عبر خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس عن سعادته بوجوده لأول مرة بالمغرب كما أشاد في حوار مع التجديد بتجربة المغرب السياسية وعن تقديره ل «حكمة القيادة المغربية ممثلة في جلالة الملك محمد السادس في التعامل مع استحقاقات الربيع العربي»، معربا عن متمنياته لهذا النموذج بالنجاح «وأن يتعاون الشعب المغربي بكل قواه السياسية لإنجاح النموذج بما يحقق الخير للشعب المغربي وللدولة المغربية». خالد عبد الرحيم إسماعيل عبد القادر مشعل، قال، عن مسلسل السلام والمفاوضات الذي دخل فيه العرب منذ عقود أنه تحول مع مرور الوقت إلى استسلام ومراوحة في المكان وإلى استنزاف سقوف المطالب والحقوق الفلسطينية العربية «لأن هذه المسيرة لم تتوفر لها أوراق القوة اللازمة» مؤكدا على أن الضعيف لا يمكن أن يستفيد من الحوار. ودعا مشعل الشارع العربي إلى الاستمرار في حراكه الداعم للقضية الفلسطينية مبرزا الدور الحاسم لهذه الأشكال التي قال بأنها غير كافية لوحدها، في دعم الفلسطينيين والضغط على المنتظم الدولي لوقف مجازره ضد الفلسطينيين. وعن مستقبل إسرائيل الحديث عن زوالها قال أبو الوليد «لا شك لدي بأن إسرائيل وإن بلغت الذروة لكنها الآن في حالة انحدار، والأمة وإن تراجعت فقد بدأت اليوم مسيرة النهوض»، لكن هذا اليقين العقدي والتاريخي في زوال إسرائيل يؤكد مشعل لا ينبغي أن يطبث العزائم، بل لابد أن يقوده عمل حثيث في الميدان». ● الأستاذ خالد مشعل مرحبا بك في المغرب .. نود بداية معرفة ارتساماتك حول أول زيارة لك للمغرب وحول ما تركته أجواء المؤتمر الوطني السابع لحزب العدالة والتنمية من أثر في نفسك؟ ●● بسم الله الرحمان الرحيم، لا شك وأنا في هذه الزيارة الأولى للمغرب العزيز أشعر بسعادة غامرة، أنا وإخواني في وفد حركة المقاومة الإسلامية حماس، وكنت أسمع عن المغرب الكثير وعن شعبها المضياف المرحب بكل زائر والمتفاعل بشكل استثنائي مع قضية فلسطين والمحب لها، لكنني وجدت الواقع كما وصف لي وزيادة فكنت في غاية السرور ولله الحمد. وأتمنى أن تكون هذه الزيارة إن شاء الله استهلالا لمزيد من الزيارات والتواصل، فالمغرب بلد عزيز علينا ونحن حريصون على حسن العلاقة معه ومع شعبه الكريم. وبالتأكيد مع قيادته الكريمة، ونحن كأبناء فلسطين وخاصة في حركة حماس حريصون على عمق العلاقة مع أمتنا العربية والإسلامية لأننا أمة واحدة من ناحية، وهمنا ومصالحنا واحدة ومن ناحية أخرى لأننا أصحاب قضية ومحتاجون لأمتنا في قضية فلسطين وصراعنا مع العدو الصهيوني، فأعبر مرة أخرى عن سعادتي بهذه الزيارة وعن سعادتي أيضا في أن شاركت إخواني في حزب العدالة والتنمية في مؤتمرهم الوطني السابع وأشكرهم على الدعوة، ومع ذلك فأنا لا أعتبر نفسي ضيفا على حزب واحد وإن كان لهم الفضل والشكر في دعوتي لكنني ضيف على المغرب كله ونحن حريصون على العلاقة مع الجميع إن شاء الله ونتمنى للمغرب كل خير. ● تعتبر القضية الفلسطينية إحدى القضايا الملهمة للحراك الديمقراطي فكيف ترون أفق استفادة القضية من هذا الربيع الديمقراطي؟ ●● لا شك أن هذه الأمة وكما في الحديث النبوي الشريف، مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له باقي الأعضاء بالسهر والحمى، والتداعي والتأثير هو متبادل وهو أيضا حرص وتحفيز الجميع إلى كل عضو يحتاج إلى نصرة هذه الأمة بجميع أعضائها، فلاشك أن قضية فلسطين كانت ملهمة للأمة ولشعوبها وتطلعها للحرية والكرامة ولإصلاح شأنها الداخلي، وبالتالي فنحن نقدر الأمة التي تفاعلت ووقفت مع قضية فلسطين، ولا شك أن الأمة في ربيعها الجميل الذي يعني النهضة والتنمية ويعني الإصلاح ويعني تحقق تطلعات الشعوب في الحرية والديمقراطية، فكل ذلك لا شك أنه يشكل أملا لنا في معركتنا مع العدو الصهيوني. فكلما قويت الأمة كلما شكل لنا هذا حافزا في النصر والتحرر والتحرير وبالتالي فنحن واثقون من أن الأمة تسير على الطريق الصحيح، ونحن نعي أن لها أولوية المصالح الوطنية وتحقيق تطلعات شعوبها ولكن في ذات الوقت تعزيز دور الأمة وريادتها ومكانتها وهيبتها وأوراق القوة التي تملكها وقدرتها على الحفاظ على أمنها واستقرارها وقرارها وثرواتها وبالتالي قدرتها الأكبر في موضوع فلسطين. فنحن واثقون أن ربيع الأمة وإن صرف الأضواء مؤقتا على قضية فلسطين غير أن ذلك يعد بدور أكبر للأمة في القضية الفلسطينية. ● دعوتم في تونس بمؤتمر حركة النهضة الأخير إلى بناء إستراتيجية عربية لنصرة فلسطين فما هي معالم هذه الإستراتيجية وما السبيل في نظركم لتحققها؟ ●● أنتم تعلمون أن الأمة العربية اختارت ما يسمى بطريق السلام منذ مدريد 1991 وسارت فيه بشكل مجمل وبعد 21 سنة على هذه المسيرة، تحول الحديث عن خيار السلام مع مرور الوقت إلى استسلام ومراوحة في المكان وإلى استنزاف سقوف المطالب والحقوق الفلسطينية العربية لأن هذه المسيرة لم تتوفر لها أوراق القوة اللازمة وكان البعض يعتقد أن حالة الضعف الذي تعانيه الأمة والتي لا تسمح لها بخوض الحرب على إسرائيل بسبب اختلال موازين القوى، وكانوا يظنون أن هذا يسمح بالمقابل بنجاح عملية السلام، ولم يكونوا يتصورون أن صناعة السلام كانت تحتاج إلى ميزان قوى، لأن السلام لا يصنع مع الضعفاء والضعيف لا يستطيع دون قوة أن يحقق ما يريد ، لقد عشنا عقدين من سنوات عجاف أثرت سلبا على حقوقنا وعلى صمودنا وأغرت العدو بنا ودفعته إلى المزيد من التشدد وصنع الأمر الواقع للأنظمة، فإلى متى سنظل نعيد إنتاج المشاريع الفاشلة؟ إلى متى نظل نراوح المكان ونردد مقولات ثبت فشلها، ومن يستمع إلينا بالشرق والغرب يعي أننا لا نتحدث عن خيارات نملكها بل نتحدث عن حالة عجز نغطيها بالمفاوضات، ولذلك فقد آن الأوان اليوم -بل كان مطلبنا منذ زمن،- لتغيير الإستراتيجية والبحث عن خيارات أخرى والذي شجعنا أكثر اليوم هو الربيع العربي والنهوض العربي، وأعتقد أن الأمة اليوم لها خيارات متعددة، وكما أقول دائما ليس البديل عن المفاوضات هو الذهاب إلى الحرب فأعرف أن ظروف الحرب غير مواتية اليوم بسبب موازين القوى لكن بين هذين الخيارين هناك درجات وخيارات عديدة، وعندما تتوفر الإرادة والرؤية السليمة وحسن تقدير الموقف تستطيع الأمة أن تجد الكثير من الخيارات بدليل أننا حتى ونحن في حالة الضعف جربنا ولو جزئيا بعض الخيارات ونجحت وما أنجزته المقاومة في جنوب لبنان وبقطاع غزة وما أنجزه الحراك العربي الجماهيري أثناء الحرب على غزة وغيره من المرات لدليل على ذلك. نحن إذا نتوفر اليوم على خيارات متعددة. ● يحاول البعض اليوم التقليل من حجم ودرجة تأثير المسيرات والوقفات الاحتجاجية المناصرة لفلسطين بالشارع العربي، معتبرا في أن الأمر أصبح روتينيا وربما غير ذي جدوى فكيف تنظرون إلى هذا الرأي ؟ ●● ليس صحيحا أن هذه الوقفات والمسيرات غير مؤثرة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نحن لا نكتفي بالمسيرات، بل نود أن تكون ضمن خيارات متعددة ومنظومة تحرك متكاملة، فهي مؤثرة بكل تأكيد، كيف؟، من جهة هي ترفع معنويات شعبنا، وهي رسالة بالغة الأهمية، فعندما يتحرك الشارع المغربي أو التونسي أو الخليجي أو العربي بصفة عامة، يعطي رسالة للشعب الفلسطيني أنهم ليسوا وحدهم، بل الأمة تقف معهم، وهذا له تأثر معنوي هائل، لذلك ندعو إلى الاستمرار في المسيرات والتظاهرات، فأنتم قد لا تستشعرون أهميتها إلا أنكم تؤدون الواجب، وتعبرون عن مشاعركم، لكن المتلقي في فلسطين يشعر بأهميتها . الأمر الثاني ، التظاهرات هي رسالة للعدو الصهيوني بأن الشعب الفلسطيني لن يترك لوحده في الميدان، فتعرف إسرائيل أن الأمة حية حتى وإن كان العرب مروا في مرحلة ضعف ، وفلسطين تعني لها الكثير . والأمر الثالث وهو رسالة للمجتمع الدولي وللغرب حتى يعرف ويعيد حساباته ويعلم أن هذه الأمة متفاعلة مع فلسطين، ولذلك قلت في الحرب على غزة أن أحد المدخلات للتأثير في القرار الدولي والتعامل مع الحرب على قطاع غزة، هي حركة الشارع العربي الهائلة التي خوفت الغرب والشرق من أن يؤثر ذلك على مصالحهما، وعلى حلفائهما بالمنطقة، فكانت أحد العوامل التي دفعت إلى الاستعجال لوقف الحرب، ليس حبا في الشعب الفلسطيني ولكن لاعتبارات مصلحية. ومن زاوية أخرى نحن لا نقول باعتماد هذا المسار وفقط، وإنما التفاعل الجماهيري والوقفات الاحتجاجية، كل ذلك يكون ضمن منظومة متكاملة فيها العمل الجماهيري والإعلامي والضغط الدبلوماسي والسياسي، فيها ضغط الجماهير وضغط النظم والحكومات، وفيها تشكيل موقف عربي داعم للمقاومة ماليا ومعنويا وسياسيا، وفيها ملاحقة العدو في المنابر المختلفة، وفيها أيضا الضغط على العدو في المؤسسات الدولية والإقليمية، للكف عن الانحياز لإسرائيل والوقوف مع الحق الفلسطيني، خاصة في ظل الربيع العربي الذي أفرز اليوم حكومات منتخبة وقيادات منتخبة، وهذه الإستراتيجية هي التي نتطلع إليها، فحركة الجماهير على الأرض في مختلف البلدان والعواصم، هي جزء من هذه المنظومة. ● يطرح التطبيع مع الكيان الصهيوني خطورة كبيرة على القضية الفلسطينية فكيف تنظرون اليوم إلى دعاته ومبرراتهم؟ ●● التطبيع مرفوض ومدان، كيف نطبع مع عدو ومحتل، لماذا يكافئ هذا العدو بالعلاقة معه، حتى من حيث المبدأ لا يجوز لأي عربي أو مسلم أن يقيم علاقة مع الكيان الغاصب، هو يغتصب أرض فلسطينية عربية وإسلامية وأرض مقدسة ومباركة وتعني كل عربي ومسلم، فلسطين بالمفهوم الوطني القومي تعني العرب، وبالمفهوم الديني تعني العرب والمسلمين جميعا، وبالمفهوم التاريخي والمصير المشترك، هي أرض الإسراء والمعراج، وقبلة المسلمين الأولى وفيها القدس والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة، تعني العرب والمسلمين والمسيحيين في المنطقة وفي العالم، فمن حيث المبدأ لا يصح موضوع التطبيع، ومن حيث المنطق لا يصح أيضا أن يكافئ عدو يحتل ويغتصب ويعتقل ويقتل ويهود القدس