على الرغم من حالة الجمود التي اتسمت بها الطرق الصوفية في مصر خلال العقود الماضية إلا أن هذا الجمود يتعرض للتلاشي أمام موجة التغيير التي تشهدها كافة التيارات الإسلامية والتي ساهمت في إيجادها ثورة المعلومات والاتصالات، فلم لم تعد الطرق الصوفية على تلك الصورة النمطية والتقليدية التي اعتاد الناس على رؤيتها ومعايشتها، كما أن صورة الصوفي المجذوب والرجل الذي يرتدي الخشن من الثياب، والهائمون على وجوههم في الطرقات أصبحت موجودة فقط في الموروث الفلكلوري والصوفي ففي خضم التغيرات الاجتماعية والسياسية وما لحقها من تقدم تقني وتكنولوجي وجدت الصوفية في مصر نفسها فجأة بين سندان التحديث ومطرقة الثورة التقنية المتسارعة، وبالفعل استجابت الطرق الصوفية لمتغيرات الواقع ولكن هذه الاستجابة جاءت متأخرة عن تيارات إسلامية أخرى كالإخوان المسلمين أو التيار السلفي التي نجحت في استغلال بوابة الإعلام في الترويج لأفكارها. صوفيون تقنيون تمثلت مظاهر تلك التغيرات التي طرأت على الطرق الصوفية في عدد من المواقع الالكترونية وإذاعات الانترنت، هذه بخلاف نشاط المتصوفة على "الفيس بوك" والمنتديات الصوفية عبر الانترنت، والمشاركة في المؤتمرات في الدولة الغربية، والتي ساهمت في تدشين حالة من النقاش والجدل حول واقع الطرق الصوفية والتحديات التي تواجهها، لا سيما أن هذا الجدل ترافق مع الحالة من الطلب الخارجي على الصوفية والتصوف كأحد أوجه الإسلام المعتدل في مواجهة ما بات يعرف ب"التطرف الإسلامي"، وهذه التغيرات تعكس في مجملها الانتقال من الشكل التقليدي والنمطي للطرق الصوفية إلى شكل جديد أكثر انفتاحا على المجتمع والتيارات الأخرى. "صوفي جيجيز" أو "صوفي تقني" هي إحدى الأشكال الحديثة التي اختلقها المريدين داخل الطرق الصوفية في مصر، والفكرة التي جمعت أجيال شابة تنتمي بشكل عام للطرق الصوفية مابين خاتمية ميرغنية وأخرى نقشبندية وجازولية ..الخ، نستطيع تعريفها بأنها تجمع للمتصوفة الذين يعملون في مجال التقنيات وعالم الشبكة العنكبوتية من مختلف الطرق بهدف التواصل بين أبناء الطرق المختلفة، وهي فكرة حديثة تستلهم من ثورة الاتصالات شكلها الجديد وتعمل على توحيد الصف الصوفي، ولازالت هذه الفكرة في طور المخاض ولازالت تحاول تجميع القلوب والعقول في بوتقة واحده، وهي تمثل إحدى تجليات حالة التغير التي يمارسها التيار الجديد داخل الطرق الصوفية. مواقع إلكترونية ومن بين الطرق التي دشنت مواقع الكترونية كانت الطريقة الجازوالية أحد روافد الطريقة الشاذلية العتيدة الذي أسسها الشيخ "حسن الشاذلي، والطريقة العزمية وغيرها. ويقول "صبحي الحجار الجازولي" مسئول الموقع الإلكتروني للطريقة الجازولية الشاذلية في لقاء مع موقع "بوابة الطرق الصوفية والحركات الإسلامية": "إن الطريقة الجازولية الشاذلية منذ ما يقرب من نصف قرن وطبقاً للقواعد التنظيمة التي وضعت منذ الأيام الأول سعت جاهدة لأن تحدث نفسها، وتقدم ما يميزها عن