ما العمل الآن ؟؟هكذا بدأ حسن صباحه ٬وهو يتقلب في فراشه ويتكاسل في النهوض ٬ ولما النهوض ؟؟ وقد فقد عمله البارحة ٬ بعد أن تحمل صاحب العمل لمدة ثلاثة أشهر0 نعم لقد أحرز تقدما هذه المرة 00 ثلاثة أشهر و كم كان فخورا بنفسه وهو يرددها بينه وبين نفسه٬ نعم كان سعيدا جدا لأنه صبر على صاحب العمل كل هذه الفترة 0 يتقلب00 ثم يتقلب00 و يفكر كيف أمضى هذه الثلاثة أشهر مع شخص سليط اللسان مثل مديره ٬لا يعرف إلا السب ٬والشتم دون مراعاة 0 يتذكر انه عمل محاسبا في بداية مشواره بعد دراسة وصلت مدتها ستة عشر سنة وما يزيد ٬وكانت بداياته ككل البدايات حيث أرسلوه للأرشيف٬ ثم للطباعة ٬ ثم للتسويق ٬ثم للخزينة 000 وهكذا الى أن أصبح ملما بجميع هذه الوظائف أخيرا يقوم من سريره يتوجه للمغسل ٬و بعد بضع دقائق يكون قد جهز نفسه للتوجه نحو المقهى الذي اعتاد التوجه إليه كلما فقد عمله0 بمجرد أن لمحه صديقه "علي " حتى أطلق العنان لضحكات استفزت حسن0 علي : مجددا يا صديقي 00 مجددا تترك عملك ألم تتعب؟ حسن : نعم مجددا00 علي : كم عملا تركت للآن؟ حسن : لا ادري 000 لا أذكر العدد 00 لكن الأمر زاد عن حده علي :وما السبب هذه المرة ؟أظنك استنفدت كل الأسباب حسن : بصدق لم أكن أطيق مديري٬ فقد جعل مني خادمه المطيع٬ ومذكرته التي تحفظ أرقامه الهاتفية٬ و محاسب الشركة ٬وساعي الشركة ٬و سكرتير الشركة ٬و الموظف الوحيد فيها 00 علي : وماذا كنت تنتظر من ورشة صغيرة ؟ حسن : طبعا ما الذي كنت انتظره من ورشة صغيرة؟ لكن الأمر سيان سواء تعلق الأمر بورشة صغيرة أو بغيرها ٬ فالمعاملة لا تتغير ٬والعمل المضني طيلة اليوم هو نفسه٬ وساعات العمل الإضافية ٬والأجور الهزيلة نفسها٬ و الإهانات نفسها ٬ والتقليل من شأن العامل 00هذا ناهيك عن التغطية الصحية ٬والتدريب الذي يصل السنة دون اجر علي : إنك متشائم يا صديقي حسن : ربما قد أكون متشائما ٬لكن ما أقوله واقعيا الى حد ما علي : انك لا تريد أن تعترف انك فاشل 00 حسن : ربما هذا أيضا فأحاول أن أخفي عيوبي وقلة صبري 00لكن لا شك أيضا في وجود أسباب كثيرة غير صبري00 علي : حدثني عن أسوء المهن التي زاولتها00 حسن : أسوئهن 00 أسوئهن 00 دعني أتذكر 00 آه كنت حينها أعمل بإحدى الشركات الفرنسية المتخصصة في التسويق والإشهار عن طريق الهاتف٬ فكنا نجري اتصالات يوميات ﴿ ما يقرب أربعمائة اتصال للموظف الواحد﴾ فكنا نسبب إزعاجا كبيرا للأهالي بإتصالتنا المتكررة ٬و أسألتنا التي لا تنتهي ٬وغالبا ما كنا نواجه بالرفض٬ وما زاد الطين بله هو السمعة السيئة للمحل الذي نروج له ٬فقد كانت سلعه غالية جدا ٬و تورط الزبناء في قروض بنكية هم في غنا عنها ٬فكنا نواجه أحيانا سيلا من الإهانات00 وهناك ما أسوء من هذا00 اذكر أني تقدمت لعمل أجبرنا فيه على التوجه الى أمام الفنادق أو في الواجهات الكبرى للمدينة ٬حيث يتوجه السياح و علية القوم ٬وكان الهدف من هذا جلب زبائن ميسوري الحال لوكالتنا ٬فكنا نستوقف المارة تحت حجة إجراء استطلاع للرأي ليجد هذا الأخير نفسه في وكالتنا ٬وقد ضاعت منه النزهة ٬وضاع يومه وربما ماله 00 لا 00 انتظر هناك ما هو أسوء 00فقد عملت وكيلا عقاريا ٬ وكنا نغالي كثيرا في الأثمان ونرفع الأسعار الى حد غير معقول٬ وكنت مضطرا لتحمل انزعاج الناس من أزمة السكن٬ و المضاربات العقارية ٬ولا أخفيك سرا فقد كنت أرثي لحالهم علي : وماذا عن أفضل المهن التي زاولت ؟ حسن : أفضلهن00 لم أجد بعد لكني حلمت يوما بأن أكون رائد فضاء علي : رائد فضاء !! تضحكني يا صديقي 00 يصبيك دوار الارتفاعات ٬ودوار البحر ٬ودوار السيارات ٬و الغثيان في الزحمة ٬وتريد أن تكون رائد فضاء حسن : نعم0 و ما المانع في أن احلم00 أتريد أن يكون حلمي بحجم واقعي وما نفع الحلم إذن؟ علي : وماذا حلمت أيضا أيها الحالم ؟ حسن : بعد رائد الفضاء حلمت أن أكون رساما علي : وما الذي منعك من أن تكون رساما؟ حسن : لم أكن أجيد الرسم مطلقا علي : فكيف حلمت أن تكون رساما و أنت لا تجيد الرسم ؟ حسن : أحببت الفكرة فقط 00 أعجبتني الفكرة فاسترسلت فيها علي : وماذا حلمت أيضا؟ حسن : هذه المرة حلم والدي علي : وماذا كان حلم والدك؟ حسن : كان يرغب دائما أن أكون قاضيا علي : و لماذا لم تلبي له طلبه؟ حسن : الذنب ذنبه فلو كان قاضيا لكنت قاضيا 0 كما أنني تخصصت في شيء أخر دون أن يدرك الأمر٬ فقد كان أميا كما حالنا جميعا ٬ فسمحت لنفسي بخداعه علي : سمعت انك تكتب ؟ حسن : نعم كنت اكتب لكني توقفت00 علي : ولماذا؟ حسن : لكثرة الإتهامات التي تلقيتها و الانتقادات التي واجهتها ٬فعندما تقول " لا " تجد من يتهمك بالخيانة ٬وحين تشير للفساد تجد من يتهمك بإثارة الفتن٬ و حين تكتب عن العشق تجد من يسمح لنفسه برفض مشاعرك ٬و حين تبتعد كل البعد عن بلدك يتهمونك بالتبعية ٬وحين تقترب لبلدك تجد من يتهمك بالحمق والجهل ٬ هم لا يعرفون أني أعيش وراء الشمس فلا يسعني إلا أن اكتب من هناك بعض الخربشات000 كثرت الإتهامات وزاد قرفي قرفا فحين تكتب مثلا " يا سادتي هناك مأساة "ينتبه الكل انك أسقطت الهمزة ٬فيظهر" سيبويه" ليصحح لك "المأساة" وتصيح بملأ ما فيك إنها" مأساة " ولا أحد يهتم لغير الهمزة وموقعها فما الذي ستفعله؟ علي : انك غريب الأطوار """لكني احمد الله انك لم تدرس الطب و إلا اضطررنا لسماع تأففك الذي لا ينتهي00 حسن : نعم لم أكن طبيبا في أي يوم من الأيام ٬لكني كنت مريضا علي : أرجوك إنها المهنة الوحيدة التي لم تزاولها فلا تطلق لسانك السليط 0 حسن : لا00 لن أطلقه0 علي : وما العمل الآن ؟ حسن : أفكر أن أمارس الغناء٬ولو كنت امرأة لفكرت في أن أمارس الرقص علي : نكتك لا تنتهي حسن : إني جدي للغاية علي : وهل تملك الصوت الذي يجعل منك مغنيا؟ حسن : طبعا لا فأنا لن اغني الأطلال 000ما سأغنيه لا يحتاج لذاك الصوت وتلك المقومات 00 ولا يحتاج لقصائد أ حمد شوقي 00 كل ما يحتاج له هو بعض الحروف ك " الواو" و" الحاء " علي : يكفينا اليوم يا صديقي فأنا أعرفك حق المعرفة ٬وربما لن ننتهي اليوم من هذا الموضوع0 رسوان بشرى 29-10-2011