ويعتدي على المقدسات ثم نكافئه. وثالثا، بعض الناس كانوا يطرحون التطبيع متجاوزين البعد المبدئي والأخلاقي والمنطقي، ويعتقدون أنه قد يكون للتطبيع قدرة للأطراف المطبعة للضغط على إسرائيل، وثبت أن الدول التي تقيم علاقات مع إسرائيل ومطبعة معها، لم تنجح في ذلك، لأنه بالعكس ظهرت بمظهر الضعف، ونحن أبناء فلسطين نعتبر التطبيع مؤذيا لنا، ويخدم إسرائيل ويشعرها أنها مهما فعلت لا أحد يعاقبها بل تكافئ من طرف بعض الأطراف. اليوم في ظل نهضة الأمة لا مكان للتطبيع، إن سعى البعض في الماضي للتطبيع وهو خطأ في جميع الأحوال، فلا يصح اليوم أبدا في ظل نهضة الأمة وفي ظل إصرار إسرائيل على الاحتلال والاستيطان ورفضها للحقوق الفلسطينية وتصرفها بتعال وتعنت ولا مبالاة. ● تتحدث دراسات وتقارير عدة في الآونة الأخيرة عن قرب نهاية إسرائيل وترجع ذلك إلى أزماتها الداخلية وتراجع صورتها إقليميا وعربيا، ثم إلى الضربات التي تلقتها سنة 2000 بجنوب لبنان و2005 بالانسحاب الأحادي لشارون من غزة و2009-2008 معركة الفرقان، إلى أي حد ترون صوابية هذه القراءة؟ ●● أولا لابأس بالمأشرات، لكن تلك المؤشرات لا تستغرقنا ولا نغرق فيها، ويكفينا أننا أصحاب قضية عادلة، وأننا أصحاب الأرض والحق، وأن قضيتنا عادلة، يكفينا عدالة القضية وأن الله وعد المؤمنين بالنصر، فنحن موعودون بالنصر على إسرائيل، فهناك وعد الله وبشارة الرسول صلى الله عليه وسلم، أيضا نحن نستند إلى التاريخ، ففلسطين هذه وإن تعرضت لغزوات على مر التاريخ، أهلها كانوا منتصرين دائما حتى وإن طال الزمن، وبالتالي مسيرة التاريخ تنبئ أيضا بذلك. أعتقد أن هذا يكفي، فكيف إذا أضفنا إليه من مؤشرات وقرائن وهذا التحول في الرسم البياني لمسار الأحداث، فلا شك لدي بأن إسرائيل وإن بلغت الذروة لكنها الآن في حالة انحدار، والأمة وإن تراجعت لكنها بدأت اليوم مسيرة النهوض، فلا شك عندنا أن الموازين بدأت تتغير، لكن هذا يحتاج إلى بعض الوقت وإلى المزيد من الجهد المضاعف والعمل المضني والإبداع في العمل والتضحيات، ولذلك جيد أن نستبشر، ومن حق المؤمنين أن يستبشروا، لكن نستبشر ونحن في الميدان، وما يستغرقنا هو العمل، «وقل اعملوا»، لا يجب أن تأخذ هذه المبشرات أكثر من مساحتها، لكي لا نتحول إلى نوع من الركون ومن تثبيط العزائم والدخول في حالة من الانتظار، وكأن التاريخ يتحرك هكذا وليس عن طريق مسيرة الشعوب، نحن مأمورون والتركيز الأساسي يجب أن يكون على العمل لأن إدارة المعركة ليست بالأمر الهين، والأمة ضحت بأعداد هائلة حتى حققت النصر، والنصر ليس مجرد أمنية أو بشارة، وإنما مسيرة من العمل والجهاد، وبالتالي نحن نثق بوعد الله وبما ورد في الكتاب والسنة من بشارة ونستبشر بمسيرة التاريخ ونعرف أن هذه الأمة وإن كبت أحيانا لابد لها أن تنهض، والأصل هو العمل والتوكل على الله عز وجل. ● أي دور تتوقعونه لمصر الثورة وتجربة الجمهورية المصرية الثانية في القضية الفلسطينية ودعم صمودها وتعزيز المصالحة الوطنية؟ ●● طبعا كما قلت، نهضة الأمة في ربيعها الجديد هي قوة مضافة كبيرة لصالح قضية فلسطين، بالإضافة إلى أنها خير للأمة العربية والإسلامية، وبالتالي مصر هي جزء من حالة الربيع العربي والنهوض العربي هذه، لكن الربيع العربي في مصر بوزنها وثقلها ومكانتها المعروفة، هو مبشر لنا جميعا، ونتطلع إلى دور أكبر لمصر من أجل دعم شعبنا وحقوقه وإحداث توازن في المنطقة يحسب له العالم حسابه، وأيضا نطمح إلى المزيد من الجهد المصري لرعاية المصالحة ودعم جهود تحقيقها. ● كيف تقرؤون موازين القوى في المنطقة على ضوء التحولات الجارية، وفي ظل دعم روسي إيراني للنظام السوري؟ ●● نحن اليوم في مرحلة تحول في المنطقة العربية، وهي مرحلة انتقالية فيها تغيرات ملحوظة هنا وهناك، بعضها قد يكون إيجابيا وبعضها قد يكون سلبيا، لكن في المجمل العام، الربيع العربي وما حققه من نهضة وتحول وانتخاب قيادات وحكومات من الشارع وعبر صناديق الاقتراع، تعكس الإرادة الوطنية الحرة والمبشرة لمسيرة استقلال حقيقي في القرار السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري، ونهضة داخلية وتعزيز مكانة الأمة على المستوى الإقليمي والدولي، كل هذا لاشك يصب في صالح الأمة وجهودها ولصالح قضية فلسطين حتى وإن حصلت خسارات هنا أو هناك، فضمن الخريطة الكلية هناك بعض الخسارات لكن بالتأكيد الكسب والعائد والمحصلة أكبر ولله الحمد. وما يعنيني أكثر في هذه المرحلة أن النهضة العربية والتحولات الإجابية في الوطن العربي، ضرورية لإحداث التوازن اللإقليمي، العرب كانوا غائبين وكان الآخرون يلعبون في ملعبنا ويتصارعون حولنا، وكان دورنا غائبا أو مغيبا، ولم نكن لاعبين بل كنا ملعبا، وكما قال الشاعر العربي، «ويقضي الأمر حين تغيب تيم / ولا يستأذنون وهم شهود»، اليوم الأمة طوت تلك الصفحة، لذك نحن مستبشرون اليوم بإحداث التوازن في المنطقة، بحيث يصبح للعرب كينونة ويصبح لنا مشروع عربي وتتوازن المنطقة، ونحافظ ليس فقط على فلسطين بل على استقلالية الأمة وعلى مصالحها، ولا نسمح لأحد أن يتغول علينا، دون أن ندخل في صراع مع أحد إلا من يصارعنا، عدونا الأساس هو العدو الصهيوني. ● الربيع العربي أسقط فزاعة التخويف من الإسلاميين، وهم اليوم يدبرون الشأن العام في العديد من البلدان العربية، ما المحاور الكبرى في نظرك لإنجاح هذه التجربة؟ ● ● بالفعل ففزاعة التخويف من الإسلاميين سقطت وقد كان يستعملها الحكام والقادة والمسؤولين لضمان بقائهم على الكرسي وليعطوا رسالة للغرب على أنهم أقدر على تلبية مصالحه وأن الإسلاميين إن قدموا سيعلنون الحرب على العالم كله. وهذا ليس صحيحا، فالإسلاميون جزء من القوى الوطنية المخلصة في الوطن العربي والإسلامي. نعم الإسلاميون مبدئيون لكنهم عاقلون وواعون ولا يعلنون الحرب على أحد لكن لا يقبلون الانكسار والتبعية ولا يقبلون أن يعيشوا تلك المرحلة المزرية التي عاشتها الأمة، ويريدون الخير والنهضة لشعوبهم ويريدون التنمية واستقلالية القرار، وأن يكون هناك تعاون مع المحيط الإقليمي والدولي على قاعدة الندية والاحترام والتعاون المتبادلين. لكن نحن لا نقول بأن يدير هذه المرحلة الإسلاميون وحدهم، لأن الإسلاميين هم جزء من المنظومة الوطنية في كل البلدان العربية. وما يمكن أن يقال للإسلاميين في إطار النصح الأخوي، إذا جاز لي ذلك، هو: النصيحة الأولى، هي العمل من أجل النجاح في تحقيق المعادلة الوطنية الداخلية باستيعاب جميع القوى من كل أطيافها السياسية القريبة والبعيدة بهدف إشراك الجميع في تحمل المسؤولية، وحتى إن