تحية حارة لكل هاته النسوة, إلى المرأة القروية التي تستيقظ فجرا لجلب الماء على ظهرها أحيانا، وتعد الفطور قبل طلوع الشمس دون حاجة لخادمة، قبل ان يذهب الأب إلى الحقل والابن للمدرسة .... إلى المرأة التي تحمل سلة الغذاء في اليمنى وقنينة الماء في اليسرى وتصل إلى زوجها في الحقل ويتناولا كسرة خبز وزيت الزيتون والشاي ، ثم تأخذ الفأس لتنبش في الأماكن التي لم تصلها سكة المحراث الخشبي . و تعود إلى الدار حاملة حزمة حطب على ظهرها لتستعمل في الطهي والتدفئة. إلى المرأة التي تحمل منجل الحصاد إلى جانب زوجها، متحملة قساوة الحرارة، لتساعده على جمع المحصول الزراعي دون أبهة بالخدوش في أياديها ولا لإمكانية تغير لون بشرتها جراء مكوثها طيلة اليوم تحت الشمس الحارقة. إلى المرأة التي تمتطي الدابة إلى الحقل والسوق ولجلب الماء...وحتى عندما تذهب في عطلتها السنوية لزيارة ذويها بالمنطقة قد لا تحتاج الحافلة أو القطار أو الترامواي ... إلى المرأة التي قد تجيب زوجها على بعد مئات الأمتار بدون هاتف نقال وهو يناديها بصوت مرتفع من الحقل بان تأتي له ببعض اللوازم التي نسيها عند الخروج. وتسمع رأب صدع صوتها بأنها آتية يتردد بين التلال والجبال. إلى المرأة التي قد تتضايق من شعرها الذي طاله الإهمال لانشغالها بأعباء المنزل الداخلية والخارجية أكثر من المكوث قرب المرآة طيلة اليوم فتطوق عنق زوجها عند ما يهم بالخروج إلى السوق الأسبوعي بالا ينسى الإتيان بالحناء وبعض الأعشاب المفيدة فتبلط رأسها بالحناء ليوم كامل آو أكثر قبل غسله بالماء دون الحاجة إلى الماركات الباهظة للشومبوانات ومواد التجميل. كما قد تزين عنقهتا بقلادة طبيعية متكونة من القرنفل والريحان...لتفوح الرائحة الزكية، بدل رائحة الماكياج التي تزكم الأنوف أحيانا. إلى كل النساء اللائي يتحدن يوم العرس القروي لكي يمر عرس الجيران في أبهة حلة دونما حاجة إلى ممون حفلات يقدم أكلات جاهزة بثمن خيالي، فيكونا فرق عمل تشتغل كخلايا النحل. البعض يطهي الخبز في الأفران الطينية، بينما البعض يسهر على إعداد طواجن تقليدية، فيما يتولى البعض الآخر تهيئة الكسكس التقليدي. وحتى في سهرة العرس يرتدين الألبسة التقليدية الأنيقة ويطلقنا العنان لحناجرهن فتصدر منها زغاريد حلوة وأصوات غنائية شجية بدون مكبرات الصوت لا تصدح بها أحيانا حناجر مغنيات اليوم اللائي يعتمدنا على تعرية الجسد أكثر من الحضور الصوتي . إلى كل النساء اللائي لم يلتحقن قط بكرسي الدراسة إلا أن الحياة علمتهن بتجاربها ما قد لا تعلمه لهن مدارس العالم القروي الموصدة أبواب اغلبها هذه الأيام بعد أن هجرها التلاميذ خوفا على أجسادهم التي يلفحها البرد وعلى أرواحهم المعرضة لشبح الموت وهم يخاطرون بعبور الوديان والأنهار والجسور المتربصة بهم التي قاومت لعقود والتي يمكن أن تهوي في آية لحظة إن وجدت أصلا. وإلا فلا مفر من ركوب أغصان الأشجار أحيانا مما قد لا يصل معها المواطن المغامر لبر الأمان إلا بضربة حظ. أمام عدم تحرك مسؤولينا الأعزاء،تاونزة مثلا ... إلى كل النساء اللائي لا يفقهنا شيئا في السياسة ورغم ذلك يذهبنا إلى صناديق الاقتراع يوم الانتخابات دون علم مسبق بان السياسيين كائنات متقلبة تغير جلدها كالحرباء بحثا عن أماكن أكثر دفئا وجاها... ويصدقنا شعاراتهم بأنهم ذوو خواتم سحرية لقلب أوضاعهن المرة نحو الأفضل. فيدخلنا تحدي فك طلاسم رموز الأحزاب وراء ستار المعزل بقاعة التصويت فتسمعهن يغادرن القاعة ويتبادلنا الآراء (أنا درت الشرطة على الطاكسي، أنا على فارينا، آنا على التراكتور، أنا بانت ليا واحد لامبا وأنا نشرط عليها....). ليكتشفن بعد مرور الانتخابات واقعا أكثر مرارة دون أن يخجل الممثل المحلي آو البرلماني من نفسه وهو يتحاشى اصطدامه بالمواطنين مخافة فضح وعوده الانتخابية التي لم يجسدها على ارض الواقع. وهو الذي تسولهم بالأمس صوتا انتخابيا متنكرا في زي الجاعل مصلحة المواطن القروي أولى أولوياته. قبل أن يظفر بنصيبه من كعكة انتخابات المجالس الجماعية والغرف