مدخل : يعتبر الحوار أو الحديث أو المقابلة الصحافية واحداً من فروع العمل الصحافي ، والذي يتطلب إعداداً استثنائياً من قبل المحرر الصحفي ، ويرى كثيرون أن النجاح فيه يعكس نجاح الصحافي في التعامل مع أدواته الكثيرة والمتعددة ، لدرجة أن البعض يشير إلى أن الترتيب للقاء صحافي أشبه بعملية فك قنبلة . وعلى الرغم من أهمية إجراء الحوار وصعوبته فإن الكثير من الصحفيين ، بخاصة منهم المبتدئون لا يعطون هذا الجانب أهمية كبيرة ، ويتعاملون معه بسطحية وأحياناً دون أهمية ، حتى أن البعض يعتبره فرصة للهروب من عمليات التدقيق التي يركز عليها رؤساء التحرير لبقية فروع العمل الصحفي ، مثل الأخبار والتقارير الإخبارية والمقالات . وليس كل صحافي مؤهلاً لأن يكون محاوراً جيداً ؛ فقد يكون هناك صحافياً إخبارياً جيداً لكنه ليس محاوراً جيداً ، ومن هنا فإن إجراء الحديث والمقابلات المطولة فن وتكنيك يجب على كل صحافي الإلمام به . ومن هنا فإن الكثير من الصحافيين يجرون حوارات صحافية متعددة ، لكن قلة فقط هم من يبرعون في إخراجه إلى النور وجعله ذا قيمة وفائدة للصحيفة وللجمهور القارئ والباحثين عن المعلومة . ورئيس التحرير المسؤول عن هذه الوسيلة الإعلامية هو الشخص الذي يجب عليه التنقيب عن الأشخاص القادرين على إجراء الحوارات الصحافية ، فهو بخبرته وتجربته يستطيع أن يميز الصحافي القادر على إنجاز هذه المهمة عن غيره من طاقم التحرير الذي لديه . كيف تبدأ الإعداد للحوار ؟ من المهم أن يعرف الصحافي الكثير عن الموضوع الذي يكلف بإنجازه من قبل المسؤولين المباشرين عنه ، فهذه أول خطوة في الموضوع كله ، فبدون معرفة الموضوع الذي يذهب هذا الصحافي أو ذاك لإنجازه مع مسؤول ما أو مع أي مهتم بقضية ما فلن يتمكن من الخروج بحصيلة جيدة . إن عملية البحث في أرشيف الصحفية أو على شبكات الإنترنت إن كان المراد التحاور معه مشهوراً ، مسألة مهمة جداً ، فهي تمكن الصحافي من معرفة وتقييم الشخص المراد التحاور معه ، كما يمكن للصحافي تقصي سلوكيات المتحاور معه ، هل هو في العادة شخص مكفهر أم مرح ؟ ، هل يحب الثرثرة أم أنه شخص انطوائي وقليل الكلام ويصعب انتزاع معلومات منه ؟ ، فمثل هذه المعلومات تساعد الصحافي في تحديد مهمته ، إن كان مقبلاً على حوار عصيب أم على حوار مسل ومفيد . المحرر الخبير يستطيع أن يقيم الشخص ذا الأهمية في ثوان معدودة ، هل هذا الشخص غريب الأطوار ؟ هل هو أمين وصادق في إجاباته ؟ فيما يخادع ؟ ، ما الذي يحاول إخفاءه ؟ الكثير من الصحافيين يجهل فن إدارة الحوار مع بعض الشخصيات الكبيرة ، والعديد منا ينبهر أحياناً أمام شخصية من الوزن الثقيل ، إذا ما وافقت على إجراء حوار مع الصحيفة وكلف أحدنا بالذهاب لمحاورته ، من هنا فإنك إذا أردت أن تعلم شخصا ما كيف يدير الحديث الصحفي فعلمه كيف يتحدث ، بمعنى آخر أن على الصحافي أن يكون لبقاً وسريع البديهة في التعامل مع الأشخاص الذين يتعامل معهم . لهذا فإن تفاصيل مهمة في شخصية الصحافي يمكن أن تساعد في إنجاح الحوارات الجيدة ، بعض الصحافيين يمتلكون من الجرأة والصراحة ما يجعلهم في نظر المتحاور معهم عدائيين ، والبعض الآخر قد يكون يمتلك قدراً من الخجل الذي يساعد أحياناً في إنجاح حوار جيد ، إذا كان الشخص الذي يتم التحاور معه من النوع الذي يقدر مثل هذا النوع من الصحافيين ، غير أن الأهم أن يكون الصحافي مزيجاً من هذا وذاك ، أي أن يكون خجولاً بالقدر الذي يكون فيه جريئاً ومشاكساً بدرجة \" محترم \" . على الصحافي أن يواظب على توجيه الأسئلة دائما حتى ولو ضايق هذا المتحاور معه بعض الشيء ؛ فإذا لم يكن بالطبيعة فضولياً ومحبا للاستطلاع فإن مهنة الصحافة لا تناسبه ، لأن العمل الصحافي مبني في الأساس على \" الفضول وحب الاستطلاع \" . من هنا فإن \" طرح الأسئلة هو نصف المهنة فقط \" ، لأن الهدف النهائي للصحافي هو الحصول على الأجوبة التي يرغب في أن تكون عناوين لمقابلته بعد انجازها . من المهم قبل الذهاب إلى الشخصية المستهدفة من الحوار أن يعد الصحافي نفسه جيداً للحوار ، سواء من حيث الوسيلة التي سيتم فيها تسجيل الحوار أو من خلال المظهر الذي يجب أن يعكس أهمية الشخص الذي يذهب إليه ، فمن غير المعقول أن تذهب إلى مسؤول ما وجهاز تسجيلك مشكوك في أدائه للمهمة التي أنت ذاهب لتنفيذها ، كما أنه من غير الملائم أن تذهب إلى أي شخص لتجري حوار معه وأنت في هيئة غير مناسبة من الهندام أو أن شعر رأسك منكوش أو وجهك غير محلوق ، لأن هذا يشعر الشخص الذي تذهب لمقابلته أنه غير مهم في نظرك . كن دقيقاً في مواعيدك التي تضربها للشخص الذي تذهب لمقابلته ، فالالتزام بالمواعيد هو واحد من أهم الأسباب التي تجعل ضيفك يقدر حماسك لإجراء الحوار ، ويشعر أنك تأخذ موضوع الحوار معه على قدر كبير من الجدية والاهتمام . وعندما تصل ولا تلقاه في انتظارك لا تبدي أي انزعاج أو تذمر من تأخره عليك ، لأن هذا قد يدخلك في حوار غير مريح معه ، وأحياناً كثيرة يحاول الشخصية المستهدفة التكفير عن خطأ تأخره بمنحك معلومات لم تكن لتحصل عليها لو كان جاء في موعده . أحد الاقتراحات المفيدة للمحرر الصحفي المبتدئ أن يقوم بتجهيز عشرة أسئلة على الأقل للشخص الذي سيذهب لمقابلته ، وفي الغالب تكون مكتوبة ، لكن هذه الوسيلة تتغير عند الصحافي المحترف الذي يجيء في الغالب وعلى دفتره محاور للمقابلة وليست أسئلة مكتوبة . لا بد للصحافي أن يضع في اعتباره جيدا أن أي لقاء صحفي لا يسير في الغالب طبقا لما هو مخطط له ؛ ففي بعض الأحيان يكتشف المحرر أن الأسئلة التي خطط لها قد انحرف الموضوع بعيداً عنها بما يقدمه المتحاور معه من عناصر جديدة في أثناء الحديث ، ومع ذلك يدع الحديث يأخذ مجراه الطبيعي . نصائح أثناء الحوار : على الصحافي أن يتبع العديد من الخطوات ليتمكن من إنجاح الحوار ويخرج به إلى بر الأمان ، ومن أبرزها : إشعار الشخصية المستهدفة بأنه قادم لإجراء حوار وليس لإدارة معركة : من المهم أن يقدم الصحفي نفسه إلى الشخصية المستهدفة بأنه قادم لإجراء حوار يرضي الطرفين ، لأن المتحاور معه إذا شعر أن الصحفي قدم إليه لينتزع منه مواقف تضر به لن يتجاوب معه . الإنصات جيداً : من المهم أن يكون الصحافي منصتاً جيداً ، الصحافي الجيد ليس في الغالب هو المتحدث كثيراً ، فالكثير من الصحفيين الجيدين هم المنصتون الجيدون ، لأن مقاطعة المتحاور معه يفقد الصحافي والشخصية المستهدفة التركيز على القضايا المهمة ، ولكن لا بأس من تسجيل ملاحظات على دفتر الملاحظات من