أربعة لا أقدر على مكافأتهم مما يذكر عن عبد الله بن العباس -رضي الله عنهما- قوله: أربعة لا أقدر على مكافأتهم: رجل بدأني بالسلام، ورجل وسع لي في المجلس، ورجل أغبرت قدماه في المشي في حاجتي، وأما الرابع فما يكافئه عني إلا الله -عز وجل. قيل: من هو؟ قال: رجل نزل به أمر فبات ليلته يفكر فيمن يقصده، ثم رآني أهلاً لحاجته، فأنزلها بي. وبعد، فإنك تستطيع أن تقرر بهدوء وطمأنينة، بناء على فقه هذا الرجل العظيم، أن الرجال الذين لا يكافؤون أربعة، لعظيم فعلهم، وسمو صنيعهم، وسبق همتهم. ففي الوقت الذي نرى فيه من الواجب على الناس أن يطرحوا علينا السلام، وأن يبادروا لفعل ذلك، فإن فعلوا فقد أدوا واجباً، لا يستحقون عليه شكراً ولا ثناء، وإن لم يفعلوا حملنا عليهم وغضبنا منهم، وصرمنا حبل مودتهم، ترى هذا الرجل الكبير يجعل المبادر بالسلام، كأنه يقدم معروفاً، ويصنع إحساناً يطوق به عنقك، وديناً عظيماً لا تقوى على سداده. فشتان شتان بين الفقهين، الأول يؤكد المودة والمحبة بين الإخوان، والثاني يثقل كاهلها، ويقطع دابرها، بمنطق الحسابات الضيقة. وهذا أول ما في هذا الفقه من عجب، وثاني العجب كأوله، وهذا في إفساح المجلس، ففي الوقت الذي نرى فيه لزاماً على الناس أن يجلسونا ويوسعوا لنا في المجالس، يرى هو فضلهم وكرمهم، وحسن أخلاقهم، وطيب أصلهم، في هذا الصنيع، فيرى فيه صنيعاً لا يكافأ، وسبقاً لا يلحق. ومرة أخرى، شتان شتان بين الفقهين! والرجل الثالث الذي لا يكافأ في صنيعه، هو الذي يمشي في قضاء حاجتك، ويسعى في سداد دينك، ويجتهد في فك عسرتك، وإدخال السرور عليك: حقاً، من كان هذا هو فإنه لا يكافأ، فكيف بالذين لا يقدرون حق هؤلاء، وكثيراً ما يردد أحدهم: ماذا فعل لي؟! وما هو الجميل الذي صنعه، صحيح أنه قدم لي معروفاً، لكني لم أطلب منه هذا، هو الذي فعل دون طلب مني، ثم إنه شيء بسيط جداً، لا يستحق أن أحفظه له حياتي كلها، ويكفيه بل ويجزيه أن أقول له: شكراً، فهذا كثير جداً على معروفه ذلك! وهذا إن صح الوصف لئيم، واللئيم لا يعرف قدراً، ولا يقدر معروفاً، كما قالت العرب:اذا أكرمت الكريم ملكته، وإذا أكرمت اللئيم تمرد. فاحذر أخي في الله أن تكون واحداً من هؤلاء، الذين أصبحت أعدادهم في ازدياد. أما العجب العجاب في فقه هذا الرجل، أن يرى في الذين يطرقون بابه، فينزلون به حاجتهم، ويطلبون معونته، ويرجون مساعدته، ويسألون معروفه، ويرونه أهلاً لقضاء حاجاتهم، والسعي في مرادهم، أن يرى لهؤلاء فضلاً عظيماً، وديناً في عنقه، لا يستطيع وفاءه أو قضاءه، فمن أنزل بك حاجته لا يكافأ، فمن الناس أقوام انتدبهم الله واختارهم واصطفاهم من بين خلقه لقضاء الحاجات، والسعي في الملمات، يصلح الله بهم الفساد، ويجمع بهم القلوب، ويوحد بجهدهم الصفوف. فمن انتدبك لهذا، ذكرك بفضل الله عليك، فله في عنقك دين لا يقضى، وصنيع لا يكافأ! بالإضافة إلى أن الأخ الصادق في أخوته، هو الذي ينزل حاجته عند أخيه، وهو الذي يرى وجوب ذلك في عنق الأخوة، فلا خير في أخ لا يرجو أخاه عند الحاجة، ولا خير في أخ لا يجده أخوه عند الحاجة! الدكتور عبدالله فرج الله