المهنية. ثم يدعم بنايته بالإسفلت، وينشد بعضا من اشعار ميخائيل نعيمة : غير أبه بالويلات التي تعانيها الساكنة مع الفيضانات والأمطار والثلوج والطرق المقطوعة والقناطر المنعدمة .... إلى المرأة التي تلد في وضعية صعبة بمساعدة من قريباتها دون الحاجة إلى الرعاية الطبية في المستشفيات. إلى المرأة التي تخترق الغابة وبدون شعور تمد يدها لأقرب شجرة عرعار لقطف بعض أغصانها، وبعد تيبيسها تضعها في كأس لبن وتحركها لتشربها متى شعرت بقرحة في المعدة دونما حاجة لوصفة طبيب. إلى المرأة التي تتولى كي رضع وأطفال المداشر كعلاج تقليدي في غياب المستوصف واللقاح وسيارة الاسعاف. إلى المرأة التي تقوم بتجبير الكسور والالتواء دون دبلوم في طب العظام والمفاصل. إلى المرأة التي تغرق في سباتها ليلا دون منومات مضادة للأرق، قبل أن يوقظها صراخ الصغار بان قطرات الماء تتسرب عليهم من السقف ، فتدندن بداخلها بان يقبح الله الفقر ويعجل بنهار جديد مشمس لكي تخرج الافرشة لتدفئها أشعة الشمس في انتظار ليل اقل قساوة من سابقه. إلى المرأة التي تقضي وقتا طويلا في حقول الربيع لتأتي بالكلأ للماشية متخطية مئات الزهور والورود الطبيعية واثقة من نفسها ومن وفاء زوجها دون انتظاره في الباب كل مساء حاملا باقة ورد ليجدد حبه لها وثقته فيها كل مرة. إلى المرأة التي تخرج لصلة الرحم مع الأقارب وتلف جسدها بالإزار دون أن تظهر مفاتنها. إلى الفتاة التي تغادر مقعد الدراسة وتظل على ظهر الدابة كل يوم بحثا عن الماء، أو تغادره مكرهة وهي المتفوقة في دراستها. لان منطقتها الجبلية لا تتوفر على مؤسسة إعدادية أو ثانوية أو لعدم توفرها على دار للإيواء أو أنها موجودة لكنها شيدت لتزيين قارعة الطريق فقط كحالة ايت عتاب مثلا ... إلى المرأة التي تسرع الخطى في اتجاه المسجد أو المدرسة لتحضر دروس محو الأمية لتنفض عن نفسها غبار الجهل بعد أن فاتها قطار الدراسة لسبب معين. إلى الفتاة التي يأبى والدها إلا أن يدفع بها للاشتغال كخادمة بيوت في المدينة مقابل دراهم معدودة،فيستغل مشغلها براءتها وسذاجتها فيعاملها كأنها آتية من بلاد العبيد. إلى العجوز التي لم تنجب أولادا ومات عنها زوجها وتخصص كل وقتها لتربية عنزة تؤنس وحشتها وتدر عليها حليبا دسما، وتربي الدواجن لتبيعها يوم السوق لاقتناء ما يلزم من حاجيات دون أن ترضى بمد يدها للتسول. إلى كل الجدات اللائي كبرت بهن السنين ويستمرن في تربية أحفاد كثر على خصال الدين والتسامح والأخلاق والرجولة دون تكوين أكاديمي مسبق وبشكل أفضل من حضانات اليوم. ورغم أن الزمن رسم على وجوههن خريطة قساوته مترجمة في تجاعيد قد تدهش كبار جراحي التجميل ، دون أن يشكل لهن ذلك ادني عقدة، ويحمدنا الله على نعمه ، ولو طلبت من إحداهن أن تكمل ما بقي من عمرها بدار للعجزة لضربتك بعكازها، ولوصفتك باقدح النعوت. إلى المرأة القروية التي تشكل مادة خصبة لسيدات الأعمال وهن يتحدثن عن هذا اليوم في صالونات المدن الكبرى . إلى المرأة القروية التي وجدت نفسها فجأة مستشارة جماعية بعد انتخابات يونيو 2009 ولم تتأقلم بعد مع أجواء التسيير في ظل سيادة ذكورية على المجالس الجماعية. إلى صديقات الدراسة عندما سألهن أستاذ الفلسفة يوم 8 مارس عن مغزى هذا اليوم في حياتهن فعجزنا عن مناقشة الموضوع، قبل أن يستحوذ الذكور على الكلام طيلة الحصة مؤكدين أنهم الأولى بيوم عالمي للرجل . إلى كل امرأة ازيلالية كانت وراء رجل عظيم في هذا المجتمع . إلى المئات والآلاف من النساء القرويات اللائي لا علم لهن بهذا اليوم . ولا علم لهن بمستجدات القوانين التي تحميهن، ولا علم لهن باتفاقية مناهضة مختلف أشكال التمييز ضد المرأة... وكل شيء من هذا القبيل. إلى كل نساء ازيلال في السفح و الجبل ... إلى نساء ايت اعزم خاصة ... إلى والدتي العزيزة ... إلى أختي الوحيدة على أيدي هاته النسوة كافة نشد بحرارة، ونقول لهن كل ثامن مارس وانتن بألف خير. مع دعواتنا لله بان تتحسن أحوالهن نحو الأحسن إن شاء الله. ذ : مصطفى الدهبي الرباط : 05/03/2010