الطرق الصوفية الأخرى الموجودة في مصر، وكانت تلك الأفكار بمثابة القاعدة الرئيسة التي انطلقنا منها. مؤكدا على أن الطريقة الجازولية تقدم تصوف حديث وغير تقليدي من خلال انطلاقة الموقع الإلكتروني الخاص بالطريقة، والذي يعد الأداة التعريفية الهامة للطريقة والنافذة التي يطل عليها كل مهتم ومحب للطريقة سواء في داخل مصر أو خارجها. وفي رأي "الحجار الجازولي" فإن أية طريقة صوفية في اللحظة الراهنة ستعود للوراء وتندثر، إن لم تأخذ بأساليب العصر، ولهذا السبب يقول:" لذلك حملنا شعاراً في المرحلة الآنية "التقدم نحو الأمام" وهي بغية كل واحد منا، وثمرة ذلك، على رغم حداثة تاريخ إنشاء الطريقة، انتماء واحتواء الآلاف من المريدين من كافة أنحاء العالم، بحيث وصل عدد زوار الموقع بشكل يومي إلى 30 ألف وستمائة زائر، وفق آلية حديثة تقوم بتسجيل الزوار وفقا للتصفح الغير معتاد عليه في المواقع الأخرى. التواصل الصوفي ومن الجازولية الشاذلية إلى الطريقة الخاتمية الميرغنية، حيث تسعى الطريقة الخاتمية إلى أن تسجل حضوراً قوياً وهاماً، وسط ذلك الزخم الإلكتروني ويقول السيد أحمد الميرغني إن فكرة انطلاقة الموقع جاءت خصيصاً للتركيز على فكرة التواصل مع الطرق الأخرى بالتوازي مع التواجد الفعلي للطريقة عبر الفضاء الإلكتروني، وذلك من خلال عرض "ويكيبيديا" للطرق الصوفية المختلفة، تهدف إلى التعريف بوضع التصوف وطرقه ليس في مصر وحدها وإنما في العالم أجمع، بحيث يظهر الشكل المضيء للصوفية وفي ذات الوقت الرد على التيارات الأخرى التي تقدم نفسها كأنها المنقذ للبشرية والنموذج الأوحد للإسلام، وهذا يتم بالتوازي مع أن التصوف بشكل عام والطريقة بشكل خاص لا تقدم نفسها كونها إسلاماً آخر أو منحى مذهبي مختلف، وإنما هي روح الإسلام. ويقول المهندس احمد كاظم أحد مريدي الطريقة والمسئول التقني عن الموقع الخاص بالطريقة الميرغنية الخاتمية إن جيلاً جديداً بات ينتمي إلي الطرق الصوفية يحمل بين جوانبه هدفاً وحلماً يحاول تحقيقه من خلال تطويع تلك التقنيات التي أصبحت متوافرة وهو عرض التصوف بشكله الصحيح دون شوائب.مشيراً إلى أن التصوف الآن بجانب كونه يخاطب الروح والقلب فهو يخاطب العقل أيضاً؛ لذلك فإن الفترة الحالية تتطلب توظيف المعني القلبي والعرفاني بصورة حداثية أكبر. وبشكل مختصر يوضح كاظم "كيف يمكن توصيل علم ينقل من قلب إلى قلب بشكل حداثي وبصورة تكنولوجية تواكب ما يحدث الآن على الصعيد العالمي" ونخلصه من الصور الفلكلورية الغريبة عنه والتي نشئت بتداول الأيام وتعاقبها، لنقدم تصوفاً راقياً مبنياً على أسس علمية متبرئ من الخزعبلات، وبعيدا عن صور المجاذيب التي علقت به ولا تمت إلى الصوفية بصله، ومن هنا كان الموقع وكانت البداية نحو الصعود إلى أعلى. إذاعة إلكترونية كانت تجربة الإذاعة الإلكترونية إحدى الوسائل الجديدة التي تقوم الطريقة الجازولية الشاذلية ببثها عبر موقعها الإلكتروني، هذا في الوقت الذي تندر فيه