وها أنا الآن قد أشرفت على النقطة الحساسة التي تعتبر العمود الفقري لقلقك الدائم ، ولغضبك المستمر ، بل ولغموضك المحير ، الذي كاد أن يدمر قلبي المكلوم . حقا إن أكثر الناس شعورا بالغربة المدمرة هم ألئك الذين سحبت حقوقهم عنوة يوم راح الضمير في سبات عميق ، ليعيشوا مأساة الضياع في ظلمة خيام الشرود اللامتناهي ، وفوق أرصفة المجتمع الباردة بلا قلب ، مجترين ذكريات ممقوتة في خضم حياة بلا حياة ؛ وما أتعس أن يعيش الإنسان في حياته بلا حقوق مهانا حزينا. إن اهتمامك بقضيتك سيدتي ، ناتج عن عوامل متعددة المشارب في زمن الأقنعة المزيفة .. وفي جبّ الصمت البهيم .. فأنت المحرومة من نسمات الحرية الجميلة في كل شيء ، أو بالأحرى من القبس النوراني الذي يهدي الإنسان نحو الحياة الفضلى ، فتعرضت لمشاكل عكرت صفو حياتك اللطيفة ، ولعذاب أليم ناتج عن استبداد الرجل الذي استأثر دون حريتك الحالمة .. إلا أني أرى أن نار اهتمامك الكبير بقضيتك المشروعة قد انطفأت شعلتها ، وخمد لهيبها ، وخاصة عندما شعرت بوجودك ككائن بشري حّر طليق ، يطلق عنان مواهبه النيرة .. وأفكاره السديدة .. وما لديه من قوى الابتكار والخلق في أجواء كل الميادين المختلفة... وقد زوّدك هذا الانتصار بحماسة متأججة لا حدود لها ، مما جعلك – وأنت واثقة من نفسك - تطلبين تحقيق مطلب آخر بينك وبين الرجل .. تطلبين المساواة .. فتأتين بالأدلة والبراهين والحجج الدامغة على ذلك ، وخاصة عندما تقولين : إن الله قد حبا الرجل والمرأة على السواء عقلا واحدا ، فساوى بينهما في القدرات العقلية ، كما ساوى بينهما في الجزاء على الأفعال .. فالمرأة إذا تساوي الرجل ولا يختلفان إلا في التسمية.. وأكدت كلامك بقول الله عز جلاله \" فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض .\" من هنا عرفت حقا أن مرد تقليدك الرجل في لباسه راجع بالدرجة الأولى إلى رؤيتك للحياة على أنها مقسمة بينك وبين الرجل تقسيما عادلا ، فلبست ما يلبسه لتقاسميه الحياة ، وجريت مجراه في الأفعال والأعمال لإرضاء رغبتك الجامحة في الحياة ، فانطلقت وراء رغبتك الراسخة عن يقين باذلة كل ما في وسعك من أجل تطبيقها في كل ميدان ؛ ولم تتوقفي عند هذا الحد ، بل ارتأيت وأكدت على أن يقوم الوالدين بتربية الطفل في البيت منذ نعومة أظافره على الطريقة التي تربى بها الفتاة ، فيتعلم أعمالا إضافية .. كالطبخ .. وتربية الأبناء .. وغيرها مما يتعلق بالأعمال المنزلية .. في حين تتعلم الفتاة كل ما يزود به الطفل في تربيته الأولى بين أحضان والديه ، وبذلك تخرج الفتاة – في نظرك – من قالبها الضيق ، لتسرح في مراتع حقول الحرية والمساواة ، والتي طالما تمنت الوصول إلى مروجها الحالمة ... قد نتفق سيدتي .. على كل ما تريدين تحقيقه من آمال و أحلام منشودة دون تحديد ، وأنا أعلم أن ما راهنت عليه مستقبل المجتمع كان عن جهل وبباعث الإعجاب بما هو دخيل ، وقد أعمل - يا من حرفتها التيارات عن النهج القويم – من أجل وصولك بسلام إلى شاطيء الآمان ، لأني أرى ضرورة تحقيق ذلك لكائن بشري بامتياز يسعى جاهدا لتحقيق أهدافه في الحياة ، ولأن فقدان الحرية ونعيمها قد يفرض تأرجح الكائن البشري فتتمزق آماله وتتشتت أحلامه في غياهب عالم المجهول ، ولأنك تملكين قدرا وافرا من الفهم لما لك من قوة فعالة ومؤثرة في توجيه المجتمع... فسأكون موافقا ولو إلى حين ... لذا أرى مثلك عمل الرجل إلى جانب أخته المرأة في المنزل ، فيقوم بأعمال الخياطة ، والتطريز ، والطبخ ، والغسل ، وما إلى ذلك من الأشغال المنزلية ، ولا يضره ذلك في شيء .. وتعملين أنت كذلك إلى جانب الرجل في كل ميدان : في معامل الصناعة الثقيلة ، وسياقة الشاحنات الكبيرة ، وتعبيد الطرقات ، وغيرها من الأعمال الخشنة والشاقة التي تحتاج إلى القوة البد نية وإلى الصبر الكبير على تحمل صعاب المشاق ، وقد يكون لك في بعضها تفوق كبير وباع طويل ، لكن والحالة هذه ، كيف ستكون مسيرة الحياة في المستقبل ...؟ هناك يفور الدم في العروق ، فتشعرين بالعرق يتصبب من جميع أعضائك اللطيفة الجميلة .. فتتحولين من وردة زكية مفعمة بالطيب والعطر .. إلي وردة ذابلة تشمئز منها النفوس والقلوب الولهانة .. وتتحولين من ينبوع صاف ذي ماء زلال ، تتعطش له القلوب .. إلى مستنقع قان يتخذه الذباب مكانا لأعراسهم .. فتقنطين .. وتركنين في زوايا الهمّ الكظيم ، والحزن المميت ، تنتظرين على أحرّ من الجمر، الفكاك المبين من فخ نصبته دون شعور لنفسك بيديك .. وعند هذا التحول غير المرغوب فيه ، و الذي بدّلك من شيء لطيف جميل تطمح الأنفس لرضاه ، إلى شيء خشين كريه ينفر منه كل راغب ، نراك تتشوقين إلى الأصل ، وأنت حقا أصل كل الأشياء في هذه الدنيا .. تشتاقين إلى صفة المرأة اللطيفة الرقيقة الفائضة حبا والمفعمة رأفة و رحمة ، غير الباخلة بمواهبها وقدراتها الذاتية والعقلية وأفكارها النيرة ، التي تساهم بها في تنمية المجتمع الإنساني ، الذي لا يقوى على الاستقام ، ولا تطّرد مسيراته في الانطلاق نحو المستقبل الزاهر بدونك ، وهنا أخاف يوما أن تتنكري وترفضي أنوثتك انتقاما من الرجل ، ولن يكون ذلك حلا ناجعا للخروج من دوامة الإحباط أبدا، وما سيكون لها من انعكاسات نفسية غير محببة على حياتك ... وأيا كان من أمر أيتها السيدة .. فإن قضية المساواة ، لا يمكن تحقيقها أبدا بين الرجل والمرأة ، وليس الرجل هو المسئول عن ذلك ،بل المسئول الأول هو الخالق المدبر جلت حكمته ، الذي خلق الناس جميعا في الحياة يتفاوتون في كل شيء ، حتى تتمكن الإنسانية من مسايرة ركب الحياة في أمان و سلام نحو التطور والرقي الازدهار؛ وحتى تتسم الحضارة الإنسانية بخاصية الاستمرار وقدرة التطوير، وما أعظم من أن تكون الأمة برجالها ونسائها وشبابها وبكل أجيالها، كالدوحة الباسقة الشامخة لا تنال منها أعاصير العواصف الهوجاء ، لمثانة أطرافها وتصلبها ، وتجدر جذورها في أعماق الأرض ، وعلو فروعها في عنان السماء ، شأن كل طيب أصيل لا يقبل التجزئة ، ولا يرضى بالتفرقة ، ولا يتأثر بأي نمط سلوكي دخيل يضعف الشخصية وينمي الاتكال على الغير في مواجهة متاعب الحياة ... ذلك أن العمل على الانسلاخ من الحضارة والذوبان في الغير أمر فيه من القبح المبغض ما لا تطيقه الأنفس الأبية ، ولا ترتضيه الأمم لأصيلة..لأن قافلة التاريخ فيها ستتوقف عن السيرنحو الأمام .. لما تنطوي عليه هذه الحالة من تصادم وتناقض مع أنقى بوادر الحضارة وأصفاها. وقد جعل الخالق سبحانه وتعالى الاختلاف بين الناس في الطبائع ليوفق بينهم وليسود الاتفاق ، وتعم المساهمة والمشاركة فيما بينهم ، لتكتمل قوة الانتصار على الصعاب، وتكبر الآمال في النفوس المسخرة لأداء رسالة الأمانة العظمى التي تحملها الإنسان في هذه الحياة الدنيا عن جهل دون سواه ... فهلا يليق أن يتم الاتفاق ولو مرة واحدة بين الرجل والمرأة في دفء حياة منتظمة ؟، ألا يمكن لهما أن يجرّا خطا أحمر يصححان به القولة الجبرانية المشهورة التي تحدّت بيقين ، وراهنت بقوة على عدم الاتفاق بين الجنسين؟. فلو كان بنو الإنسان جميعهم يتمتعون بتمام التساوي في أعمالهم ، وشخصياتهم ، ومواهبهم ، وأفكارهم ،وطبائعهم ، لاختار كل الناس جميعهم منهجا واحدا ، و لأدت الحياة إلى السأم منها ، لما يسودها من روتين ممل ... وإن الفطرة التي خلق عليها الإنسان وضعت كل جنس في مكانه الصائب، وجعلت الرجل رجلا والمرأة امرأة .. وأنه لمن الجهل بشرع الله أن يكلف المخلوق بما لا يناسب المراد من خلقه.. لما يكتنزه من خصائص ومميزات واختلافات تتماشى مع سير الحياة .. وما كان له أن يختار صفات غير صفاته.. أو ينحرف عن جادة الطريق ليكسر جذور الاختلاف.. أو يعاند في اكتساب صفات شاذة لم تكن أصلا منه.. وإن ضل وفعل ، تفاقمت عوامل التخلف ، وازدادت الأزمة تدهورا، وفي حديثي عنك يوما ، قال لي أحدهم : اضرب لها مثلا امرأة تزوّجت أربعة رجال إقتداء بالرجل الذي يتزوج أربع نساء .. فهل يستويان .. وهل ستشعر في أعماق نفسها بالاطمئنان .. بل هل توصلت بفعلها هذا المخزي إلى تحقيق المساواة ..؟