دون الدخول في متاهات تشخيص الواقع التلفزيوني المغربي أو الخوض في مسبباته أو ادعاء اقتراح وصفة سحرية قادرة على تذويب الحواجز والعوائق التي تقف وراء بروز تلفزة جديرة بمغرب الألفية الثالثة، أقف عند بعض الأفكار التي استطعت تكوينها من خلال تجربة جد متواضعة في إعداد مجموعة برامج بالتلفزة المغربية في الظروف الراهنة. وأعتقد جازما أن التلفزة المغربية لا تعوزها الكفاءات البشرية والإمكانات المادية، بقدر ما تنقصها الرؤية الواضحة والإدارة المناسبة القادرة على استيعاب فلسفة مديرها الجديد الذي لم يجد لحد الآن المحاور المناسب على رأس أغلب المصالح التابعة له، الذي يمكنه أن يحول طموح المغاربة إلى واقع ملموس على شاشة القناة الأولى شكلا ومضمونا، مع الإقرار بأن تقدما كبيرا قد تحقق في السنوات الأخيرة، سواء من حيث التراكم الكمي خصوصا بالنسبة للإنتاج الدراسي أو نوعية بعض البرامج. وأتصور أنه لإنجاز برامج تلفزيونية بالقناة الأولى بمعايير جودة عالية قادرة على شد انتباه المشاهد وقابلة للتسويق عربيا، لابد في البداية أن نتخلى عن أنانياتنا ونرجسياتنا وأن نؤمن بعمق أنه لا مناص من العمل الجماعي لإنجاز برامج تلفزيونية في المستوى، وأنه كلما كان الفريق كفأ وموسعا، وكانت اختصاصات ومهام أعضائه محددة بدقة كلما كان العمل ناجحا، من هنا وجب التفكير في خلق خلايا أو وحدات مساعدة لطواقم إعداد البرامج سواء منها ثقافية، إخبارية، وثائقية أو غيرها، تهتم كل واحدة منها بجانب من جوانب الإعداد والتهييء أو مرحلة من مراحله، كالتوثيق مثلا بما يستدعيه ذلك من توفر إمكانات البحث عبر الأنترنيت أو اتفاقات ثنائية مع الخزانات والجامعات أو مراكز البحث، إضافة إلى وحدة العلاقات العامة أو الاتصالات التي سبقت عمليات التصوير، تكون مزودة بأدوات الفاكس والهاتف وحواسب لطبع الإرساليات وغيرها، إلى غير ذلك من البنيات التي تجعل عملية إنجاز برنامج في غاية السهولة والتنظيم. شروط النجاح تتوقف أيضا على وفرة وحدات التوضيب، فلابد أن يكون هناك توازن بين حجم الإنتاج وعدد آليات التوضيب الموجودة، حتى تأخد عملية التوضيب وقتها الكافي وتتم وفق منظور إبداعي وجمالي يناسب الموضوع والجنس الصحفي، وفي هذا السياق لابد من التأكيد أيضا على أن توفر أستوديوهات خاصة بتسجيل الصوت يعد من الضرورات الملحة وسيكون من الخطأ الاعتقاد أنه يمكن إنجاز برامج تلفزيونية بصوت جيد في غياب استوديو المكساج. وحبذا لو توفرت التلفزة المغربية على استوديوهات خاصة بالاستجوابات واللقاءات التلفزيونية فقد بات من غير اللائق البحث في كل مرة عن فنادق أو أماكن خارجية كلما تعلق الأمر بحوارات وغيرها. ومسك الختام أن توفر لهذه البرامج التي نريد منها أن تكون في المستوى ميزانيات محترمة تناسب طموحاتها وتفي بحاجياتها من حيث الديكور والتنقلات والملابس وغيرها، ولن أنسى هنا ضرورة تحفيز الإطار الصحفي للقناة الأولى ماديا وتشجيعه على الخلق والإبداع والمجازفة. لاشك أنه إذا توفرت هذه الشروط فإن المشاهد المغربي سيستمتع ببرامج تعكس آماله وطموحاته وهمومه ولاشك أنه سيكون راض عنها وغير آسف على الأموال التي يدفعها مساهمة في تمويل تلفزته الوطنية. نور الدين رقيب-معد برنامج تواصل بالقناة الأولى