وأنا في عزلتي، تذكرت قبيلتي الأمازيغية التي تسكن وجداني، وحتى لا أنسى كنت بين الحين والآخر أستحضرها من الذاكرة. افتقدتها، وكتبت ما كتبت. وإليكم النص الخامس عشر من كتاب "سفر ابزو". 10 رائحة الأسلاف هي ذي رائحة أسْلافي، يَتَضَوَّعُ مِسْكُهَا من كل الجهات، تمد أجنحة شَفَّافَة على الأمكنة، وما استطاعت أصابع الرياح، ولا أنامل المطر أن تُبَدِّدَ عطرها. لرائحة أسلافي طعم الشِّيحِ، والْحَرْقُوصِ، رائحة الزَّعْتَرِ، حين تسيل لِتَنْكُسَ النَّتَانَةَ والزِّيفَ، وتفجر ينابيع من الأرَج يغسل عن أرواحنا روائح العرق الفاجر، وإذ ألتمس من الأرض حفنة تراب، وأقربها إلى أنفي، أشتم فيها رائحة أقدامهم الطيبة، فما تزال رائحة ماء جلودهم تحتل الفجاج والوديان، تجري مع السواقي، تصعد مع الأشجار، وتَلُوحُ في طَعْم الثمار، وتنتقل مع ذَرَّاتِ الدماء، لتتوارثها الأجيال. وتلاحقني روائحهم، وتُوقِدُ في دواخلي وَقْدًا يحملني إلى مسافات حُلْمٍ غامض يشتهي كل أشكال البكاء، وتَهْوِي بي إلى كهوف باردة تعج بالأسرار. ولكن، ما بال هذه الروائح تَفِرُّ اليوم من بين الجدران، وتغادر أنوار الشمس، وتختفي في الظلال، وتراقب تلاشيها البطيء في إعياء؟ مُنْكَسِر النفس أَرُشُّ رائحة أسلافي على أماكنَ مهجورةٍ، عبثا أسْعى لأبعث الحياة فيها من جديد. هَا أَنَا أترقب قدوم الأفراخ المهاجرة، وهي تعبر شرقا مجاهل الرمال، لعلي أتَبَيَّنُ فيها بعضاً من عطر أسلافي الذين أغْوَاهُمْ نداء الرحيل، وأتَرَقَّبُ الأنْوَاَء القادمة من جهة الجنوب، حُبْلَى بِأرِيجٍ بَهِيٍّ، يُبَدِّد ببرودته حُرْقة التَّذَكُّر، ويُزيح عني غُمَّةَ التَّشَوُّقِ.