كنا قد تحدثنا في مقال سابق عن مشروع سياحي تنموي متكامل بإقليم أزيلال، متمثل في مركز التكوين في المهن الجبلية بأيت بوكماز الذي تخبط منذ النشأة في عدة مشاكل عرضنا لها بالتفصيل. في هذا المقال نود أن نتحدث عن عراقيل تنمية السياحة الجبلية بأزيلال التي يمكن تلخيصها في ثلاث عوامل رئيسية : الإهمال، القوانين المنظمة للمؤسسات والمهن السياحية، بطء وثيرة تفعيل بعض المشاريع والبرامج السياحية الكبرى. أما الإهمال فيتمظهر من خلال عدم الاعتناء بالعديد من المواقع الأثرية التي كان يزورها السواح في الماضي القريب كزاوية سيدي شيتا بأيت بوكماز التي نالت منها العوامل المناخية حتى أضحت خرابا منسيا تصدعت كل جدرانه فآل الكثير منها للسقوط. زد على ذلك قلة الاهتمام بموقع سيدي موسى العتيق، وهو علية \" بالفرنسية :grenier \" يضم أكثر من ستين غرفة صغيرة نال منها الإهمال كثيرا، إلى جانب محتوياته التي هي عبارة عن أدوات قديمة لم تنزعج وزارة السياحة قط من تركها عرضة للضياع بسبب الأتربة والغبار، في حين أنه في بعض الدول كمصر وتركيا يتم حفظها داخل صناديق زجاجية مضيئة ويتم التعليق عليها بوصف دقيق من الأسفل بكتابة واضحة تبين للسائح تاريخها ودواعي استعمالها، كما تنصب عليها قيمين يسهرون على صيانتها وحراستها. أما حارس علية سيدي موسى فهو رجل عجوز يتجاوز عمره العاشرة بعد المائة (خوحساين أبوهوش)، والذي لم يكترث أحد من المسؤولين لسنوات طوال من\" الخدمة المدنية\" قضاها الرجل في سبيل حراسة هذا الموقع، مكتفيا ببضع دريهمات يمنحها إياه السواح بعد زيارة العلية وشرب الشاي داخلها ! إن هذا الوضع المأساوي لمثل هذه المواقع، يتعارض بشكل غريب مع وضعية منطقة بوكماز التي تمثل مرجعية أساسية في المنتوج السياحي الجبلي على الصعيد الوطني منذ اختيارها في بداية الثمانينات كمنطقة نموذجية \"لتنمية السياحة الجبلية في الأطلس الكبير الأوسط\" في إطار تعاون مغربي فرنسي !!! كما لا يفوتني أن أعطي مثالا أخر للإهمال الحكومي بالمنطقة وهو مأوى إيزوغار حيث شيده الفرنسيون عند انطلاق برنامج تنمية السياحة الجبلية بالمنطقة منذ عقدين، فصار اليوم آيلا للسقوط بفعل التصدعات والشقوق والحالة المزرية لأبوابه ونوافذه. والجميع في أزيلال يتذكر منذ عشر سنوات خلت، أن عدم الاهتمام بهذا المآوى الإستراتيجي كان هو السبب في الحادثة المِؤلمة المتمثلة في مباغتة عاصفة ثلجية لفريق من السواح الفرنسيين أدت إلى بتر رجل أحدهم بعد نقله في مروحية إلى المستشفى، وفقدان المرشد الجبلي\" محمد بوخيو\" لأحد أصابعه في الحادث نفسه!. هذا إضافة إلى المائدة التوجيهية للأطلس الكبير التي أعدها Fougerolles بمنطقة تاسا والتي تركها المغاربة بعده، عرضة للإهمال حيث أصبح رخامها الذي صنعت منه في حالة يرثى لها دون أن يتدخل أي مسؤول لإعادة ترميمها! إنه غيض من فيض، لأمثلة كثيرة لواقع الإهمال الذي تعيشه المنطقة في الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن استقطاب عشرة ملايين سائح. أما العراقيل المتعلقة بالقوانين فتظهر مثلا في بعض المساطر الإدارية المعقدة التي يقرها القانون 61 المنظم للمؤسسات السياحية والذي يفرض، مثلا، نفس الإجراءات الإدارية على كل من حامل مشروع فندق من أربعة أو خمسة نجوم و حامل مشروع إنشاء مآوى مرحلي في الجبل، إذ لا يعقل أن يتشابه ملف الاستثمار السياحي لحاملي المشروعين بالرغم من ضخامة الأول وبساطة الثاني!. بالإضافة إلى القانون 30-96 المنظم لمهنة الإرشاد السياحي خصوصا في ما يتعلق بالتعيين Affectation الذي يفرض على المرشد التقيد بمنطقته وعدم تجاوز الحدود الجغرافية التي تخول له الوزارة إرشاد السياح فيها.