الإذاعات الدينية عبر الانترنت، وهذه الإذاعة الصوفية تعكس بدورها الصورة الجديدة لتطويع الوسائل الإعلامية الجديدة لخدمة الطرق الصوفية والتصوف بوجه عام. وأكد القائمون على إذاعة الجازولية الشاذلية على أنها لن تقتصر على تقديم تراث الشيخ المؤسس أو الشيخ الحالي أو تلك المدائح النبوية وحفلات مجالس الذكر وحضرات وطقوس مختلفة يمكن بثها إذاعيا وحسب، وإنما سيتم طرح خطاً ساخناً بين القائمين على الإذاعة وبين كل متصفح وراغب في فهم ومعرفة كل ما يدور داخل الطريقة والانتقال لتناول القضايا والمشاكل الاجتماعية وكل ما يواجه المريد والمسلم بوجه عام في حياته اليومية. كان من نتيجة هذا الزخم الالكتروني الصوفي أن أصبحت هذه المواقع والإذاعات بمثابة البوابة الرئيسة للطرق الصوفية وأداتها الإعلامية، خاصة في ظل تصاعد ما بات يسمى ب"الغزو الشيعي الفكري" للمنطقة العربية، وتوجيه أصابع الاتهام بشكل مباشر ودائم للطرق الصوفية، وتمثيلها على أنها قنطرة العبور للتشيع أو " بوابة التشيع" في مصر. التصوف الآن بجانب كونه يخاطب الروح والقلب فهو يخاطب العقل أيضاً وردا على هذه الاتهامات أفرد موقع الخاتمية الشاذلية رسالة كبيرة لأحد مشايخ الطريقة حملت عنوان"القول الصارم في كلام الروافض"، يفند فيها كثير من أباطيل الشيعة الروافض وينتقد أقاويلهم بالحجج والبراهين العلمية". قضايا فكرية كما أن الشيخ أنور عبد المغيث شيخ "الطريقة النقشبندية "، وهي طريقة غير معترف بها من قبل مجلس الطرق الصوفية في مصر إلا أنها رغم ذلك تعمل تحت اسم "جمعية الغوثية "، كان له رسائل فكرية تتعاطى بشكل إيجابي كبير مع قضية المفكر الراحل "نصر حامد أبو زيد" والتي أعرب عنها عبر مجلس من مجالسه التي كان لموقع "الإسلاميون" حضوراً خلالها، الأمر يعكس توجها ليبرالياً غير متعارف عليه قبل ذلك داخل صفوف الطرق الصوفية، وابتعادا عن التكفير والتبديع والتفسيق للمسلمين، خاصة وأن الشيخ كان على اتصال دائم بالمفكر الراحل نصر حامد أبو زيد على حد قوله. وقد ضعت الطريقة الجازولية الشاذلية عبر موقعها الإلكتروني منتدىً خاص لأبناء الطريقة، ومن ينتمون خارجها لمناقشة مثل هذه القضايا الفكرية خاصة تلك التي تتعلق بقضايا التحليل والتحريم، فعلي سبيل المثال لا الحصر قضية تحريم النحت" من قبل بعض التيارات الإسلامية الأخرى الموجودة على الساحة، وجدت مساحة كبيره عبر الموقع ومن خلال المنتدى وفي ذلك يقول "صبحى الحجار" مسئول موقع الجازولي الالكتروني: إن هناك تياراً دينياً داخل مصر وافداً من خارجها يسعى لتحريم كل شيء في المجتمع، ومن هذه العلامات تحريم النحت والفن بوجه عام على حد قوله. ويشير الحجار إلى أن الفتوى بتحليل النحت التي أصدرها المجلس الأعلى للفتوى في مصر والصادرة عن الأزهر الشريف كانت واحدة من الملفات الفكرية الهامة التي طرحت داخل الطريقة وعبر موقعها ووجدت سجالاً فكرياً قوياً عكس حجم الحراك الفكري والثقافي، ليس داخل الجماعة فيما بينها وحسب وإنما بين الطريقة ومن ينتمون إلى ما سواها. وتعقيبا على هذا التغير الذي تمر به الطرق الصوفية يرى د.