واقع الإجابات والعودة إليه مجدداً . لا يجب على الصحفي مقاطعة الشخص الذي يقوم بمحاورته ، إلا إذا شعر أنه يريد أن يلتقط أنفاسه ؛ فإن تحول الحوار من بدايته إلى شيء غير مريح فقد قيمته على الفور . إبدأ بسؤال كبير : عادة يفضل أن يبدأ الحوار بسؤال كبير متشعب ، فذلك يحقق للصحفي غرضين : الأول يهيئ له فسحة من الوقت لتقييم الإنسان أمامه وتنظيم تفكيره ، والثاني يمنحه فرصة جيدة لتلقى معلومات لم يكن يتوقعها ، وان يستعد لأي اتجاه يفرضه الحوار . الالتزام بالموضوع : يعتبر السماح للشخص بالتحدث عن أبنائه أو عن تدهور المجتمع مقبولا إلى حد ما ويساعد على خلق جو من الألفة ، ولكن قد تكون هذه الثرثرة أيضا خدعة لتجنب الموضوع ؛ فإذا شعر الصحفي أن المتحدث قد حاد به عن جوهر الموضوع ، فيمكنه أن يتملص من المأزق برفق وبسرعة حتى لا يأخذه إلى متاهات أخرى . الابتسام وإبداء الاهتمام : على الصحافي أن يبدي قدراً من الاهتمام واستحسان حديث الشخص الذي يقوم بمحاورته ، ومن المستحسن أن يبتسم من حين لآخر ، إذ لا يحب أي إنسان أن يشعر أن حديثه متجاهل ، كما أن التظاهر بتدوين أشياء لا قيمة لها أو معلومات تافهة أمر له فائدته أيضا ؛ فبعض المتحاورين الذين يتوهمون أنهم يدلون بمعلومات هامة وخطيرة يتخيلوا انه يتم تسجيل كل شيء . السيطرة على المشاعر : على الصحفي السيطرة على مشاعره عندما يتحاور مع أشخاص لا يرتاح لأفكارهم ومواقفهم السياسية ، إذ أن السيطرة على المشاعر يكسب الصحفي احترام المتحاور معه . اختصر وكثف الأسئلة : حاول أن تكون أسئلتك مختصرة ، ليس هذا بالأمر السهل دائما ، فقد تتعثر حتى تصل إلى التركيز المطلوب ، ويتجنب الصحافي المتمرس أن يضع أسئلة بمقدمات طويلة معذبة . لهذا ينصح بعدم توجيه أسئلة مركبة ، حتى لا تحصل على ما لا ترغب في الحصول عليه ، على الصحفي أن يسأل سؤالا واحدا في كل مرة ، حتى يحصل على إجابة واحدة ، فهذا أيسر عليه وعلى الشخص الذي يتحاور معه ، وعلى القارئ والمشاهد والمستمع معاً . وعلى الصحفي أن يتذكر أن هذا الأسلوب المفصل الفعال يوضح الأمر نقطة نقطة ، إذ عندما يوجه سؤالا مزدوجا في استفسار واحد ؛ فمن المحتمل أن يتلقى إجابة متشابكة وغامضة ويسهل على الشخص الذي يتحاور معه الهروب والتنصل عن الإجابة . ولا يخشى الصحافي أن يبدو غير خبير بموضوع ما ، فأحيانا يستخدم الشخص المتحاور معه لغة غير مفهومة ، أو يتناول مسألة معقدة بشكل غامض ، لهذا عليه أن يتدخل ويقطع الحديث بالتأكيد على أنه لا يفهم بعض مما يقوله محاوره ، ويطلب منه تبسيط الفكرة بطريقة تجعل القارئ أو المشاهد أو المستمع يفهم ماذا يريد . ويحدث أحيانا خلال المقابلة أن يشير المتحاور معه إلى أمر أو إلى شخص ، تعرف انه من المحتمل أن الجمهور يجهله ، هنا يجب على الصحفي أن يتدخل بالقول مثلاً \" أنت تعني بذلك ... \" ، أو \" أعتقد انك تشير إلى .. \" ، وهكذا يجلو الغموض على الفور . ابحث أكثر : تحتاج المقابلة التي تدور حول الجوانب الشخصية ، من الصحافي بحثا إضافيا أعمق ، لهذا عليه الاتصال بأصدقاء هذه الشخصية ، رفاقه القدامى ، زملائه السابقين في المدرسة ، جيرانه ، زملائه في العمل ، وحتى بعض خصومه ؛ ففي بعض الأحايين تفاجئ ضيفك بمعلومات