من هنا جئتُ .. من أرض ثكلت أبناءها الغيورين ، واستفاقت على أوجاع لم ينتبه إليها العابرون بين الشقوق ؛ عابرون كغثاء سيل على قارعة الطريق . أو أدهى . لا أصابع لي تشير، بكل عناد وجرأة واتهام ، إلى الممروضين والمرتزقة والمضاربين .. لا كوة تبدو في هذا الغروب القاتم ، كي أتفاءل بميلاد الشروق . لا لسان لي ، كي ألعن هذا الشارع المستكين ، السادر بين رهج الشهوة والسكوت . لا حيلة لي ، كي أعلن أني موجود .. كي أزرع العصيان فيما سيأتي من مدّ وامتداد . أنا المسكون ، الساكن بين حرقة الفجيعة والطاعون .. لا خيار لي إلا حرفا يزورني غبا ، وفي الغالب الأغلب يفر مني عن سبق إصرار وعناد ، ليستهلكني سوق الغفلة وموكب الطاغوت . سأموت .. أنا الصعلوك المشرد بين المحبرة والأرض ، كل الهوامش والمنافي لا ترفضني ، وأرفض أن أحيا في بيت العنكبوت .. ووحدي ، ألهج بصمتي في سكون الليل . وخوفي " تقاطع شارعين على جسد " ، وأرضي لم يستمع إلى مراثيها أحد .. وآه يا بلد ،، مواسم القحط فيك تناسلت ، وعربدت طويلا .. كأن السماء لم تمطر من قبلُ رجالا .. كأن الشاعر ليس إلا دجالا . فاغربْ ، يا وجها ارتدى قناع السكوت .. اغربْ ، ودعني في عز النهار ومُرّ الكلام أموت .. عساني أكون جديرا بالأرض التي أخرجت من مواتها حقولا