نتابع الشأن العراقي من خلال وسائل الاعلام، كما تابعناه من قبل خلال زيارة لبغداد والفلوجة والرمادي قبل شهور قليلة، والأهم، نتابعه من خلال لقاءات مع عدد من الاعلاميين الذين يتوافدون تباعاً من بغداد ممن رحلوا بحثاً عن المعلومة الصحيحة بعيداً عن أدوات التضليل الأمريكية، وبعيداً كذلك عن اخفائها من قبل الفضائيات العربية التي تفعل ذلك خوفاً من سطوة الاحتلال وكذلك من بنادق ومتفجرات اتباعه التي قد تقتل أي أحد دون رقيب ولا حسيب!! نقول ذلك، ليس تأكيداً على ضآلة المعلومات الصحيحة بشأن المقاومة العراقية: هويتها وفعلها على الأرض، سيما في الفضائيات، فذلك أمر بات معروفاً للقاصي والداني، بل من أجل الحديث عن مسألة لم تتوقف لعبة ترديدها منذ شهور في وسائل الاعلام وعلى ألسنة المسؤولين الأمريكان، سواءً السياسيين منهم أم العسكريين، على تفاوت وتناقض فيما بينهم. وهي عموماً، السمة التي حكمت الخطاب الأمريكي حيال العراق وقضاياه منذ التاسع من نيسان الماضي. المسألة هي مشاركة "المقاتلين الأجانب" في المقاومة، وتبعاً لذلك المواقع التي يتسللون منها إلى العراق، حيث يشار إلى سوريا وإيران بوصفهما المعنيتان بذلك بعدما تراجع الاتهام للسعودية. ما يمكن التأكيد عليه في هذا السياق هو أن مشاركة اي عربي أو مسلم في المقاومة ضد المحتلين أو دعمها بمختلف أشكال الدعم هي أمر محمود ولا يمكن أن يصنف إرهاباً بحال من الأحوال، لكن الجانب الآخر الذي يمكن التأكيد عليه أيضاً هو أن المقاومة في العراق كانت ولاتزال تتم بأيدٍ عراقية، وأن حضور العرب الآخرين فيها غائب غياباً شبه كامل، حتى لو وجد بضعة مقاتلين منهم هنا أو هناك. السبب في ذلك هو أن العراقيين الذين يقاومون ليسو خارجين في الجبال، وليس لهم ملاذاً محايداً يأوون إليه كي يستقبلوا المتطوعين كما كان الحال في أفغانستان، وإنما هم رجال ينفذون عملياتهم ويعودون إلى بيوتهم ويندمجون في مجتمعهم، وهو ما لا يتوفر للآخرين الذين يسهل التعرف إليهم ومن ثم اعتقالهم، وإذا شاء المعنيون حمايتهم فسيكلفهم ذلك جهداً يمكن أن يوفروه للمقاومة بدل الانشغال بتأمين الحماية لأولئك المقاتلين. من هنا يتبدى زيف تلك المقولة حول تسلل المقاتلين من سوريا إلى العراق التي استخدمت ولازالت تستخدم أمريكياً ضد دمشق من دون دليل مقنع. وإلا فلماذا لا يعرض الأمريكان أمام وسائل الإعلام بعضاً من أولئك المقاتلين، مع أنهم يكدسون في السجون ما يزيد عن ثمانية عشر ألف معتقل عراقي بتهمة المشاركة في المقاومة؟ ليس هناك متسللون ولا ما يحزنون، لكن الغزاة مأزومون ويبحثون عن أكاذيب يصدرون بها أزمتهم إلى الخارج، سيما وهم يجدون عوناً دائماً من الأذناب الذين يحلو لهم القول إن المقاومة ليست عراقية، خشية إدانتهم بنقيض المقاومة وهو التعاون مع الاحتلال. مطلوب من سوريا أن توقف دعمها للمقاومة الفلسطينية من أجل صهاينة الإدارة الأمريكية الحريصين على أمن دولتهم، ومن أجل الصقور الخائفين من تفجير جبهتين في الآن نفسه، أما الأهم فهو مساعدة الولاياتالمتحدة على تثبيت احتلالها للعراق، وفي الحالين يبدو الطلب مستحيلاً، ولذلك ستتواصل الضغوط، ولن يكون قانون بوش الجديد لمحاسبة سوريا سوى حلقة من حلقاتها، لكن قدرة دمشق على المقاومة تبدو معقولة في ضوء مأزق الطرف الآخر وفي ضوء آفاق الحشد الاقليمي مع طهران وأنقرة، ومعه بعض التماسك في الموقف العربي. ياسر الزعاترة