. وأنا في عزلتي، تذكرت قبيلتي الأمازيغية التي تسكن وجداني، وحتى لا أنسى كنت بين الحين والآخر أستحضرها من الذاكرة، افتقدتها، وكتبت ما كتبت. وإليكم النص الثالث من كتاب "سفر ابزو". 3 قافلة الأسلاف وما تعبت أبدا وأنا أقتفي آثار قافلة أسلافي، أخبروني أنها كانت تحاذي الوديان والشعاب، تقطع المفاوز حتى تخوم السودان، فيعانق البياض الثلجي لبشرة أسلافي عنبر إفريقيا، قالوا أن قافلة أجدادي كانت تسافر محملة بعبق الفصول الخصبة، وتعود مضمخة بروائح البخور، فتكون البيوت والأسواق، تطرد الأشباح والأرواح الشريرة من المكان والأجساد. قالوا كذلك كانت القافلة تحمل الألم والأمل، وتمضي بهما لتهزم مجاهل الليل، وسراب النهار، تسابق خببا قهر المسافات. ومتى باغتها الغدر يشعل الحداة اللهب تحت أقدامها، فتعود متوجة بعبق النخوة الأمازيغية، فتصعر خدها نشوة بالفوز، قالوا إنها كانت تتقلد مجدها، وتنثر لآلئها في العراء فيلتقطها العابر والمقيم. وكأني أسمع رغاءها في الحي، وأرى الأطفال والنساء والشيوخ يستقبلونها بالزغاريد والهتاف، ويفرشون للعائدين حدائق من حب أصيل. رائع هو حادي العيس، من يشتم رائحة الطريق، ويقدر المسافات بمجرد أن ينصت لوقع الأقدام وهي تسعى إلى أفقها الوردي. ها أنأ ذا أرنو إلى ما كان، وأشك في بقايا وجوه ظننت يوما أني أعرفها، وأكاشف نفسي في ليلة غربتها عن سر من ألقت بهم الأيام أمامي، أو رمتني أمامهم، وأكاد أجزم أن الذين ذبحوا إبل أسلافي أو هجّروها يعرفون أنفسهم، وإنهم ليضائلون وجوههم، ويتجنبون النظر إليها حتى لا يهاجمهم الرعب المختبئ فيها. وها هم اليوم يقودونها قربانا إلى أضرحة الأولياء، ويتفرجون على رعشة موتها، ويشربون رحيق جسدها، تماما كما فعلوا بأسلافي. الإبل التي كانت هنا سألت عنها شجيرات الطلح، فقالت: كانت الإبل ها هنا، وكأن الإبل لم تكن هنا. ترى أتكفي الأسماء المنحوتة من أمعائها أن تمسح معالم الجريمة، أتقدر الأسماء وحدها أن تكفكف الشوق الذي يتدفق شلالا في تجاويف ريح قسرا تدخل وتغادر الصدر. أتعود قافلة أسلافي يوما!؟ أيام في العزلة: اليوم الخامس والعشرون.