لن أتحدث في مقالي عن ربيع الشعوب العربية وثوراتها الغاضبة ضد أنظمة وديكتاتوريات القهر والظلم والاستبداد والطغيان، وانما سأتحدث عن الربيع وما قاله الشعراء وأهل الادب وأصحاب القلم عن هذا الفصل البديع ، الذي ترتدي فيه الأرض حلّة قشيبة جديدة خضراء تسحر الناظرين ، وتتطاير فيه الفراشات بألوانها الزاهية وتنبعث الروائح العطرية الفوّاحة والشذية من الرياض والبساتين والحقول. لقد أقبل الربيع مع آذار ، الأم والأرض والمطر والزهر وحبات اللوز، وبدأت ايامه الجميلة بالتفتح والاشراق مع صحوة الجماهير وانتصار الثورات في العالم العربي . . أقبل الربيع فصل الجمال والبهاء، فصل الشعر والشعراء، فصل الحب والعشق والهيام واللقاء، وفصل الموسيقى والغناء والألحان. وفي الربيع تتباهى الدنيا كما تتباهى البلد بمجدها وعزها وتاريخها ، أو كما تتباهى العروس ليلة زفافها والحسناء الغانية بجمالها الساحر الجذّاب، وكما يتباهى الملك بشرفته المطلة على البحر أو على حديقة غنّاء يانعة مزدهرة بالريحان والاقحوان. وأيام الربيع تحمل في طياتها الراحة والطمأنينة والهدوء النفسي، وفيها يخرج المرء الى الروابي والتلال والهضاب والوديان ليقضي سويعات في ربوع الطبيعة الخضراء، بعيداً عن الضغوطات النفسية والهموم الذاتية والمادية وأجواء العمل. والربيع روضة غنّاء وجمال أخّاذ ، وهو مادة ابداعية للشعراء وعشاق الكلمة والحرف ، فيسحرهم بجماله ويبهرهم بخضرته ، وعندها تجود قرائحهم بأحلى الكلمات وأجمل العبارات الشاعرية. وقد غنى الموسيقار الراحل فريد الأطرش “ادي الربيع” ، وشدت كوكب الشرق ام كلثوم “الربيع الورد”، كما افتتن به الأدباء والشعراء على مر العصور والأزمان . فالأديب عباس محمود العقاد قال :”الربيع موسم الحب.. وحين يقترب تسري الحركة في عالم الاحياء كأنهم يتأهبون لعرس أو يتجملون ليوم مهرجان”. وأحمد امين كتب عن “الربيع .. شباب الزمان”قائلاً:”ما قيمة الحياة اذا اقتصرت على الماديات وحصرت نفسها في الخبز والملح ومضاعفاتهما ، ولم تعبأ بجمال زهرة ولا تألق نجم ، ولم ينبض قلبها بحب للجمال في جميع أشكاله”. أما البحتري ، أحد أشهر الشعراء في العصر العباسي ، فقد اشتهر بديباجته الشعرية، التي انعكس فيها جمال الطبيعة ورقة نسيمها وتنوع ألوان وزهوها حين قال: اتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً من الحسن حتى كاد أن يتكلما وقد نبه (النيروز) في غسق الدجى اوائل ورد كن بالأمس نوّما أما الشاعر العربي العراقي صفي الدين الحلي ، المولود في الحلة ، بين الكوفة وبغداد، سنة 1276 والمتوفى سنة 1349 فقال يصف الربيع: خلع الربيع على غصون البان حللاً فواضلها على الكثبان ونمت فروع الدوح حتى صافحت كفل الكئيب ذوائب الأغصان وتتوجت بسط الرياض، فزهرها خد الرياض شقائق النعمان وقال أمير الشعراء احمد شوقي : مرحباً بالربيع في ريعانه وبانواره وطيب زمانه رقّت الارض في مواكب آذا ر، وشب الزمان في مهرجانه وأما الشاعر الفقيه والطبيب المتصوف الزاهد ابو جعفر احمد بن علي بن خاتمة الانصاري الأندلسي فقال: أهلاً بأيام الربيع وطيبها انس الخليع ونزهته المتبتل وقال أبو تمام : دنيا معاش للورى حتى اذا جلي الزمان فأنما هي منظر والشاعر اللبناني وابن وطن الأرز امين نخلة ، الذي أحب الجمال وتغنى به وكان مثالاً لبلاغة التعبير ، فقال: جاء الربيع وحرك الغصنا أين الربيع، وأين ما كنا عودي ، فقد عاد الربيع، وقد عاد الحمام ، وقد تعاتبنا وقال الشاعر السوري وصفي القرنفلي، من رواد القصيدة العمودية الخليلية في سوريه، رغم أنه ظلّ مجهولاً ومغموراً للكثير من النقاد والباحثين العرب بسبب اصراره على البقاء في الظل وزهده في الشهرة والاضواء والنجومية: زاف الربيع فترة ، وتثاءبت في مقلتيه ، نظرة خضراء وازين الوادي، وأومأت الربى والتف، في هدب الضحى اغراء وأخيراً ، هذا غيض من فيض عيون الادب العربي وقليل مما كتبه وقرضه الفطاحل الشعراء وكبار الكتاب عن الربيع ، الذي يجدد الشباب ويبعث الأمل والتفاؤل في النفوس، وينعشنا بنسائمه، ويسعدنا بجداوله وعيون مائه وسحره البديع الفتان وخيوط شمسه المنعشة ، التي تصحو من مرقدها لتطرد الظلام وتبزغ الفجر.