وصفت الدراسة التي أنجزتها مؤسسة «إيوي» الإسبانية لفائدة مجلس الجالية المغربية وضعية المهاجرين المغاربة في إسبانيا بكونها «خطيرة» و «مقلقة» واستعملت الدراسة التي تم عرض نتائجها في ندوة دولية نظمها المجلس عبارة «طوارئ اجتماعية» لوصف حالة شريحة مهمة من المهاجرين المقيمين في إسبانيا. وتؤكد توقعات استمرار الأزمة الإجتماعية والاقتصادية في هذا البلد ضرورة مبادرات مؤسساتية وازنة من أجل إيجاد حلول مستعجلة لذوي الأوضاع الحرجة في بداية المطاف. ثم بعد ذلك مواجهة المشاكل المرتبطة بدعم إعادة الإدماج المهني. والمسؤولية ملقاة على عاتق الحكومتين الإسبانية والمغربية وكذا بقية الفاعلين الاجتماعيين في البلدين. «التجديد» تنشر أهم نتائج هذه الدراسة: المغاربة في إسباني.. مستوى تعليمي ضعيف يعود وصول أولى موجات المهاجرين المغاربة إلى سنوات السبعينات من القرن العشرين، بينما سجلت أهم التدفقات انطلاقا من سنة 2000 بشكل متزامن مع التطور الكبير الذي عرفه سوق الشغل الإسباني. فقد انتقل عدد المغاربة المسجلين في اللوائح البلدية للسكان خلال العقد السالف الذكر من 173 ألف نسمة يناير 2000 إلى 783 ألف نسمة في يناير 2011. وتظهر دراسات الخاصيات الديمغرافية للهجرة المغربية في إسبانيا أنها مشكلة أساسا من الذكور حيث يمثلون 64 بالمائة من الجالية، ويتضح أيضا أن الجنس عامل مهم في تحديد مسارات الهجرة حيث يشير معظم الذكور إلى العوامل الاقتصادية عند الحديث عن أسباب الهجرة (62 بالمائة ) بينما تبقى هجرة الإناث أسرية في مجملها (67 بالمائة). ويبقى مستوى تمدرس المهاجرين والمهاجرات المغاربة ضعيف ليس فقط مقارنة مع السكان الأصليين بل بالمقارنة مع باقي الجاليات الأخرى أيضا حيث أظهرت دراسة الساكنة النشيطة لسنة 2007 أن المستوى الدراسي ل 57 بالمائة من الأشخاص المتراوحة أعمارهم بين 16 و 64 سنة لا يتجاوز التعليم الابتدائي بينما لم يبلغ التعليم الجامعي سوى 3 بالمائة منهم. المغاربة قبل الأزمة شهد الاقتصاد الاسباني فترة رخاء ونمو بين سنتي 1995 و 2007 وقد تجلى ذلك في تزايد أعداد الأشخاص النشيطين المشتغلين بشكل غير مسبوق مقابل انخفاض كتلة العاطلين، وبلغت نسبة الذكور النشيطين ذوي الاصول المغربية 89 بالمائة سنة 2007 بينما لم تتعد هذه النسبة بين الإناث 41 بالمائة. وكان المهاجريون يلجون سوق الشغل في أسفل الهرم الوظيفي، حيث كان يعمل 77 بالمائة من المهاجرين الذكور و 53 بالمائة من المهاجرات المغربيات سنة 2007 في مهن تحتاج مؤهلات ضعيفة أو لا تقتضي أي نوع من أنواع المؤهلات. إذ تشتغل المغربيات أساسا في قطاعات التجارة والفندقة وبعض الخدمات الأخرى، بينما يعمل الذكور في قطاعات البناء والتجارة والفندقة والفلاحة. ورغم قبول العمال الأجانب الاشتغال في مناصب سيئة الجودة وبعقود مؤقتة إلا أن مستوى البطالة في أوساطهم بقي أعلى من ذلك المسجل في أوساط العاطلين الإسبان الأصليين. وقد تأثرت الجالية المغربية بشكل أكبر من هذه المسألة سنة 2007 وهمت الجنسين معا ( 11.7 في المائة عند الذكور و 22.1 بالمائة عند الإناث)، وبسبب مزاولة المهاجرين المغاربة لمهن منخفضة الأجر وارتفاع معدلات البطالة في صفوفهم، تبقى مداخيلهم أقل من الدخل المتوسط لمجموع السكان المنحدرين من الهجرات، حسب معلومات الدراسة الوطنية حول المهاجرين سنة 2007 لكنها ليست الأضعف. حيث كانت مداخيل