حصل الإسلاميون في بلد ما على الأغلبية فهذا لا يعني الاستغناء عن الآخرين، بل لابد من الحرص على إشراك الجميع لأن الواقع العربي اليوم وما فيه من تخريب وأزمات تراكمت خلال العقود الماضية أثقل وأكبر من أن يتحملها طرف بعينه مها كان له من أغلبية، وحتى لا يكرروا تجربة الإقصاء التي تعرضوا لها خلال العقود الماضية. ومن ناحية أخرى فإنه في الحياة السياسية لا يستقيم أن ينفرد أحد مهما كان الأمر، والناس لا تحب إلا أن تعمل معا وأن يشترك الجميع في تحمل المسؤولية، ولذلك لابد من الحرص على إشراك الجميع وتوفير معادلة تضمن أن يشترك الجميع في المسؤولية الوطنية ويتحمل ويتعايش حتى وإن اختلفت البرامج والأفكار وهذه نقطة أظن أنهم حريصون عليها حتى وإن بدت بعض الأخطاء، و المطلوب تعزيز هذا التوجه والبركة في استيعاب الجميع. النصيحة الثانية هي، أن يقدروا الأولويات اللازمة على مستوى الوضع الوطني وحاجيات الناس، ولا شك أن الاقتصاد ولقمة العيش الكريمة والعدالة الاجتماعية واستقرار التجربة الديمقراطية كل ذلك من الضرورات طبعا إلى جانب محاربة الفساد والاستبداد، وقد نجحت الناس والحمد لله في محاربة الاستبداد وبقي الفساد ولابد أن يعالج أيضا، إذن فتحديد الأولويات مسألة مهمة، إلى جانب إدراك الحاجات الملحة والإبداع في تحقيق مطالب الشعوب لأن هذا هو الأساسي الآن. ثم يحضر منهج التدرج فهو أمر مهم وأيضا الترفق في مسيرة النهوض، ثم ضرورة التعامل مع المستجدات الإقليمية والدولية بحذر وبوعي فلا تفتح الملفات دفعة واحدة، لكن أيضا لا نقدم لأحد تنازلات مجانية هنا وهناك، وينبغي أن نشعر بالثقة في أنفسنا وبأن العالم محتاج إلينا كما نحن محتاجون إليه وأن نشعر بأننا نقف على أرضية قوية وأن شرعيتنا مستمدة من أرضنا وشعبنا وليس من أي اعتبارات خارجية، وهذا يعطينا قوة واستقلالية في القرار لكن نتصرف أيضا بتبصر وحكمة دون أن تفتح معارك وجبهات نحن في غنى عنها. ثم لدي نصيحة لغير الإسلاميين من القوى الوطنية من أجل التعاون مع الجميع وأن يسلموا بأدوار الآخرين طالما صناديق الاقتراع حسمت الأمور، وليعلن الجميع أنهم مع صناديق الاقتراع وكل ما جاءت به صناديق الاقتراع نحترم دوره ونسلم به، لكن هذا لا يعني أن نكون تبعا له بل أن نتعاون معه، وإن بدا من نقد ننتقد لكن على قاعدة التسليم بالدور والاحترام له والتفاعل والتعاون معه، إذا أحسن نقدره وإن أخطأ نقومه من موقع العمل المشترك والتفاعل وليس من موقع المتفرج أو المتربص أو الذي لا يريد أن يتعامل مع المرحلة. ● كيف ترون تجربة المغرب وتفاعله مع الربيع الديمقراطي؟ ●● أقول مرة أخرى في نهاية هذا الحوار أنني سعيد بوجودي في المغرب، وسعيد أيضا بتجربته السياسية وأقدر حكمة القيادة المغربية ممثلة في جلالة الملك محمد السادس في التعامل مع استحقاقات الربيع العربي بنموذج مقدر ومحترم داخل المغرب، وأتمنى لهذا النموذج أن ينجح وأن يتعاون الشعب المغربي بكل قواه السياسية لإنجاح هذا النموذج بما يحقق الخير للشعب المغربي وللدولة المغربية على كل الأصعدة الاقتصادية والأمنية والتنموية والنهضوية، وبما يعزز دور المغرب في المنظومة العربية والإسلامية والإقليمية والدولية وبما يزيد من دعمه وتفاعله مع القضية الفلسطينية إن شاء الله.