التعادل السلبي يحسم لقاء الرجاء والمغرب الفاسي في الجولة الثامنة من البطولة الاحترافية    أهم توصيات مؤتمر الموثقين بمراكش    في أول امتحان له.. النقابات توجه رسالة إلى وزير الصحة الجديد    تدشين أول رحلة جوية مباشرة تربط نيويورك بمراكش    المركز الدولي للدراسات الزراعية العليا المتوسطية.. وزير الفلاحة الإسباني يؤكد متانة العلاقات مع المغرب    بعد أن صمت شهرا كاملا.. المغرب يدعو من باريس إلى وقف إطلاق النار في لبنان واحترام سيادته    وقفات مغربية تتمسك بوصية السنوار    الملك يأمل توطيد العلاقات مع الفيتنام    تم اعتقاله في واقعة محاولة تصفيته.. القضاء المغربي يدين بارون مخدرات جزائري بالسجن 20 سنة نافذة    باريس سان جرمان يرفض قرار لجنة الاستئناف في رابطة المحترفين بدفع 55 مليون يورو لمبابي    "البيجيدي": التعديل الحكومي استمرار للتراجع عن المد الديمقراطي وأخنوش "يصبغ" الإدارة من شركاته    غرامة "وانا" ترفع دين اتصالات المغرب    محمد المحتوشي يكتب: التكنولوجيا كأداة لتحسين أداء الجماعات الترابية    إسرائيل تقتل منتظرين للمساعدات بغزة    أمن مراكش يحبط عملية تهريب طن من حشيش "الكيف"    بعد وفاة شخص وإصابة آخرين إثر تناولهم "برغر" من "ماكدونالد" بأمريكا.. السبب هو البكتيريا الإشريكية القولونية    خزينة المملكة: فائض في الميزانية يصل إلى 26,6 مليار درهم        نادي أولمبيك مارسيليا يكرم الراحل برادة        مديرية الأرصاد تحذر من امطار رعدية قوية بعدد من أقاليم المملكة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    الوكيل العام يرفض استدعاء "أحمد أحمد" لتبرير اقتناء الناصري "فيلا كاليفورنيا"    الأميرة لالة حسناء تترأس حفل "فاشن تراست أرابيا" العربية    بونو والركراكي والسكيتيوي والكعبي ودياز خارج المرشحين لجائزة الأفضل في إفريقيا    خطاب ماكرون أمام البرلمان المغربي.. التفاتة ملكية تعكس العلاقات المتميزة بين البلدين    الغافولي يعيد إصدار "المعفر" بتوزيع جديد    كندا تقرر تخفيض عدد المهاجرين القادمين إليها اعتبارا من العام المقبل    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش.. قائمة المشاريع والأفلام المختارة في ورشات الأطلس    بورصة البيضاء تفتتح التداولات ب "ارتفاع"    نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية مصحوبة بهبات رياح اليوم الجمعة بعدد من مناطق المملكة    هل ينجح الميداوي في إيجاد الحلقة المفقودة التي ضيعها الميراوي في ملف أزمة طلبة الطب؟    "أمو تضامن".. تحويل 15,51 مليار درهم من طرف الدولة إلى الضمان الاجتماعي    لا بَيْتَ في الدَّارْ!    المغرب في المرتبة 92 عالميا في مؤشر سيادة القانون لعام 2024    استشهاد ثلاثة صحافيين في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان    لامين يامال يرد على مشجع لريال مدريد سخر من أدائه أمام بايرن    جورجينا رودريغيز تستعيد عافيتها بعد تغلبها على أزمة صحية خطيرة    بايتاس يستعرض استراتيجية الحكومة لضبط أثمان اللحوم الحمراء    زياد فكري.. قصة بطل انطلق من أكاديمية محمد السادس إلى الولايات المتحدة الأمريكية    مهنيو أرباب المقاهي والمطاعم بالمغرب في وفقة احتجاجية جديدة على قرارات CNSS    الصورة والأسطورة في مواجهة الموت    مقتل 3 صحافيين في جنوب شرق لبنان    الجيش الإسرائيلي يٌعلن مقتل 