يعتقد أنها مجهولة أو أن عدداً محدوداً جداً يعرفها ، وهذا الأمر قد يمنحك جزءاً من الحميمية أثناء الحديث مع ضيفك ، ويخلق جواً من الألفة بين الضيف والصحفي . مراعاة نفسية المتحاور معه : على الصحفي أن يضع في اعتباره دائما أن المتحاور معه يكون أكثر حدة وعصبية ، بخاصة إذا كانت القضية التي يتم الحوار حولها لها علاقة بمأساة ويمكن أن يترتب عليها الإساءة إليه أو إلى منصبه ، كما يجب مراعاة أن الشخص الذي لم يسبق له الإدلاء بحديث صحفي يصبح أكثر توترا ، من هنا يجب على الصحفي مساعدته على الهدوء والاسترخاء ، وهذا لن يحصل إلا إذا كان الصحفي نفسه شخصا هادئا . دون ملاحظاتك : إن تدوين الملاحظات هو جزء لا يتجزأ من عملية إجراء الحديث الصحفي ، ويمكن أن يتم تدوين أي شيء ، سواء مهم أو غير مهم ، فالعودة إلى بعض الملاحظات يفيد في اختيار عناوين المقابلات وفي مقدمات الحوار ، فقد يكون تسجيل انطباعات شخصية عن طريقة إجابات الشخصية التي يتم الحوار معها أو طريقة استقباله للأسئلة ، وهل هو عصبي أم هادئ ، أم يحب الإجابة على الأسئلة قبل معرفة بقية السؤال . لهذا فإن تدوين قدر كبير من الملاحظات سوف يوفر على الصحافي مشقة مكالمات تليفونية زائدة للتأكد من شيء كان من المفروض تدوينه في اللقاء الأول ، كما أنها تتيح له فرصة لمراجعة الحديث الصحفي فيما بعد الاختصارات التي قد تبدو غير مفهومة ، لهذا يجب على الصحفي أن يستخدم عقله ويده ؛ فإن كان الشخص يقول ما لا قيمة له فلا يجب كتابة كل ما يقوله . أكتب بأسرع وأفضل ما تستطيع : قليل من المندوبين يجيدون الاختزال ، وكبديل عن هذا قم بالتدريب على الكتابة بسرعة بطريقة مميزة بما في ذلك التدريب على الاستخدام المكثف للاختصارات والرموز . احصل على ما تريد : لا يجب على الصحفي أن ينصرف من المقابلة قبل أن يتأكد أنه حصل على الأساسيات التي جاء من أجلها ، كما أن عليه التأكد من إسم الشخص كاملاً مع لقبه ومنصبه ، فالكثير من الشخصيات يتذمر من تغيير لقبه أو منصبه ، بخاصة الرسمي . الحفاظ على أجهزة التسجيل : أجهزة التسجيل أهم من الدفاتر في الحوارات الصحافية ، وربما كان هذا سبب تفضيل الصحفيين لاستعمالها ، إن جهاز التسجيل أو ما يسميه البعض \" صندوق الثرثرة \" ، والذي أصبح متوافرا الآن في أحجام صغيرة يمكن حملها قد أحرز التفوق على \" دفتر المندوب الصحفي \" وقلمه ، وذلك لأن المسجلات توفر العبارات حرفيا ، وهذا له قيمة إذا كان الصحفي يتناول موضوعا له حساسيته وبخاصة إذا حدث وتراجع المتحاور معه في كل قاله . في المقالات الخاصة يسهم المسجل في التقاط اللهجات غير العادية التي تعطي للمقال مذاقا خاصا ، كما انه يفيد في حالة تحدث الشخص بسرعة اكبر من قدرة المندوب على تدوينها في دفتره ، كما أنه يتيح للصحافي فرصة مراجعة الحديث بدقة . من هنا أصبح استعمال جهاز التسجيل أمرا تقتضيه الضرورة العملية في الموضوعات التي تعتمد على الأسئلة والأجوبة ، حيث ينبغي كتابة أسئلة الصحافي وإجابة المتحدث بدقة ، ولهذا السبب يصبح من النادر أن يكتب الصحافي الأسئلة التي يوجهها للشخصية المستهدفة في الحوار . مع ذلك فجهاز التسجيل له عيوبه أيضا ؛ فدفتر الصحافي لا تنفذ بطارياته ولا ينتهى الشريط فجأة