أخيرا وجد الصحفي المخضرم نفسه وجها لوجه في مقابلة صحفية مع الديكتاتور،بعد أن أعطيت له تعليمات صارمة في كواليس الإستجواب،: أن ينشر الجواب على الورق، وأن يتم بدون تسجيل صوتي، أو صوري، ولا صورة واحدة أو حتى نصفها تلتقط وقت الإستجواب،ساكنة كانت أو متحركة، ولا منصوبة ولا مرفوعة، و أن تكون الأسئلة بسيطة، واضحة وقصيرة،من الحياة اليومية العادية البسيطة، دون الدخول والخروج بأسئلة عسكرية، أو تشريعية، أو قضائية أو أوتنفيدية ممنوع السؤال في شؤون السلطات، كل سلطة تدخل بالطول والعرض في السلطة الأخرى، ودخول السلطات في بعضها البعض بالأفقي والعمودي.. ممنوع التسوق في سوق السياسة، كل واحد يدخل سوق رأسه، وإذا خرج منه سوف لن يعحبه حالا من حاله، ثم أن رد الديكتاتور سيكون سريعا.. سطحيا،وساذجا، وغير قابل للنقاش، قابل للزيادة والنقصان، زائد حاجة ناقص حاجة كهذه الحاجة كتلك الحاجة.. فالديكتاتور وقته من قصدير، لا يحتمل الشمس،ويخاف من الإنكماش.. لا يطيق المطر، فاقد لكل المناعة ضد الصدأ.. دخلا الصحفي والديكتاتور قاعة الإستجواب،مليئة بالحاشية،جالسة على اليمين والشمال وفي الأمام ومن الخلف،وفوق الرأس، مهندمة بالمدني،والدانداني داني، صمت المكان والزمن يدونان الأسئلة والأجوبة، س: نشرت لكم بعض الصحف صورا قديمة،تستحمون فيها في الحمام البلدي،هل مازلتم تذهبون للحمام، حمام الشعب،أقصد سيدي، ج : الحمام،؟ والحمام الشعبي،آه من تلك الأيام ذكرتني بأيام زمان،مهام الحكم والتدبير بالتبذير والحيطة والحذر وقلة النوم،ونذرة الصحو شغلتني كثيرا، س : منذ متى لم تذهبوا إذن،بينكم وبين حمام الشعب زمن بعيد منذ أن تقلدتم الحكم،إذن ج : بالضبط كانت آخر تحميمة،قبل ما نحصل على الإستقلال،وبعد الإستقلال لم أذهب يوما،إلى الحمام، س: ما هو نظام النوم عندكم سيدي،متى تنامون،ومتى تستيقظون،سيدي ج: أنام وقتما أريد،وأستيقظ عندما أريد أن أستيقظ، لا أظن أن هذا شغل الصحافة،تريدون أن تدخلوا بيني وبين النوم والصحو..يا لطيف تندمونني ،على حرية التعبير التي سلفتها لكم ولم تردونها بعد..،ماهذا سؤال في النوم والصحو..يالطيف وبعدها تسألني مع من أنام، -يلتفت إلى جمهور الحاشية مقطبا -قلة الحياء.. نهض واحد من جمهور حاشية الديكتاتور،إتجه صوب الصحفي ينحني رويدا رويدا حتى بلغ بفمه ''جذارة'' حلمة أذن الصحفي يهمس فيها بهمس مرتفع لا تسمع منه سوى حرفي الهاء والحاء،ككلب يعوي في بلعمه عظم وحل.. -''لقد قلنا الأسئلة العسكرية ممنوعة،ثم رجع إلى الوراء يرفع من إنحناءته رويدا رويدا كما دابة تعود بخلفها على أربعة أرجل.. نحنح الصحفي بلغت نحنته،قبول الإنذار بروح سؤالية،وراح يقاتل الديكتاتور بالأسئلة.. س: معذرة سيدي،ما هو فطوركم المستحب وفي أي وقت تتناولونه،وهل تتناولونه لوحدكم أم صحبة من..؟وماذا يعشق قلبكم في الفطور، ج: أفطر قبل أن يفطر الشعب،أنا أسبق الشعب في الفطور،ومن فطر قبل ما أفطر أتغدى به،ومن تغدى قبلي أتعشى به،ومن تعشى قبلي أفطر به،.. يلتفت إلى جمهور الحاشية يضحك، ويقهقه، ويعطس، ويسعل، ويسأل: -''أليس كذلك،..؟ '' ملتفتا إلى الصحفي يحمر فيه ''وأنت متى تفطر أيها الصحفي.. ج: بعد ما تفطر سيدي بساعات،وأحيانا أؤجل الفطور إلى الغذاء،وإذا إقتضى الأمر أتركه إلى العشاء..أو أسامح غيه نهائيا ش: وأين تفطر؟ ج:في محلبة السوق المركزي سيدي، نهض واحد ثان من جمهور الحاشية يزحف نحو الديكتاتور،يهمس في عنقه بعيدا عن الأذن، -''سيدي لا تسألوا الصحفي هو من يسأل،وأنت ترد.. همهم الديكتاتور بأنه يفهم،ويشير بسبابته ،أطول، من أنف حكاية أنف، س: إحذف سؤالي وجوابك من الإستجواب،هل كتبت..؟ ج: لا سيدي لم أكتب شيئا.. س: إسأل أنت تسأل ولا تجيب أنت نحن نسأل و نجيب.. مفهوم..؟ ج: أكثر من مفهوم..سيدي،حاضر قبل ما الحضور يحضر دخل شخص ثالث من الخارج،يسرع على خفيف نحو الديكتاتور،همس في أذنه،بهمس مضبوط ،شيئا لم يسمع به أحد،وأشياء أخرى لم يفهمها أحد..نهض الديكتاتور يستلحظ لحظة من الصحفي، ،إختفي الدكتاتور خلف الباب..عاد الشخص الثالث،من جديد،يقول للصحفي: -''قال لك الديكتاتور نتابع الإستحواب،في وقت لاحق،..تفضل سلم نسخة من الإستجواب وباقي الأسئلة الغير المطروحة للديوان، سنتكلف بنشر النص الكامل للمقابلة قبلما ما تنشر..لا تحمل هما.. نحن من نسهر على الغسل والنشر والكي والطي..وقبل ما أنسى قال لك الديكتاتور،لا تعد ثانية إلى هنا.. المصطفى الكرمي. 21 غشت 2011 إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل