من تمام إيمان المؤمنين وأخلاق المحسنين أن يعرضوا عن الجاهلين حينما يخاطبونهم ويقولوا سلاما {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً}، كما أمروا ألا يجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}، وأن يمضوا في طريقهم إذا سمعوا اللغو {والذين هم عن اللغو معرضون}. وقديما قالت العرب: «القافلة تمضي والكلاب تنبح». لكنهم أمروا أيضا أن يردوا على المعتدي بالقول البليغ الذي يكشف الحجب ويخترق الحواجز النفسية الهشة لمن في قلوبهم مرض أو زيغ أو غرض آخر، ولمن يتطاول في الكلام والهجاء، ويتجاوز حدود اللياقة الأدبية عندما يفقد الصواب وتنهار فرامله وضوابطه فيحتاج لكوابح قوية ترده إلى جادة الصواب. والمسلم ليس باللعان ولا بالطعان ولا بالفاحش المتفحش في القول، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود: «ليس المؤمن باللعان ولا بالطعان ولا بالفاحش ولا بالبذيء»، ولكنه مطالب بالكشف عن حقيقة المخادعين الوالغين في الأعراض، الذين يتلذذون بتلطيخ سمعة الصادقين والنزهاء العقلاء، {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا}. لقد تجاوزت جريدة الأحداث المغربية المدى، وفقد كاتبها المهووس السابح ضد التيار عبد الكريم الأمراني صوابه إن كان له صواب، وذلك في مقاله المنشور في عدد يوم 5 غشت على الصفحة العاشرة تحت عنوان: «عن الأخلاق على الطريقة الريسونية»، حيث تهجم على الدكتور أحمد الريسوني بأقبح النعوت والسب والشتم الساقط، وعلى حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية متهما الجميع بأنهم فرع للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وبتلقي الأموال من هذا التنظيم، وبأن الولاء للتنظيم الدولي للإخوان عند الريسوني وحركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية أكبر وأوثق وأعمق من ولائه للوطن. إن الدكتور أحمد الريسوني وحركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية معروفون بما هم معروفون به عند الخاص والعام. أما جريدة الأحداث المغربية فمعروفة بما هي معروفة به عند المواطنين. فلهذا، فلا نجد إلا أن نقول لها ما قاله يوسف عليه السلام لإخوته: {أنتم شر مكانا والله أعلمبما تصفون}. ولذلك، فإن «التجديد» قررت بعد صبر جميل وإعراض طويل أنها لن تسكت على هذه الاتهامات الباطلة والأكاذيب المفضوحة الصادرة عن منبر يتقطر بالحقد والكراهية، ويسيل بقذائف الزور والبهتان، المدجج بأسلحة الإرهاب الفكري والتحريض الأمني ضد كل من يخالفه الرأي والتوجه، المتخصص في تشويه الإسلاميين كل الإسلاميين والتدين والمتدينين في المغرب وخارج المغرب. لم تعد تخفى على أحد المقاصد المدنسة التي أخرجت من أجلها الأحداث المغربية حتى صارت متخصصة في أربعة قضايا جوهرية أصبحت علامة مميزة لها وصارت بتلك العلامة ماركة مسجلة لا تنافس فيها، وتعدد تلك القضايا فيما يلي: 1 التشكيك المتواصل في أصول الإسلام وعلى رأسها القرآن والسنة بنشر كل ما وقع تحت يديها من مقالات ودراسات شاذة في الموضوع مثل مقالات الشيوعي المخابراتي التونسي العفيف لخضر ومقالات القمني والمصري فودة والسوري حيدر حيدر والجزائري الفرنسي محمد أركون، وغيرهم كثير. 2 محاربة الأخلاق والفضائل وتزيين الفاحشة والعمل على إشاعتها وتقديم الأسرة المغربية والمجتمع المغربي، وكأنهما غارقان من رأسهيما إلى قدميهما بكبارهما وصغارهما، بمراهقيهما وراشديهما في الجنس وزنا المحارم والشذوذ، وذلك لا يعني أننا ننكر وجود بعض هذه الظواهر داخل مجتمعنا ولكن مقصودنا أن الجريدة المذكورة تجعل من ذلك زاويتها الأساسية في المعالجة بهدف التطبيع مع تلك السلوكات، وتحت شعارات تحطيم الطابوهات وفضح المسكوت عنه داخل ثقافتنا، ناهيك عن الأبعاد التجارية المتمثلة في أن دغدغة الغرائز هو الطريق الأقصر لجلب شريحة من القراء المراهقين أو العائدين إلى المراهقة الذين يعانون مما يسميه خبراء علم النفس ب القزامة النفسية. السعي في الوشاية والإيقاع بمكونات من الحركة الإسلامية وخاصة حركة التوحيد والإصلاح بانتهاز كل مناسبة للتدليل على أنها حركة غير معتدلة وأنه لا يوجد معتدل داخل مكونات الحركة الإسلامية وأن المقاربة الوحيدة الناجحة في هذا المجال هي المقاربة البوليسية الاستئصالية كتلك التي تبناها الجنرال بنعلي في تونس أو كتلك التي تبناها العسكر الاستئصالي في الجزائر حينما انقلبوا على نتائج الانتخابات في الجزائر وقادوها إلى حمام دم من خلال خلق بعض الجماعات المسلحة واختراق بعضها الآخر وإعطائها أسماء إسلامية، مما أصبح ثابتا في دراسات نشرت في الموضوع واعترافات مكتوبة لبعض الضباط في الجيش والمخابرات الجزائرية، وفي هذا الصدد لا يتورع المدعو عبد الكريم الأمراني عن الدعوة إلى تبني النهج البوليسي الذي اتبعه الجنرال بن علي في تونس مع الحركة الإسلامية حيث يقول: >ليس هناك خيار أمام النظام إلا النهج التونسي في التعامل مع الحركات الأصولية، وتذكر كلامي، الأنظمة العربية ستكون مضطرة لنهج نفس طريقة تعامل الرئيس زين العابدين بن علي مع الأصوليين ولكن بعد فوات الأوان، وذلك بتجفيف منابع الأصوليين< (حوار للمعني بالأمر مع موقع إيلاف) وتجفيف المنابع كما هو معروف في التجربة التونسية هو تجاوز المواجهة السياسية مع حركة النهضة إلى مواجهة الثقافة الإسلامية بالتضييق على المساجد وإغلاق جامعة الزيتونة وتمكين الشوعيين القدامى من وزارات التعليم والثقافة كي يعيثوا فيها فسادا وتشكيكا في أصول الإسلام الثابتة... إلخ. السعي إلى تشويه الرموز والقيادات الوطنية والإسلامية في الداخل والخارج بشكل تجاوز بكل الحدود وكل الضوابط والمعايير الخلقية والمهنية والسياسية التي تضبط الكتابة الصحفية والجدل السياسي والفكري، بحيث وصلت إلى النيل من الأشخاص والأعراض وإلى الفجور في الخصومة وتلفيق التهم والأكاذيب بحيث لم يسلم من ذلك لا يمين ولا يسار ولا إسلاميون وعلمانيون ولا أموات ولا أحياء ولا أحزاب وهيئات أو نظام ولا سياسات، وهو ما يكشف أن الأمر تجاوز عند بعض كتاب الأحداث المغربية ومنهم المدعو عبد الكريم الأمراني التعبير عن موقع فكري وايديولوجي يستهدف المقومات الأساسية للدولة والمجتمع المغربيين، للتعبير عن سادية مرضية لا تتورع عن استخدام الساقط من السباب والألفاظ والتشبيهات مما لا يمكن أن ننسبه إلى مشروع فكري أو إلى حداثة أو عقلانية مزعومتين، ولا يمكن لعاقل أن يساير المعني بالأمر فيه، حتى أن المتتبع لما يكتب الأمر يكاد يجزم بأنه يكتب وكأنه متمتع ب حصانة ما، وإما من بعض أصحاب الحال أو من جهات خارجية، مع الانطلاق من شعور مرضي يجمع بين نرجسية لا حدود لها تجمع إلى جنون العظمة أعلى درجات السادية، وليس غريبا أن نجد أن المعني بالأمر قد اتخذ للركن الذي يكتب فيه عنوانا يحمل كل هذه المعاني وذلك حين سماه ضد التيار فهي تسمية تدل على هذا الشذوذ، وعلى تلك الأنانية المرضية التي تصل حد جنون العظمة التي تجعل الشخص الواحد في مواجهة العالم وتهييء له أن العالم كله في مواجهته. مناسبة العودة إلى الأحداث المغربية وهو ما كتب المدعو عبد الكريم الأمراني تحت الركن المذكور في عدد 5 غشت 2004 من الأحداث المغربية تحت عنوان عن الأخلاق على الطريقة الريسونية، وأسارع إلى القول إن المقال ليس دفاعا للريسوني ولا دفاعا عن أخلاقه لسببين اثنين: أن أخلاق الريسوني يعرفها الخاص والعام ويعرفها الذين يعايشونه يوميا يعرفها أهله وأبناؤه وجيرانه وأهل حيه ويعرفها طلبته وزملاؤه، ويعرفها أعضاء حركته الذين انتخبوه لثلاث مرات متتالية، كما يعرفونه من أخلاقه شهامته وزهده في الألقاب والمسؤوليات حينما قرر بمحض إرادته أن يقدم استقالته لما رأى أن استمراره قد يكون عنصر إساءة للحركة بكاملها بسبب بعض التأويلات المغرضة أو القراءات الخاطئة التي أعطيت لبعض تصريحاته، واستمر رغم ذلك عضوا عاديا داخل المكتب التنفيذي للحركة ولكن له مكانته وتقديره لدى إخوانه من أبناء الحركة أعضاء وقيادات. وأخلاق الريسوني يعرفها كذلك أبناء حزبه الذين صوتوا عليه رغم غيابه عن المؤتمر الوطني لحزب العدالة والتنمية، ورغم عدم حرصه على على العمل في الواجهات السياسية والحزبية. وأخلاق الريسوني يشهد بها بره بوالديه ذلك أن لم يكن في يوم من الأيام جبارا أو شقيا ولم يكن مسخوط الوالدين يعنف والديه مثل بعض القوم ممن يعرفهم المدعو الأمراني ممن يسيئون إلى والدتهم ويطردونها من مساكنهم وينعتونها ب الشقفة. وأخلاق الريسوني يشهد بها زهده في الدنيا وورعه، فهو لم يسمح لنفسه ولن يسمح أن يبقى متقاضيا لأجرة أستاذ أكثر من عشر سنين وهو لا يعتب في الفصل، والأمراني يعرف من نقصد ومن نعني. والريسوني كأستاذ أو داعية كان وما يزال يعلم الناس ويربيهم على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى الصلاة عليه صلاة كاملة إذا نطق أو كتابة لا أن تخرج من فمه كلمة متلكئة تصفه بالرسول الكريم، ولم يكن في يوم من الأيام يجرئهم على تجاوز الأدب اللازم معه بأن يصرح فيهم بوقاحة أنتم أحسن من النبي مثل بعض القوم ممن يعرفهم المدعو الأمراني. وقائمة الأخلاقيات التي يتحدث عنها المدعو الأمراني طويلة عريضة لنا إليها عودة وتفصيل.. مع الاعتذار للدكتور الريسوني عن مقارنة ما لا يقارن. محمد يتيم