كما يحدث أحيانا في أجهزة التسجيل ، ولضمان تجنب مثل هذه العيوب يحسن أن يدون الصحافي في دفتره جنبا إلى جنب مع عملية التسجيل . ومن بين أكبر عيوب جهاز التسجيل هو إغراق الصحافي بالتفاصيل المملة ؛ فإذا كان التسجيل نقيا ونظيفا فذلك يغري الصحافي بحشر كل هذه المعلومات في الموضوع الذي يكتبه ويكون لديه أيضا ميل لإعادة العبارات ، لهذا لابد من عملية \" تركيز الموضوع \" في أثناء النسخ ، بأن يتم انتزاع اللآلئ التي يشوبها الغموض في الحديث بدلاً من القيام بعملية أصعب كثيراً وهي الشرح والتفسير ، وعملية النسخ هذه في حد ذاتها مشكلة عويصة . فأحيانا يمكنك كتابة ثلاثة موضوعات في نفس الوقت الذي تستغرقه عملية تفريغ أو نسخ حديث صحفي واحد على شريط تسجيل . احترم كلمتك : أحيانا يخبرك الناس بمعلومات ويراودهم الاعتقاد بأنك لن تنشر ما يقولون ، وعندما توافق على مناقشة موضوع ما بعيدا عن المسجل ، تصبح مرتبطا بكلمة شرف بالحفاظ على سرية المعلومة ، إذ لا يوجد قانون يلزم المحرر الصحفي صراحة بالحفاظ على سرية كل ما يقال بعيدا عن المسجل كطلب المتحدث ، لكن هناك تقليد هام يلزمنا بذلك ، وسوف يتوقع منك زملاء المهنة الحفاظ على إتباع هذا التقليد. من الأفضل أن يجعل الصحفي المتحدث هو الذي يحدد ما إذا كان الموضوع سيناقش بعيدا عن المسجل ، لأنه إذا اقترح هذه الفكرة أصبح مسؤولا عن الحفاظ على سر شيء ما كان يمكن تسجيله ، والناس الذين اعتادوا الإدلاء بأحاديث بعيدا عن المسجل بارعون جدا في حماية أنفسهم ؛ فعادة يقولون مثلا : \" إذا نشرت هذا الكلام سأقسم أنني لم التق بك من قبل \" وفي مواجهة هذه التهديدات لن تجدي أية كمية من المعلومات والأحاديث تقدمها لرئيس التحرير المتشكك أو حتى لجمهورك المتشكك أيضاً. المقابلة في الإذاعة والتلفزيون يجب أن يفرق المحرر الصحفي بين المقابلة للصحيفة والإذاعة والتلفزيون ، إذ أن لكل وسيلة من هذه الوسائل طريقتها في إجراء الحوار ، فالحوار للصحيفة لا يتطلب ذلك التركيز الذي يحتاجه الصحفي أثناء الحوار للإذاعة أو التلفزيون ، إذ أنه يكون محرراً من التركيز على الجوانب التقنية ، وإن كان الهدف في النهاية واحد . في الغالب فإن الحوار مع التلفزيون فيه رهبة الوقوف أمام الكاميرا ، ومن هنا فإن الكثير من الأشخاص يتهيبون من الحديث أمام الكاميرا أكثر منه أمام آلة التسجيل للصحيفة أو الإذاعة ، فالحديث أمام الكاميرا يظهر الكثير من التوتر والقلق وعدم التركيز ، بخاصة إذا كان الحديث مع الشخصية المستهدفة يحدث لأول مرة . وهناك نوعان من المقابلات التي تجرى للإذاعة والتلفزيون : المقابلة الإخبارية والمقابلة الخاصة بالجوانب الشخصية وأهدافهما تختلف ، وإن كانت المهارات اللازمة لإدارتهما واحدة . بالنسبة للمقابلة الإخبارية فإن المحرر يبحث عن إجابة مختصرة ، مركزة في الصميم على سؤال أو سؤالين محددين ، يكون لهما صلة بواقعة معينة ، أما بالنسبة للنوع الآخر ، وهي هنا المقابلة الخاصة ؛ فإن المحرر يسعى إلى كشف النقاب عن طبيعة وخلق وطراز الشخص الذي تدور معه المقابلة . يمكن أن تجرى المقابلات الإخبارية في موقع الحدث أو المناسبة القائمة ، كما يمكن أن تعد سلفاً ، مثل اجتماعات مجلس الوزراء أو إشهار جمعية خيرية