الذكور المغاربة 1060 أورو شهريا ودخل الاناث المغربيات 795 أورو شهريا. فقدان مناصب الشغل أدت الازمة الاقتصادية خلال أربع سنوات 2008-2012 إلى فقدان 95 ألف منصب شغل أي انخفاض بحوالي 25.7 بالمائة عن المعدلات المسجلة قبل بداية الأزمة. وتم تسجيل فقدان مناصب شغل في أوساط الجنسين معا لا سيما سنة 2011 ما يقارب 24 ألف منصب وتزامن هذا الأمر مع تزايد الإقبال على التعاقدات المؤقتة أو المحدودة المدة ( 23 ألف منصب شغل تقريبا) ويبدو أن الازمة أدت في البداية إلى القضاء على جزء من المناصب المؤقتة او المحدودة المدة ثم عجلت بعد ذلك بانتقال جزء من العاملين في المناصب الدائمة أو غير المحدودة المدة إلى أخرى مؤقتة.هذا ويمثل العاملون لحسابهم 8 بالمائة من مجموع المشتغلين المقيمين في اسبانيا وذلك حسب معطيات سنتي 2007 و 2011. ويستحوذ الذكور على فرص الشغل لدى هذه المجموعة ولكنها بدأت تتغير نتيجة الأزمة فقد تراجعت بشكل كبير سنة 2011 بما يقارب 40 بالمائة. لقد شهدت الفترة الممتدة بين 2009 و 2011 «تسريحات « من مناصب الشغل القانونية (فقدان 16 الف منصب) ودفع بهؤلاء الى مناصب غير مصرح بها ( زيادة 15 الف شخص مشتغل). يتميز النشاط المهني في أوساط الإناث واحدة من سمات الهجرة المغربية في إسبانيا فبينما كانت نسبة الذكور الراشدين النشيطين اقتصاديا تناهز 90 بالمائة سنة 2005، لم تكن تتجاوز هذه النسبة 40 بالمائة في أوساط الإناث لأن معظمهن مشتغل بالأعباء المنزلية والعناية بالأسرة. لكن سنة 2011 كان ارتفاع النشاط المهني لدى الإناث قويا في حدود 52.3 بالمائة سنة 2011. الأزمة الاقتصادية تكبح تدفق المغاربة تؤكد بيانات سجل إحصاء تغيير محلات الإقامة أن حصيلة هجرات المواطنين المغاربة تزايدت بنحو 40 ألف شخص سنويا في فترة الرخاء الإقتصادي، لكنها أخذت تنخفض انطلاق من سنة 2009 حيث لم تتعد الحصيلة نحو 29 ألف نسمة في ذلك العام وازدادت انخفاضا سنة 2010 ولم تتجاوز 11 ألف نسمة، وقد كان هذا التراجع نتيجة منطقية للانخفاض المفاجيء لأعداد الوافدين على إسبانيا ( من 93 ألف نسمة سنة 2008 إلى 48 ألف سنة 2010. وتظهر المعطيات المتوفرة الخاصة بسنة 2011 تواصل هذا المسلسل وتجذره، حيث أصبحت حصيلة تدفقات المهاجرين بين المغرب وإسبانيا سلبية وهو أمر غير مسبوق خلال العقود الأخيرة. حيث تشير تقديرات المعهد الوطني الإسباني للإحصاء أن الحصيلة أصبحت سلبية انطلاقا من سنة 2010 وتكرس هذا التراجع سنة 2011 حيث أصبحت الحصيلة سلبية بناقص 22 ألف نسمة بسبب مغادرة رجال شباب ( ناقص 16 ألف نسمة) وآخرين متقدمين في السن ( ناقص 5 آلاف نسمة من فئة أكثر من 40 عاما) بينما كانت حصيلة الإناث منعدمة. كما سجلت خلال السنة الأخيرة حالات هجرة عكسية ( نحو المغرب) للمرة الأولى في أوساط فئة أقل من 16 عاما بالنسبة للجنسين معا وفي أوساط الإناث المترواحة أعمارهن بين 40 و 64 سنة. وأدت الأزمة الاقتصادية إلى جعل حصيلة المهاجرين الذكور الشباب سلبية، وحدت منها، بينما تواصل وفود الإناث رغم أن الأعداد في انخفاض مستمر. ورغم أن الأزمة لم تحدث موجة «عودة» ملموسة إلى البلد الأصلي فقد أدت إلى الحد من رغبة مهاجرين جدد في خوض التجربة ذاتها. كما سرعت الأزمة وستسرع في المستقبل التنقلات الموسمية بين البلدين في أوساط المهاجرين المتواجدين في وضعية قانونية إذ يستطيعون مغادرة إسبانيا