5 من جنوده في جنوب لبنان.. وحصيلة خسائره ترتفع إلى 890 قتيلا وأكثر من 12 ألف مصابا    التهمت ميزانية ضخمة من المال العام.. فشل ذريع لأسواق القرب بمدينة الجديدة    ندوة علمية تقارب "الفلسفة الوسيطية"    مغاربة الإمارات يحتفون ب"أبطال القراءة"    لا أريد جوائز    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب تصادق بالأغلبية على مشروع القانون المتعلق بالصناعة السينمائية وإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي    فرط صوديوم الدم .. الأعراض والأسباب    التغير المفاجئ للطقس بيئة خصبة لانتقال الفيروسات    مصطفى الفن يكتب: هكذا تصبح وزيرا بوصفة سهلة جدا    وفاة وحالات تسمم ببكتيريا في أحد منتجات "ماكدونالدز"    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا نعيش في الجبل يا جدي ؟
نشر في أزيلال أون لاين يوم 25 - 09 - 2011

ظل الغلام ساهرا الليل ' رغم الهدوء التام الذي خيم على مسكن والده "حدو" . والسبب في هذا السهر ' الذي نغص عليه لذة النوم ' ما عسى قوله غدا للأستاذ "احماد " في قضية الامازيغية ؟ المهم أن يشفي غليله : لماذا لا تدرس اللغة الامازيغية في المدارس المغربية بشكل عادي كاللغة العربية واللغة الفرنسية وكذا اللغة الانجليزية وباقي ...
يصيح الديك باكرا ليخبر جميع أفراد الأسرة الامازيغية المتواضعة , ميلاد يوم جديد . تتحرك الأم" ايطو" في فراشها البسيط الخشن , لتجلس على ركبتيها , وقد تدلى شعرها الناعم على كتفيها ' وترفع ذراعيها الفاتنين , رغبة في لمه على شكل ضفيرتين طويلتين جذابتين , محاولة البحث عن منديلها المزركش بشتى الورود الذي سقط بجوار زوجها "حدو" الغارق في نوم عميق متقطع بشهيق وزفير , متواصل يدل على أنه في عالم الأحلام والخيال الرائع . يستيقظ الجد " ميمون" بتثاقل , نظرا لكبر سنه , وبين الفينة والأخرى , تحدث حركات هيكل عظمه حين سجوده أو ركوعه , أصواتا خاصة به , تبين انه يؤدي صلاة الفجر . أما " زنبة " البكر , فرغم كونها لا تعرف الكتابة ولا القراءة , إلا أنها , ناقدة , لها إلمام كبير بالسليقة بضروب اوزان الشعر الامازيغي وجماليته .
يستيقظ التلميذ "علي " الامازيغي النشأة والواقع , ليجد كما العادة فطورا هزيلا , وأسرة متفتحة , كادحة وجادة , وواقعا قاسيا جبليا لا يرحم , يخالف تماما واقع تلاميذ سهول تادلة وما جاورها . ورغم الإكراه الذي يواجهه هذا المتعلم الصبور , يأخذ فطوره , ليرمي محفظته المليئة بالكتب المدرسية والدفاتر واللوازم الدراسية , على ظهره النحيل , متجها بإرادة وعزم إلى مدرسته البعيدة , بحثا عن العلم والمعرفة , لأنه بدأ يشعر , انه في يوم من الأيام , ستفتخر به أسرته , وأكثر من ذلك قبيلته , حين يصبح طبيبا أو حارس غابة أو دركيا , أو على الأقل فقيها وإماما لمسجد القبيلة المتصارعة باستمرار حول قضايا الدين كالحلال والحرام مثلا .
يصل "على " كعادته الأول إلى باب المدرسة , ليجد أستاذه ,منهمكا في تناول فطوره والذي لا يشبه فطوره , فرغم أن هناك تشابها في الشاي , لكن الصغير , أعجبه الجبن الملف في صورة البقرة الضاحكة , والمربى الحلو الموجود في زجاجة عليها صورة المشمش , واسم فتاة تدعى "عيشة" . أما الخبز فهو بقايا من " الكومير الابيض اللون " والذي يتلهف إليه أبناء الجبل حين عودة آبائهم أو احد أقاربهم العائدين من السفر إلى مدينة بني ملال أو إلى واويزغت مثلا .
