. و أنا في عزلتي تذكرت قبيلتي التي تسكن وجداني،وحتى لا أنسى كنت بين الحين والآخر كنت أستحضرها من الذاكرة،افتقدتها وكتبت ما كتبت.وإليكم النص السادس من كتاب سفر ابزو. 5.أطلس الأسلاف شامخا كان يركب مجده، يجمع السحاب وتنثره في الأنحاء، يصب الظل، إذا الشمس ارتقت ذروة مدارها. مرت أزمنة بحجم المحيط، ور يزال شامخا، وحتى في عزلته الجليدية كان يهيئ الدفء للوافدين، ومن خضرته العشبية يؤثث لهم منازل للاستقرار. ولما نزلوه، على حين صدفة، مد جناحيه، وضمهم بحنو الأمومة، فساقهم حليب عيون ثرة، فأسكتوا صراخ عطش الترحال، وبعد أن أرسلوا عيونهم هنا وهناك، واطمأنوا إلى صمته الصوفي، وآنسوا وحشته البدائية، عانقوه عناق البنوة، فهاجروا خيامهم، ومن بطنه شيدوا أمنهم وسكنهم. لم يحتاجوا إلى أكثر من العشق ليكتبوا بالماء على بُرْدَيْه لغة الأشجار، وليفجروا فيه أفراحهم، وأحلامهم. ولم يحتاجوا إلى أكثر من جدول، لينسيهم حرقة الغربة. ساحر هو الأطلس لما لون سحنهم في أقل من زمن قبلة، أخذت من شفتين ناعستين. كان العناق بين أسلافي وبين الجبل خصبا، وعطاء، فتواصل العناق إلى أمد الرحيل، فغاصت الخضرة في صفرتها، وشربت المنابع ماءها، وبدت السحب زوابع من ماء ودمار، واشتعل تحت أقدامهم الأرض نارا، ولاح الأطلس يمشي إلى شيخوخته قبل الأوان، وما عادت للأيام والرجال غير الظلال. وتساءلت عن سر اختفاء شذى ذاكرتهم، وكيف أغارت عليها جحافل النسيان، ودمرت مجدا سامقا، وهجرت رائحة الأسلاف، وعصفت بعبق ما تبقى منهم، رحلوا متمرغين في بؤسهم، وحملوا معهم غربة ثالثة، وغادروا قبل أن يأتي موعد الرحيل، فكم أحتاج من الجرح لأعيد كتابة حزني، وأنا المسكون بأطياف أجدادي، من حفروا في الروح والجسد، وتركوني في حلكة الظنون، وها أنا ذا أتحسس حبات الرمل التي علقت بخطاهم وهم يعبرون للمرة الألف مجاهل الأزمان.