والعودة إليها دون مشاكل سواء من أجل العودة المؤقتة من أجل مواجهة الصعوبات الاقتصادية بالنسبة للساكنة غيرالنشيطة أو حتى بحثا عن ملجأ بالنسبة للساكنة التنشيطة العاطلة، وقد قدرت الإحصائيات أعداد الأشخاص المتواجدين في هذه الوضعية فيما يقارب 12 ألف نسمة سنة 2010 وأزيد من 35 ألف نسمة سنة 2011. ثلثا الشباب المغاربة في بطالة يوجد أزيد من نصف الساكنة النشيطة في وضعية بطالة بسبب تزايد أعدادها وانخفاض مناصب الشغل وتناهز نسبة البطالة اليوم 50.7 في المائة ( 48 في المائة عند الذكور و 56.6 في المائة عند الاناث)، هذا ويعاني ثلثا شباب الجالية المغربية المقيمة في إسبانيا من البطالة (68.8 بالمائة) وشهدت السنتين الأوليتين ( 2008-2009) ارتفاع أعداد المعطلين من ذوي التجارب المهنية بسبب فقدان العديد من مناصب الشغل، بينما سجلت سنتي 2010 و 2011 ارتفاعا أقل وتزايد في فئة الباحثين بسبب انضمام أشخاص غير نشيطين إلى فئة الساكنة النشيطة من أجل مواجهة الأزمة. وانتقل عدد الباحثين عن أول منصب شغل من 15 ألف نسمة إلى 51 ألف نسمة بين سنتي 2007 و2011 خصوصا بسبب الزيادة الكبير في أعداد الإناث، ( من 9300 إلى 32200 نسمة) حيث أصبح الرقم ضعف ذلك المسجل عند الذكور ( انتقل من 5900 إلى 18 ألف نسمة) . وتزكي هذه الأرقام فرضية ارتفاع معدل النشاط المهني في أوساط الاناث. هذا وانخفضت نسبة المعطلين دون تجارب مهنية في أوساط الذكور بين 2007 و 2011 من 14 إلى 10 في المائة، لكنها ارتفعت عند الإناث من 30 إلى 34 بالمائة. وتزامن ارتفاع نسب البطالة مع تزايد أعداد المعانين من هذه الوضعية لمدة تتعدى سنة. هذا وتثير وضعية هذه الفئة مخاوف أكثر، لأن العثور على منصب شغل جديد يصير أصعب كلما طالت فترة البطالة، أضف أن هذه الشريحة أكثر عرضة للهشاشة. حيث يصبح مصير هؤلاء رهينا بقرارات سياسية مزاجية بعد انتهاء فترة الحق في معاشات البطالة ويعانون في أغلب الأحيان ويلات الفقر والحاجة. أدت الأزمة إلى ارتفاع أعداد المعطلين، وساهمت في الزيادة في نسبة المعانين من هذه الوضعية لفترات طويلة فقد كانوا يمثلون 17 بالمائة من مجموع المعطلين سنة 2008 وأصبحت النسبة تناهز 58 بالمائة نة 2011 أي أكثر من النصف. وقدر عدد المعطلين لفترات طويلة سنة 2011 ب 123 ألف نسمة بين الذكور و 65 ألف نسمة بين الاناث . إن الظروف الشخصية للمعطلين مختلفة حسب الوضعية الأسرية، حيث تكون المشاكل أقل عندما يكون هناك معطل وحيد وسط مجموعة أسرية بها مشتغلون، وتصير الأمور مأساوية إذا كان جميع أعضاء الأسرة النشيطين في وضعية بطالة. وسجل عدد الأسر التي يوجد جميع أعضائها في بطالة أدنى مستوياته سنة 2007 حيث كان يقدر عددهم ب 27 الف أسرة أي ما يمثل 7.9 بالمائة من المجموع، ثم ارتفع العدد خصوصا سنة 2009 وأضحت نسبة الأسرة المعنية بهذه الإاشكالية تقارب الثلث ( 32 في المائة أي 114 ألف أسرة) التغطية الاجتماعية لفائدة المعطلين أدى ارتفاع اعداد المعطلين في أوساط المهاجرين المغاربة إلى تزايد أعداد المستفيدين من معاشات البطالة، حيث انتقل من 27 ألف نسمة سنة 2007 إلى 104 ألف نسمة سنة 2010. وسجلت نسبة التغطية ( نسبة المستفيدين ضمن مجموع العاطلين) تزايدا: 36.6 في المائة سنة 2007 و 38.5 في المائة سنتي 2008 و 2009 وبلغت 42.2 بالمائة سنة 2010. توحي نسب التغطية أن الحصيلة إيجابية، حيث بقيت المستويات