عمار على حسن الخبير في شئون الصوفية أنه كان من الطبيعي أن تستفيد الطرق الصوفية بهذا الكم الهائل مما أنتجته الثورة التكنولوجية العالمية، وتجعلها طوعاً لها، وهو جهد قامت به الأجيال الشابة ويضاف لها من أبناء تلك الطرق. ويقول د.عمار لموقع "الإسلاميون":التصوف الآن على أبواب مرحلة جديدة شكلتها ثورة الاتصالات والتي أخذ الجيل الجديد من أبناء الطرق الصوفية على عاتقه مهمة التعاطي بشكل جاد مع هذه الثورة، خاصة وانه بصدد التعامل مع ظاهرة يمكن القول: أنها عاشت على مدار عقود من الزمن تقليدية في الشكل والجوهر .الأمر الذي جعل تلك الطرق بين أمرين وخيارين إما التراجع والتقهقر للوراء والانكفاء على الذات.! وإما الحداثة وهي اختارت الأمر الثاني ألا وهى "الحداثة". مدد يا رسول الله كان من تجليات التغيير الذي تمر به الطر الصوفية ظهور عمل فني صوفي على منوال المدائح النبوية القديمة، تمثل في أغنية "مدد يا رسول الله" التي غناها المطرب النوبي المصري محمد منير عبر التنسيق مع الطريقة الميرغنية الخاتمية أحد أشهر الطرق الصوفية في مصر، وحققت الأغنية شعبية كبيرة داخل كافة الأوساط الصوفية وغير الصوفية، وقد عكست الأغنية مدى اهتمام الصوفية بالفن كرسالة سلام وكجسر للحوار مع الآخر حيث مزجت كلمات الأغنية بين التراث الإسلامي والمسيحي في آن. ويقول السيد "أحمد محمد عثمان الميرغني الختم" ابن شيخ الطريقة الميرغنية الخاتمية في مصر والمشرف العام على الطريقة ل"بوابة الطرق الصوفية والحركات الإسلامية": إن فكره القفز فوق الحواجز والدفع بالطريقة الختمية الميرغنية للحاق بركب التحديث كان من خلال الاستفادة من المتغيرات المتجددة على الساحة العالمية من تقدم تقني وتكنولوجي شمل مستويات كبيرة على رأسها الجانب الفني وذلك نظرا لأن لغة الفن هي لغة عالمية يفهمها الجميع دون حواجز". ويضيف الميرغني: هناك أشعار وخواطر يتم تداولها في "الحضرات" ومجالس الذكر ولا يعلمها إلا أبناء الطريقة ذاتها، ومن هذه الأشعار كانت كلمات الأغنية، وبدأت الفكرة من خلال تحويل هذا الفلكلور والتراث الشعبي من أوراد وأشعار الشيخ رحمه الله التي ذكرها في مجالس خاصة وفي أوقات بعينها إلى عمل فني يتداوله الناس أجمعين باختلاف ألوانهم وأشكالهم وانتماءاتهم ومذاهبهم ..والحمد لله لاقى هذا العمل ترحيب كبير وحقق شعبية غير عادية ليست في مصر وحدها بل خارجها، وكان ذلك في عام 2002 أي منذ ما يقارب ثمانية أعوام كاملة. ويؤكد السيد الميرغني في لقائه بالموقع على أن "هذا الإصدار الفني صاغ تراث الشيخ مؤسس الطريقة"الإمام الميرغني" بأحدث النظم التقنية على لسان مطرب صاحب شهرة عالمية، وهذا ما دفع بإذاعة ألمانيا الاتحادية إلى القيام بعقد عدة لقاءات مع شيخ الطريقة الحالي"السيد محمد عثمان تاج السر إسماعيل محمد أبو بكر الميرغني"وأبنائه