حط الربيع يوم أمس رحاله على الكون، دون إعلان الحرب على الشتاء ... دون عنصرية تجاه الخريف... تخاله في حضن الصيف...يغازل شقائق النعمان... يزف الأحياء والأموات...في مواكب الأقحوان وزهر الليمون حل الربيع بالكون مساء أمس أول يوم، في موكب غيم بزرقة البرق، يدق طبول الرعد... يعلن تحالفه مع كل الفصول ضد بني الإنسان... يعري عورته في الجبال والسهول وعلى ضفاف الوديان... ويقلب كل موائد المفاوضات...ويحرق كل خرائط الطرقات... ويأمر بعطلة لكل المحاكم الإبتدائية ومحاكم الإستئناف والمحاكم الدولية... وكل السلطات الأخرى التشريعية والتنفيدية... وكل رجالات الدولة الكبار والصغار والعساكر إلى إشعار اخر .فالربيع القادم هذا العام غير الربيع الذي تعرفونه يا بني الإنسان.. لقد مل الربيع العودة كل عام والحرب في كل مكان، الإنسان يقتل الإنسان والحيوان، الحرام الحلال... الإنسان يقتل بيئته ويطلق زوجته بعشرة أبناء... ويتزوج الذكر بالذكر بدون حشمة ولا حياء والأنثى عاطلة عن الزواج... وشغالة في المتعة والإنجاب... ويفسد في العمران... ويختلس المال العام... إن فصل الربيع هذا العام صدقوني أنه عبر لي عن غضبه الشديد وكم هو مستاء... وأن كل هؤلاء الموتى بفعل الفياضانات وانجراف التربة وانهيار المنازل شهداء... وأن أولئك المحاصرين في المناطق والأحياء المنسية مجاهدين سينتصرون وأنه خلاص...ضاق به الدرع وانحبست فيه الأنفاس وأقسم بأغلظ الإيمان أن بني الإنسان اشتد به الحمق واجتاح داء الطغيان بيوت الحكام الصغار والكبار... وكذلك برر تحالفه مع باقي الفصول وطلب مني أن أحذر بني الإنسان من أيام تختلط عليه الفصول ويرحل بعدها الربيع من غير رجعة، كم من يوم من أيام العمر عيد... هل أقمنا يوما عيدا للحياة ... نلبس فيه ثياب العيد من الماء والهواء... ويتحول الكون إلى فدان للجميع... ويحب الجميع الجميع... ليعود الربيع ولا يغضب منا الربيع... المصطفى الكرمي...