يرفع أهل جزيرة العرب من الدّعوة الوهّابيّة إلى مستوى ذلك المنهج الذي يمثّل مذاهب أهل السّنّة والجماعة مجتمعة ويجعلها الممثّل الوحيد ل"لفرقة النّاجية"، وهذا في الحقيقة تخطّف لمذهب السّلف لا أجد مثيلا له إلاّ عند الكنيسة المنهجيّة التي تخطّفت المسيحيّة معتبرة نفسها ممثّلا أوحد للمسيحيّة والمسيحيّين في العالم، ولعلّ هذا الاعتقاد المتعصّب هو ما جمع بينهما رغم الاختلاف العقديّ البيّن في حرب الخليج عندما أصدر (مجمع الفقه الوهّابيّ فتوى جواز الاستعانة بالكافر)، عندما استقبل بوش الأب استقبال الفاتحين ونودي عليه بالمحرّر، ثمّ في اجتياح العراق واحتلال أفغانستان عندما استقبل بوش الابن ونودي عليه بالصّديق الكبير. لقد نصّب أصحاب هذا المنهج أنفسهم مدافعين عن السّنّة النّبويّة لا بل على الدّين المحمّديّ، وكأنّ باقي المسلمين لا يعنيهم شيء من أمر السّنّة ولا من أمر الدّين، فراحوا يفرضون أقوال مجتهدي الفقه الحنبليّ وكأنّها هي الحقّ الذي لا مراء فيه والصّواب الذي لا غبار عليه، فتأخذهم الحميّة الحركيّة إلى تسفيه كلّ اجتهاد مخالف وإن من داخل المذهب، قدّسوا الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب رحمه الله وغفر له، فمتى ما انتقد علت وجوههم صفرة وتكدّرت أحوالهم فعلا صخبهم وسمعت منهم ما يأخذك منه العجب، عندها لن تجد لديهم تسنّن ولا شيء من أخلاق أهل الجماعة، يعيبون على المخالفين الغلوّ في الآل الأطهار وهم في ذلك محقّين، لكنّهم لا يتورّعون عن الغلوّ في الصّحب الأبرار حتى تجدهم يزعمون لهم العصمة، وإن لم يصرّحوا بذلك تصريحا، أمّا علاقتهم بذوي السّلطان فمحلّ شبهة كبيرة، خصوصا منهم الجاميّة والسّروريّة التي تدافع باستماتة من منطلق التّحزّب المذهبيّ عن أجندة الحكّام المرتبطة عضويّا بالأجندتين: الأمريكيّة والإسرائيليّة، أمّا الجهاديّة فرغم معارضتها للحكم الأسريّ المستبدّ فإنّ كوارثها على الأمّة غير خافية ولا تحتاج إلى كثير تفصيل، لذلك فإنّ من شرّ ما ابتليت به الأمّة في ظلّ الحكم الجبريّ ظهور هذا التّوجّه الذي يريد تخطّف الدّين، وتخطّف مذهب السّلف وسير الصّالحين، ومن ثمّة احتكار الفرقة النّاجية والخروج على المجتمع بتسفيه كلّ رأي مخالف، والاحتماء في ذلك كلّه بالسّلطة الغاشمة المستبدّة وبذوي النّفوذ لسوغ ما يأفكون، ولمعاكسة إرادة الشّعب خصوصا فيما يتعلّق بالدّيمقراطيّة والمشاركة السّياسيّة كمدخل للحكم الرّشيد، وبالحرّيّة بوصفها مناط المسئوليّة، ثمّ بحقوق الإنسان من حيث إنّها حقوق وجوديّة تتعلّق بتكريم الذّات العليّة للآدميّين، والله المستعان على ما يصفون، والحمد لله ربّ العالمين الذي لا يحمد على مكروه سواه