لسان حال الطريقة لفترة تجاوزت الأربعة ساعات متواصلة تناول تأثير الشريط بوصفه يمثل فلكلوراً دينياً ممزوجاً بلغة العصر على النطاق الأوروبي. وحسب قول الميرغني فقد تفاجأ كلا الفنان المصري محمد منير وشيخ الطريقة وأبنائه بإذاعة اللقاء بأربعة لغات أوروبية. ولا شك في أن هذه التجربة تعكس مدى الاهتمام الغربي بالصوفية، بجانب كونها تعبر عن مدى التطور الذي لحق بالطرق وأهمية إخضاع الوسائل العصرية لخدمة الطرق الصوفية ورسالتها الدعوية والحضارية. أكاديمية التصوف في تجربة مميزة تهدف إلى وضع التصوف في قالب تعليمي أكثر تهذيباً لتكريس وتعميق أدوات البحث العلمي في هذا الحقل وتقويض أشكال الخرافات التي علقت بالتصوف وطرقه، شرعت " العشيرة المحمدية الشاذلية"في قلب القاهرة لإنشاء أكاديمية لدراسة التصوف، وهذه الأكاديمية تعني بمناهج التصوف ومدارسه وأطر تفكيره وتسعى لخلق جيل جديد من الصوفية يعزز دور العقل توازياً مع الروح لفهم التصوف كطريق لفهم الإسلام. وترجع فكرة تأسيس أكاديمية بالمعنى الحديث إلى الشيخ الراحل السيد "محمد زكي إبراهيم" شيخ طريقة "العشيرة المحمدية الشاذلية"، ويقوم الآن بالإشراف العام على الطريقة"المرشد العام للطريقة" والأكاديمية الدكتور محمد مهنا أستاذ القانون الدولي بجامعة الأزهر، والذي يقول في لقاءه بموقع "الإسلاميون" إن أكاديمية دراسة التصوف جاء ميلادها في وقت لا يزال فيه التصوف الرسمي يعاني من أغلال الكثير من الانحرافات التي هي ملأ السمع والبصر، لذلك كان لزاماً على المستوى الغير رسمي أن يخرج من إسار هذا الرسمي ليقدم رؤية جديدة عبر العشيرة المحمدية بحيث تسهم في الانتقال بالصوفية من حالة الجمود إلى الحراك والمشاركة الاجتماعية والعلمية". ويتجلى هذا برأي د. مهنى في نوعية المريدين والمنتمين للطريقة ذاتها من كونهم ينتمون إلى أرقى الطبقات الثقافة والاجتماعية والفكرية المختلفة أو السعي لإنشاء مراكز بحثية تعي بالتصوف على منوال أكاديمية التصوف داخل العشيرة والتي تستعد بانطلاقة جديدة تتمثل في دراسة التصوف بلغات عدة لتؤكد على عالمية الإسلام والتصوف. ويشدد مهنا على ضرورة أن يأخذ التصوف الرسمي على عاتقه مهمة الدفع بنفسه نحو الأمام والنهوض بصورته الحالية ليتماس مع سابق عهده وتحديداً برؤية السلف الصالح رضوان الله عليهم على حد وصفه. الغرب والتصوف ويذكر د.محمد مهنا المرشد العام للعشيرة المحمدية الشاذلية بالقاهرة أنه تلقى تعليمه الصوفي وتربيته الصوفية على يد تلامذة العلامة الفرنسي الصوفي "رينية جينون"، أو العارف بالله الشيخ عبد الواحد يحي، وذلك إبان رحلته العلمية في فرنسا، فهذا الرجل كما يقول مهنا ساهم بشكل كبير في تقديم رؤية صوفية معاصرة أواخر القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر، وربما لا يعلم عن جهوده في خدمة التصوف سوى قلة داخل مصر". ويرى مهنى أن الفضل في ما تقوم به "العشيرة المحمدية" للنهوض بالتصوف على أسس علمية