال الذهبية ولما كانت الشمس تميل شيئا فشيئا إلى الغروب , أحس بأنه وحيد ا على هذا الشاطئ الجميل , وأحس كذلك أن الأمواج نفسها تبادله ضخامة ثقل الهموم التي تسكن جمجمته . وكلما اقترب من البحر , ازداد رذاذ الماء يلامس محياه يلطف ليخفض من حرارة نفسه المضطربة , وأدرك للتو أن هناك علاقة وطيدة تجمعه بالبحر , فحين تلمس قدماه أمواجه, تزهو عواطفه الباطنية , ويتبختر في مشيه كأنه أمير يسير بين جنوده , موزعا ذات اليمين وذات الشمال ابتسامات الرضا والعفو والكبرياء ... ولما سار ردحا من الزمن في هذا المكان الفتان, عادت به ذاكرته إلى زمن الطفولة والبراءة, أيان كان يلعب بالخضروف , مع ثلة من الصغار وزملاء التعليم الابتدائي ...في ذلك العهد الذهبي, حيث لا يساوي الزمان أي شيء. ولا يتحمل أية مسؤولية أسرية ... أدرك أخيرا انه يواجه البحر , وقد خلا الشاطئ من المصطافين والزوار , وبما أته قضى معظم حياته في فجاج جبال الأطلس الشامخ , وقد نمت في كنهه , أن الجبل رمز من أهم رموز الرقي والسمو , ومن لا يحب صعود الجبال يعش ابد الدهر بين الحفر كما عبر به الشابي في ديوانه ً إرادة الحياة ً . أدرك صاحبنا أنه والبحر أمامه, لا يساوي أي شيء. اخذ الخوف يسيطر على نمط تفكيره , واخذ بين الفينة والأخرى يلتفت إلى الوراء لعله يجد إنسا أو بشرا يعبد هدوءه و اطمئتاته , ولما بدت الشمس في الأفق تنزل هنيهة هنيهة , بدا البحر رائعا , وكأنه لوحة زيتية نفيسة لأحد رسامي القرن السابع عشر أو الثامن عشر , شرع صاحبنا يرفع قدما ويضع أخرى , متجها صوب المدينة التي اشتعلت أضواؤها , معلنة عن نهاية مرحلة البقاء للتمتع بالشاطئ الجميل . محمد همشة . اكادير في:31/07/12 .