يجتمع التلاميذ الصغار في ساحة منسية , غاصة بصخور صلدة , تمنعهم من الجري والركض أثناء فترة الاستراحة , أما القسم فهو مبني بالمفكك , كأنه خم للدجاج , حار في الصيف , غير لائق للتدريس في فصل الشتاء , نظرا لصداع نزول المطر المنهمر على السقف المصنوع من صحائف القصدير . ورغم ذلك يكافح أستاذه جاهدا من أجل الرفع من مردو دية التلاميذ الأبرياء .
لما حان وقت الدخول إلى الحجرة , ردد الأستاذ وصغاره النشيد الوطني , أمام عمود معوج مثبت في الأرض و فوقه يرفرف علمنا المغربي رمز السيادة والوحدة الوطنية , وابتسم الجميع عند نهاية النشيد تعبيرا عن الرضا وحب الوطن .
تتقدم التلميذات الصف ويتبعهن التلاميذ في هدوء وحياء منقطع النظير , لتلج كل متعلمة ومتعلم القسم , رغبة في التعلم والمعرفة .
يأمر الأستاذ التلاميذ بإخراج كتب مادة اللغة الامازيغية , يصوب "علي " عيناه باهتمام كبير نحو أستاذه , دون أن يهتم بفعل إخراج كتابه, يلاحظ الأستاذ ذلك على محياه وهو التلميذ الذكي في القسم , ليخاطبه :
- ما بك يا "علي" , لماذا تنظر إلي هكذا , ألم تفهم السؤال المطلوب منك ؟
- بلى , يا أستاذ , فهمت المطلوب منا , ولكن ؟
- ولكن ماذا ؟ ألم تحضر كتابك ؟
- بلى , أحضرته !!! , هناك ما هو أهم من إحضار الكتاب يا " سي احماد" ؟ ..
يلتفت الجميع إلى " علي " في نوع من الاستغراب والتعجب مما يريد هذا التلميذ الفريد من نوعه قوله داخل الفصل .
- سمعت البارحة على أمواج المذياع جملة لم افهم المغزى منها , ولم أنم طول الليل مرتاحا . ؟
- ما هي هذه الجملة يا "علي" ؟وأشكرك على متابعتك لبرامج الإذاعة المغربية لكي يتحسن أسلوبك وتنمى معارفك .
- ما معنى يا أستاذي العزيز : "دسترة اللغة الامازيغية " ؟
يهيمن الصمت على أرجاء حجرة الدرس . وأخذت حواجب الصغار ترتفع وتنزل تعبيرا عن عدم فهم معنى هذه الجملة الجديدة . يضع الأستاذ كتاب الامازيغية على جانب المكتب , ويأمر الجميع بالانتباه إلى الجواب , وفكر في أن يمنح الفرصة للصغار قبل أن يتدخل للإجابة عن السؤال المطروح من طرف "على" .
- من منكم أنتم باقي التلاميذ , يعرف ما معنى " دسترة اللغة الامازيغية " ؟ .
يخيم الهدوء والتلاميذ يتهامسون مرددين نفس الجملة , والأستاذ ينتظر متطوعا للإجابة عن المطلوب . فجأة يرفع " خلا بن عدي " أصبعه مرددا بصوت مرتفع كلمة " أنا اس" , يفرح الأستاذ لوجود من سيجيب عن المعضلة المطروحة هذا الصباح في الفصل , يأمر "عدي" للإجابة :
- دسترة اللغة الامازيغية , يا أستاذ هي أن ( اللغة الامازيغية التي نتكلم بها في الجبال ستدخل الدستور. ).
- جواب لا باس به , يضيف الأستاذ , محاولا إزالة الغموض الناجم عن السؤال . ثم أخذت الأصابع ترتفع , وتتعالى الأصوات , كل تلميذ يريد حل اللغز , لكن كان في زاوية الحجرة تلميذ , غارق في عالم خاص به غير مكترث بما يجري في الحجرة , ليأمره الأستاذ لعله يرشدهم إلى الصواب , فقال له :
- أظن يا " خلا" أن جعبتك تحمل الجواب الحقيقي لمعنى "الدسترة " ؟ .وقف "خلا" منتصبا كأنه طارق بن زياد وهو يخاطب الامازيغ بالامازيغية , من اجل رفع راية الإسلام على تخوم بلاد الأندلس .