حيث يعد هذا القانون تقزيما لدور المرشد وقد يخلق أيضا إزعاجا للسائح الذي يفضل غالبا مرافقة مرشد واحد عوض تناوب عدة مرشدين في رحلة واحدة، وذلك منذ استقباله بالوكالة إلى حين توديعه بالمطار. وأعتقد أن هذا القانون يعيد إلى الذاكرة الرفض القطعي الذي عبر عنه المرشدون حينما تم الإعلان عن تعويض « Angamm » association nationale des guides et des accompagnateurs de montagne au Maroc بجمعيات جهوية وذلك منذ سنوات. أما عن بطء وثيرة تفعيل بعض المشاريع السياحية الكبرى، فيجرنا إلى الحديث عن برامج سياحية مهمة وقعت في إطار اتفاقيات رسمية بين المغرب وفرنسا على وجه الخصوص ومنها : برنامج Tetractys والذي اختارت بموجبه جمعية Liser بفرنسا ثلاث محاور أساسية لتنمية السياحة الجبلية بإقليم أزيلال وهي . المحور السياحي – محور الصناعة التقليدية – المحور البيئي. فقد جعلت من المحور الأول العامل المحرك للسياحة بمنطقة أزود، وجعلت من المحور الثاني العامل المحرك للسياحة بمنطقة تساوت التي تضم علية \"مكداز\" وعلية \" فاخور\" ، في حين جعلت من المحور الثالث العامل المحرك للسياحة بمنطقة أيت بوكماز نظرا لمؤهلاتها الطبيعية المتنوعة. وفي الوقت الذي أصبحت فيه هذه الجمعية جاهزة لتنفيذ البرنامج السياحي، لازال المجلس الجهوي للسياحة لم يف بعد بالمقتضيات المادية للاتفاقية ! وهناك أيضا برنامج Pat ((pays d' accueil touristique وهو آخر مستجدات البرامج السياحية المستوردة من الألب، التي تروم إستراتيجية مهمة لتنمية السياحة القروية من خلال الاهتمام بتراث المجال القروي كفضاء للاستقبال السياحي، وهو برنامج محتشم لحد الآن لم تقدم فيه الوزارة على خطوات واضحة المعالم ! إضافة إلى برنامج Geo park Mgoun الذي يرمي إلى إنشاء متحف للديناصور الذي تم اكتشاف هيكله بالإقليم منذ ثلاثة عقود، ثم حفظ التراث السياحي المحلي كالمنقوشات الحجرية بأيت بولي، وآثار أقدام الديناصور بثلاث مواقع محلية معروفة، وأخيرا تدليل هذه المواقع signalisation من خلال تدقيق ورسم المدارات balisage de circuits. وتجدر الإشارة إلى أن هذه البرامج المهمة يزيد من عرقلتها كذلك بطء تدخل الشركاء المفترضين Les intervenants إذ أن موقعا سياحيا بمنطقة معينة، مثلا، يحتاج بطبيعة الحال إلى تدخل المكتب الوطني للكهرباء من أجل الإنارة، ثم مديريات التجهيز من أجل إعداد الطرق وتسهيل المسالك، والمكتب الوطني للماء...الخ، فيصبح، بذلك، تجهيز الموقع والحفاظ عليه مسؤولية مشتركة بين العديد من المتدخلين الذين يجب أن يرفعوا من وثيرة التنسيق مع وزارة السياحة كل في مجال اختصاصه خدمة للمشروع برمته، الشيء الذي يكون غائبا في معظم الأوقات! وكما سبق وأن أشرت في مقال سابق، فإن المسؤولية ملقاة أيضا على عاتق المهنيين بالإقليم، الذين لا ينخرطون في تحريك المشروع السياحي المحلي. فالملاحظ أن \"المجلس الجهوي للسياحة\" و\"لجنة الدعاية والإعلام\" و\" الجمعية الجهوية للصناعة الفندقية \"ARIH\"، كلها هياكل تخلو أو تكاد من تواجد مهنيي الإقليم، وأقصد بهم جميع مالكي الإيواء Propriétaires d'hébergement كأصحاب المآوي Giteurs، والفنادق Hôteliers وغيرهم. وهذه ظاهرة غير صحية لن تخدم المنطقة على الإطلاق سواء تعلق الأمر بالعنصر البشري أو المجال السياحي. وهنا أيضا أدعو بعض مكونات النسيج الجمعوي المحلي إلى الاهتمام بالتنمية المجالية من خلال التفكير في تجهيز بعض المدارات السياحية (تامنايت و إفران) نموذجا ،في إطار شراكات ميكرو وماكرو محلية مع المجلسين البلدي والإقليمي. وهنا أدعو جمعية ADEEC كجمعية ذات خبرة لا بأس بها في مجال التنمية المحلية للتفكير مليا في هذه المبادرة.