وما شابه ذلك . ومهما تكن ظروف المقابلة ؛ فلابد أن يكون الصحافي حساسا لمشاعر من يتقابل معهم ، ودوافعهم وحساسياتهم . سيكون من الميسور لأي صحافي الحصول على مقابلة ، لو أنه بني سمعة طيبة كصحافي منصف متوازن ، وبلا شك سيكون الأمر أصعب في إغراء مصدر الأخبار على الظهور معه ، لو ساءت سمعته ، وبدا فيها انعدام الضمير والجفوة . وهذا دليل آخر على أنه يجب على الصحافي أن يكسب احترام جمهوره ومصادر أخباره ، بدلاً من الدخول في \" اللعبة الشرسة لتدمير الفريسة \" ، الأمر الذي يصيب الصحافيين الذين يبالغون في المنافسة ، وليس معنى ذلك أن يقبل أن ينظر إليه على أنه الحمل الوديع الذي تتسم أسئلته باللطف والرقة ، ولو أن الأمر كذلك ؛ فقد يحصل على المقابلات ، ولكنها ستكون بلا جدوى . ويفهم السياسيون المحترفون والمسؤولون والمشاهير دور وسائل الإعلام في الحياة العامة ، وسيحترمون الصحافي عندما يؤدي عمله بإتقان ، ووعي وإنصاف ، وستفتح له مثل هذه السمعة الأبواب بجدارة . ما بعد المقابلة : تعتبر مرحلة ما بعد انتهاء المقابلة من المراحل المهمة لإخراج المقابلة إلى حيز الوجود بالشكل التي يرغب الصحافي فيها ، وعلى الصحافي أن يعطي انطباعاً لضيفه من أن المقابلة مهمة جداً وأنها ستكون مدعاة لسروره وتشريفه أمام رؤسائه . إن إعطاء الضيف أهمية لمقابلته يزيل أية حساسيات قد تكون نشأت أثناء الحوار ، ويلجأ بعض الصحافيين إلى إعطاء تطمينات أكبر للضيف بعرض المقابلة عليه بعد الانتهاء من تفريغها وتحريرها ، ويستسيغ بعض الشخصيات هذا الأسلوب ؛ فيما يمنح البعض الآخر الثقة للصحافي ، مع التشديد عليه بأن يصحح ما قد يكون وقع فيه من هفوات ، بخاصة إذا كان الاثنان من نفس اللون السياسي . وفي كثير من المقابلات الطويلة ، التي تتضمن أحداثاً مثيرة للجدل وتواريخ كثيرة يفضل أن تعاد بعد تحريرها إلى الشخص المتحاور معه ، حتى يقوم بمراجعتها ويصحح ما قد يكون قد وقع فيه من أخطاء أثناء الحديث ، وبالتالي يكون مسؤولاً عن كل ما جاء فيها من معلومات ، سواء لجهة الأشخاص أو الأحداث . وتعد عملية تفريغ أشرطة الكاسيت من أهم وأصعب المراحل ، بخاصة إذا كان الضيف غير مرتب في أفكاره أو أنه من النوع الذي يتحدث كثيراً من دون تركيز أو يقول كلاماً كثيراً من دون فائدة . لذلك على الصحافي أن يعيد سماع الإجابات أكثر من مرة ولا يتجاوز بعض الفقرات التي يعتقد أنها غير مهمة ، ذلك أن في ثنايا الحديث غير المرتب قد تكون هناك مواقف نارية وقد تتوقف عليها تطورات هامة . على الصحافي التدقيق في الكلمات والتعابير وعدم استبدالها بكلمات مشابهة إذا كانت ستأخذ أبعاداً ومعان أخرى ، لهذا يجب على الصحفي المحترف أن يعرف متى وكيف يستبدل بعض تعابير الضيف ، والتي لا يترتب على استبعادها مسؤولية سياسية أو قانونية . وبعد أن يتم إفراغ الحديث على الورق تكون المهمة قد اقتربت من نهايتها ، وإن كانت تأخذ نفس الأهمية ، فتحرير المادة ، سواء من حيث الأسئلة أو من حيث الأجوبة واختيار بعضها وحذف الآخر هي الولادة الحقيقية للمقابلة ، وعليه يمكن اعتبار المقابلة عظيمة أو هزيلة ، والصحافي الجيد هو من يجعل الآخرين يمنحونه شهادة بعظمة المهمة التي أنجزها ، وأولهم بالطبع الضيف نفسه .