يعود لتعاليم الإمام المؤسس للعشيرة محمد زكي إبراهيم الذي وقف بكل ما أوتي من قوة ضد الخزعبلات والأشكال الغير لائقة والتي لصقت بالتصوف سواء أكان ذلك شكلياً بصورة واضحة أو فكرياً بشكل مستتر داخل الكتب والمصادر المختلفة، وعلى هذا الطريق الذي رسمه الشيخ سار أتباع العشيرة من بعده. وعن حوار العشيرة ومشاركتها في المؤتمرات بالدول الغربية يقول مهنا " نحن نحاول عبر المؤتمرات أن نقيم حوار مع المنتمين وعشاق الصوفية في الغرب، خاصة إن هؤلاء باتوا يشكلون جزءاً هاماً في تشكيل وعي وفهم وانتماءات الكثيرين من محبي التصوف في الغرب وبعض المسلمين الجدد هناك؛ الأمر الذي حدا بالمؤسسات السياسية هناك للاستعانة بتلك الكوادر الذائعة الصيت لخلق حالات من التوازن وإضفاء معطيات روحية على المدنية الحديثة في الغرب من خال التصوف على حد وصفه. موجة التحديث الفكري "إننا على أبواب تقدم نوعي في أداء الطرق الصوفية"...هكذا يتحدث د.عمار على حسن صاحب كتاب الصوفية والسياسة في مصر ل"بوابة الطرق الصوفية والحركات الإسلامية" قائلا: قديما كانت الصورة النمطية التي تبدوا عليها الطرق هي الانقطاع عن الحياة للعبادة والاجتهاد في أشكال الزهد، فكانت بشكل عام وبصورة خاصة علاقة جوانية فردانية من خلال الانكفاء على الذات والهجرة من العالم الدنيوي والارتحال نحو الملكوت السماوي. هذا التحول برأي عمار جعلها تنتقل إلى المؤسسة الاجتماعية وذلك حينما نزلت إلى المجتمع واختلطت به، أصبح الدين فيها وسيلة اجتماعية تتأثر بالزخم الذي حولها بكل ألوانه وأشكاله مما جعله يتأثر بالفنون السائدة في هذا المجتمع. يقول د.عمار على حسن إن الطرق الصوفية في العقد الأخير وبشكل عام ومن خلال جهد جهيد وهيكلة تنظيمية لم تعرف من قبل أخذت التصوف كاتجاه ديني فلسفي روحاني في الوقت ذاته وأنزلته إلى عالم الواقع، وحينما أنزلته إلى عالم الواقع كان من الطبيعي أن يتأثر بكل ما يحويه هذا الواقع ويؤثر فيه أيضاً، من طقوس وقيم واتجاهات سياسية واجتماعية شتي وما تعتري تلك الضروب من مشكلات وعوائق شأنها في ذلك شأن بقية التيارات الأخرى. ويؤكد عمار على أن الطرق الصوفية في اللحظة الراهنة لا يمكن النظر إليها دون النظر في السياق العام المؤثر فيها، ويحاول عمار بذلك أن يرسل رسالة مفادها أن هذا السياق الذي يؤسس في الطرق الصوفية كاتجاه ديني بطبيعة الحال وبشكل عفوي يؤثر نفسه في الحركات التي يطلق عليها ب"حركات التغيير السياسي" أو تلك"المسيسة". ويدلل عمار على ذلك بقوله: إن الظروف المحيطة بحركة كفاية والجبهة الوطنية للتغير التي يقودها البرادعي تشبه الظروف المحيطة بالطرق الصوفية داخل مصر...ويضيف : درجة استجابة هذا يختلف عن ذاك- أي الطرق الصوفية عن التيارات السياسية الأخرى- على الرغم من أن السياق متشابه وأحادي في كلا التيارين ومن ثم فان التطورات الحادثة والتجديدات التي لا تتوقف من الطبيعي أن تؤثر في الطرق الصوفية بأشكالها المختلفة والمتعددة.