في حلقات سأحاول أن اكتب عن عادات رسمت معالم الطفولة القروية، و الآن أصبحت فقط جزءا من الذاكرة. "بوهراس" عادة قروية ارتبطت منذ القدم بعيد الأضحى في قريتنا، لكن وللأسف الشديد اندثرت هذه العادة ولم يعد لها أثر.وملخص هذه العادة أن يجتمع أطفال القرية صبيحة ثالث أيام العيد حاملين أكياسا بلاستيكية تحتوي عظام رأس الأضحية،فيحددون نقطة انطلاق مسابقة توارثوها أبا عن جد دون أن يتعمقوا في فهمها. ينطلق السياق إلى وجهة معلومة ستلقى فيها تلك العظام ،والاعتقاد السائد والمترسخ في أذهان الصغار والكبار،أن الطفل الذي تأخر واحتل المرتبة الأخيرة سيصاب ب "بوهراس"والذي يعني أن ذلك الطفل سيصاب بآفة تكسير الأواني الزجاجية والطينية في حياته اليومية.ولكم أن تتصوروا حالة الطفل أثناء وبعد السباق.يبكي كثيرا ويصاب بالغبن والازدراء في بيته.ومع الضغط النفسي والارتباك الشديدين ،يحدث أن يتسبب الطفل في تكسير إناء معين فيتلقى وابلا من الشتائم من طرف جميع أفراد الأسرة الذين يعتقدون تماما أنه أصيب ب"بوهراس" الذي يلازمه شهورا ولما لا سنة كاملة أي حتى حلول موعد سباق آخر يكون خلاله قد حسن مؤهلاته البدنية فيتخلص منه أو يكون ملازما له للسنة الثانية على التوالي. وبقراءة عصرية لهذه العادة نستنتج أنه كان سباقا عفويا لم يتم استثماره علميا. فلو كان هناك مهتمون بالرياضة و شؤونها يسبرون أغوار مناطق نائية، لتوصلوا إلى اكتشاف طاقات رياضية كانت ستشق طريقها في عالم ألعاب القوى الوطنية، لأن من كان يقطع تلك المسافة بسرعة عالية بغية التخلص من "بوهراس' أكيد سيكون له شأن عظيم في عالم الميداليات والألقاب لو تم توجيهه واستثمار موهبته.لكن يبقى "بوهراس" عدوا ريفيا مارسه صغار القرية عفويا وبعيدا عن الأضواء. أما العدو الريفي الحقيقي فكان وما زال من حظ أبناء الطبقة الغنية التي ربما لم تسمع أبدا عن "بوهراس" وتفاصيله.