على حالها في بداية الأزمة، ثم ارتفعت سنة 2010، لكن الأمر ليس كذلك. حيث يميز نظام الحماية الاجتماعية الإسباني بين نوعين من المعاشات أو التعويضات: المعاشات المستحقة بموجب الاكتتاب والمعاشات على شكل مساعدات ويكون النوع الأول من المعاشات أكثر من الثاني وتظهر بيانات 2010 انخفاض عدد المستفيدين من المعاشات المستحقة بموجب الاكتتاب وارتفاع كبير في عدد ذوي المعاشات على شكل مساعدات من 35 ألف الى 68 الف. وكشفت معطيات سنة 2011 انخفاض نسبة أصحاب المعاشات الاكتتابية بشكل طفيف بينما سجلت نسبة أصحاب المعاشات على شكل مساعدات تراجعا مهولا فقد كان نسبة أصحاب المساعدات سنة 2010 في حدود 37 من أصل كل 100 عامل أجنبي معطل وأصبح العدد 15 من أصل 100 سنة 2011 . وأشارت معطيات المعهد الوطني الإسباني للإحصاءإلى ارتفاع المغاربة الذين يوجدون في وضعية هشاشة ما بين سنتي 2007 و 2011 وبلغت النسبة في صفوف الذكور سنة 2011 قرابة 80 بالمائة و 83.5 بالمائة في صفوف الإناث. نتائج الأزمة على المهاجرين وأبنائهم يمتلك 20 بالمائة من المهاجرين القانونيين تراخيص إقامة مؤقتة ويقتضي تجديد هذه التراخيص إثبات المرء مزاولته لنشاط مهني خلال 3 أشهر على الأقل كل سنة، ويتعين إثبات بحث العاطل بجد على منصب جديد واستفادته من دروس إعادة الإدماج أو في بعض الحالات الحصول على معاش البطالة. هذا ويمكن أن يؤدي استمرار أزمة الشغل وارتفاع عدد المعطلين دون حماية اجتماعية إلى رفض تجديد تراخيص الإقامة لشريحة واسعة من هذه الجالية ( قد يهم الأمر سنة 2012 ما يقارب 50 ألف نسمة من ذوي الترخيص الأول وبين سنتي 2013 و 2014 ما يقارب 117 ألف من ذوي التراخيص المؤقتة التي سبق تجديدها). وأصدرت الحكومة الإسبانية شهر أبريل 2012 قانونا جديدا يحد من حق المهاجرين المتواجدين في وضعية غير قانونية من الخدمات الصحية، ويجعلها محصورة في «الحالات المستعجلة بسبب أمراض خطيرة أو حوادث، المساعدة أثناء الحمل والولادة وبعدها، وبالنسبة للقاصرين الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة» هذا وسينجم عن هذه الإجراءات لا محالة ضغط كبير على المستعجلات، وسيؤدي ذلك إلى تراجع جودة خدماتها. كما أدى سياق الأزمة إلى تنامي الآراء السلبية تجاه المهاجرين لدى شريحة واسعة من الإسبان. فقد أعرب 43 بالمائة من الإسبان سنة 2010 عن تأييدهم لقرار إرجاع المهاجرين إلى مواطنهم في حال تزايد أعداد المعطلين طويل الأمد. كما أن هناك مؤشرات على تنامي أحاسيس معاداة الإسلام من قبيل رفض بناء المساجد ودعم قرارات طرد التلميذات المحجبات من المراكز الدراسية ( 49 بالمائة في الحالتين معا). لقد تكاثرت أصوات المناهضين للهجرة بشكل كبير بسبب الأزمة. وأشارت الدراسة إلى أن آثار الأزمة الإسبانية ستطال المجتمع المغربي دون شك، وقد ظهرت أولى البوادر بتراجع حجم تحويلات المهاجرين حسب أرقام البنك المركزي الإسباني بنحو 144 مليون يورو بين سنتي 2007 و 2010، وهو ما يعني انخفاضا بنسبة 33 بالمائة . وقد يتزايد في المستقبل عدد المعوزين العائدين إلى المغرب، مما قد يكون له نتائج سلبية على الوضعية الاجتماعية ووضعية سوق الشغل. كما قد تطرح عودة القاصرين إشكالات جديدة على النظام التربوي المغربي، حيث سيتعين تدبير شؤون تلاميذ قادمين من نظام تربوي مختلف ولا يتقنون لغتي النظام التعليمي المغربي (العربية والفرنسية).