- الدسترة يا أستاذ هي البستنة . انفجر القسم ضاحكا , حتى كادت تلميذة أن تسقط من فوق مقعدها لسماعها جواب " خلا" فيلسوف الفصل . استغرب الأستاذ من جواب تلميذه و أراد التأكد منه , فضرب بيده المكتب آمرا بالسكوت والإنصات لشرح وتوضيح الجواب . واستدرك قائلا :
- لم نفهم ما تقصده , يا " خلا" بالبستنة ؟ اوضح جوابك !!! .
- الدستور يا أستاذ يشبه البستان , لا تغرس وتزرع فيه سوى الخضر والفواكه التي تحبها وتعجبك . والدستور نفس الشيء لا نضع فيه سوى الأشياء التي نريدها ونسعى إليها . ولكن هناك مشكل كبير لا ندركه إلا بعد فوات الأوان يا أستاذ ؟ . يتدخل الأستاذ وقد جحظت عيناه من عمق تحليل تلميذه "فيلسوف القسم " , كما يلقبه زملاؤه خارج أوقات الدراسة .
- وما هو المشكل يا ولدي ؟
- المشكل في عملية التطبيق والتنفيذ : فالبستان يحتاج إلى عناية فائقة بعد عملية الغرس والزرع , وإلا سيجف الغرس والمزروع, ولا تكون أية نتيجة من ذلك , ونفس الشيء حين لا يطبق الدستور على كل المواطنين والمواطنات , ويصبح حبرا جافا على ورق يابس... اخذ الكل يصفق لتحليل "خلا فيلسوف القسم " ولم يتركه التشجيع بالتصفيق يتمم شرحه وتحليله لمعنى " دسترة اللغة الامازيغية " .
- أشاطرك الرأي يا "خلا" وأشجعك على إدراكك لمفهوم "الدستور" , وهو أمر يحتاج لثقافة كبيرة تفوق مستواك الدراسي , فمن علمك هذا يا ولدي ؟
- لي أخ , يتابع دراسته الجامعية في بني ملال , ونتناقش معه , بعض القضايا في منزلنا , أيام العطل المدرسية .
- حاولوا انتم كذلك – يخاطب الأستاذ باقي التلاميذ – الاتصال ببعض أقاربكم أو جيرانكم , لأجل التوعية والرفع من مستواكم الفكري والثقافي . يعود الأستاذ إلى " علي" ليحاوره هو أيضا :
- وما رأيك أنت يا "علي "الذي طرحت لنا هذه الإشكالية ؟
- من خلال واقعي الذي أعيشه صباح مساء , يا أستاذي العزيز , وبما انك "امازيغي قح" , اسمح لي , أن أقول إن اللغة مهما كان نوعها , لا تحتاج إلى دستور يفرضها , وإنما هي كائن حي يتنفس , ويتغذى , كالإنسان أو الحيوان أو النبات , كما قلت لنا في الدرس السابق في مادة العلوم الطبيعية . يتوقف " علي " للتنفس ويبلع الرمق, ليضيف أستاذه قائلا :
- جيد !!! , ابني العزيز , تابع تدخلك .
- إننا نتكلم في منازلنا , وتحت خيامنا اللغة الامازيغية , ولا نشعر نهائيا بأي نقص , ولكن ما الذي يجعل البعض منا يحتشم ويخاف أي يتكلم بها في مدينة متحضرة كبيرة كبني ملال مثلا . يتدخل الأستاذ ويطلب من "علي" أن يعود إلى الدرس الجديد وهو نطق بعض الحروف التي تمتاز بها اللغة الامازيغية عن باقي اللغات الأخرى , ويعده في حصة أخرى الحديث عن تاريخ اللغة الامازيغية ,ولو بشكل بسيط وواقعي . رغم أن هذا التاريخ غير مدون في برامجنا ومقرراتنا .
محمد همشة
25/09/2011 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.