لنغير أنفسنا بقي الشيوخ الحاكمين في العالم العربي ' بعيدين كل البعد ' عن مسايرة رغبات شعوبهم وتطلعاتهم ' وظنوا أنهم في العصر العباسي عصر المجون ' والرقص والغناء ' واللذة وجمع المال العام ' دون محاسب ولا مراقب ' حتى أضحى بعضهم من أغنى الناس في العالم المعاصر أمثال مبارك وبطانته ' وبن على و أسرته و أصهاره ' يقدمون كؤوس النبيذ الغالي في القصور الفخمة ' والفنادق الخليعة ' للحبيبات الشهيرات في الأفلام الهوليودية الأمريكية ' وراقصات الطرب الشرقي ' والمنتجعات الصيفية الباهظة الثمن . بينما شعوبهم تتجرع مرارة الذل والهوان ' والقمع والإحباط ' والصمت والخوف . ولم يكن في حسبان أي مفكر ولا أي سياسي أن يتغير وجه التاريخ العربي من الخضوع إلى الثورة العارمة ' ومن الخمول والجمود إلى الغليان والوحدة والانقلاب ' ومن حب الحاكم إلى إسقاطه . فما الذي جرى إذن ؟ وما الذي جاء به شبابنا العربي الباسل ؟ هل يمكن اعتباره جهل الحكام للثورة المعلوماتية ؟ أم هي إرهاصات أولية للصحوة العربية الإسلامية ؟ عجيب وغريب ما نشاهده اليوم في هذه الموجة من الثورات المتتالية في مجتمعات غير منتظرة ' من كان يظن أن اللبيين سيثورون ضد " قائد الثورة " صاحب الكتاب الأخضر الذي تحول إلى كتاب احمر . إن معجزة " شباب فايص بوك" تكمن في الوحدة السرية المنتشرة بين هؤلاء الشبان الذين لم تستطع مخابرات الدول الكبرى حصرها وكبحها ' كما أن هذه المعجزة تنتشر ليل نهار ' لترد الاعتبار للطبقات الفقيرة والكادحة ' وبطرق بسيطة سلمية إنسانية نضالية. هذا الشباب الذي استطاع أن يغير موازين القوى بين الانتهازية والثورية ' بين الالتزام والخيانة ' وبين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة . الم يحن الوقت لفهم شبابنا ' ومعرفة آفاقه المستقبلية ' ألم يعد لزوما تغيير تمثلاتنا وتصوراتنا للشباب المعاصر ' فمن الشائعات الخاطئة اعتباره "شباب غفل " و "شباب ضائع " و"شباب لا يعرف أي شيء" . أن هذه التمثلات والشائعات الصادرة عن كثير من الكهول و الشيوخ ' بعيدة كل البعد عن فهم شبابنا ' وإدراك متمنياته وهدافه في الحياة ' كان نسلمه مشعل مواصلة الكفاح والتدبير اليومي للشأن المحلي والجهوي والوطني ... تعالوا نقيم نقدا ذاتيا لأنفسنا ' علنا ندرك بعض جسامة أخطائنا : إن أغلبية المشرعيين في أوطاننا العربية ' تجاوزت أعمارهم الستين أو السيعيين سنة ' حيث يتراجع مستوى نشاطهم الجسدي والفكري ' وخاصة في مناصب التشريع والتنظير كالوزارة و البرلمان والغرفة الثانية ...مما يضطرهم ويدفعهم إلى مقاومة التغيير والتجديد ' والاكتفاء بالأوضاع الجامدة والساكنة ' خوفا من ضياع المصالح الشخصية المادية منها والمعنوية و...ليلجئوا في النهاية إلى تكوين " لوبيات " تتصدى لأي تطلع إلى المستقبل المشرق أو إلى أي بادرة من بوادر الشباب التي قد تعكر عليهم صفاء نعيم التسيير فوق الكراسي المتحركة ' ذات اليمين وذات الشمال حسب أهوائهم ودفين مكبوتاتهم الغريزية ... كما نرجو من الشباب الحامل لمشعل الركب الحضاري العربي ' أن لا يكون مقلدا للغرب ' لابسا قشور الحضارة المزيفة ' ناسيا أصالتنا وهويتنا . نحن الآن وفي هذه المرحلة الانتقالية الراهنة ' في حاجة ماسة إلى شباب واع ' سليم' يقبل الطرف الآخر بصدر رحب ' يأبى شتى أشكال الخيانة الوطنية ' متفانيا في عمله ليل نهار لتصفية مجتمعنا ' من كل المخلفات الانتهازية الاستعمارية الفكرية والمادية ... ولكن أنى يكون لنا هذا !!!! .