الآلاف من الأسر المغربية المعنية بالسنة الأخيرة من الثانوي التأهيلي تعيش هذه الأيام على أعصابها،على اعتبار أن أحد أبنائها أو بناتها بات قاب قوسين أو أدنى من تخطي هذه المرحلة نحو مستقبل أفضل في حالة إحرازه شهادة الباكالوريا ومن تم ولوج أحد المعاهد العليا أو الجامعة وهو ما يعني الاستعداد لولوج سوق الشغل قيمية الباكالوريا لعل جيل ما بعد الاستقلال يعي جيدا قيمة شهادة الباكالوريا التي عرفت تقلبات وتغيرات كثيرة،لارتباطها بمختلف مراحل الإصلاح والتقييم الذي عرفه النظام التعليمي بالمغرب مما انعكس ذلك على رمزية ودلالة هذه الشهادة لدى المجتمع والتلاميذ، وقيمتها في المستقبل الدراسي والعلمي لحاملها، فبعد أن كانت حلما لا يصله إلا المجدون والمثابرون، وتفتح بعدها الآفاق في اتجاهات متنوعة، تحولت اليوم إلى شهادة شبه عادية، يرى الكثيرون، أنها باتت بدون قيمة، الأمر الذي يطرح التساؤلات عن سبب ذلك ونتائجه على التلميذ والمدرسة والمجتمع برمته.وفي هذا الصدد يؤكد(خ.ي) موظف بقطاع التعليم حاصل على شهادة الباكالوريا في الستينات أن شهادة الباكالوريا الحالية تراجعت قيمتها بل حتى شهادة الإجازة فقدت بريقها بعد تغيير انماط التعليم الذي بات بمثابة حقل للتجارب،المتحدث أكد ان طلبة حاصلون على شهادة الإجازة مستواهم الدراسي ضعيف بل يرتكبون أخطاء نحوية وإملائية ناهيك عن عدم درايتهم باللغات إلى درجة أن البعض منهم لازال يجهل العديد من مقومات التعليم الثانوي رغم تجاوزه عتبة الإجازة،لكن وزير التعليم الحالي محمد الوفا أكد في برنامج تلفزيوني ان شهادة الباكالوريا في المغرب لا زالت بخير رغم تراجع القطاع، وأعطى أمثلة حية منها قبول تلاميذ مغاربة في كبريات المدارس العالمية كمدرسة القناطر بباريز بعد حصولهم على الباكالوريا في مؤسسات التعليم العمومي. خارطة طريق جديدة الوزير محمد الوفا ورغم تفاؤله بقيمة الباكالوريا أعلن أخيرا أن وزارته ستباشر مراجعة نظام البكالوريا مباشرة بعد الدخول المدرسي المقبل 2012/2013، موضحا أن هذا القرار جاء بأمر من الملك محمد السادس.وأكد الوفا، الذي عقد لقاءات ماراطونية حول الإعداد لامتحانات البكالوريا لسنة 2012، مساء اليوم (الأربعاء) أن وزارة التربية الوطنية أدخلت بعض التحسينات على شهادة الباكلوريا ضمانا لسلامتها، مشيرا إلى أن الوزارة ستقاوم “أولئك الذين يريدون تحطيمها لأنهم بذلك يحطمون المنظومة التربوية”. مضيفا أن الوزارة ستحدث تغييرات على عملية حراسة امتحانات البكالوريا لهذا الموسم، وأبرز بأن المترشحين لن يتم حراستهم من طرف أساتذتهم. وقال: ”إن عملية نقل مواضيع وأوراق التحرير التي يجب أن تكون تحت مسؤولية رؤساء مراكز الامتحان وأن تتم ووفق دليل الإجراء”. دور الاستشارة والتوجيه كثيرة هي المشاكل والصعوبات التي تعترض التلاميذ الحاصلين على شهادة البكالوريا في القيام باختيارات دراسية أو تكوينية منسجمة مع طموحاتهم وانتظاراتهم، وذلك مرده بالأساس إلى غياب منهجية في إعداد التوجيه ما بعد البكالوريا وفق مشروع دراسي ومهني يتم بناؤه وتطويره منذ المراحل الدراسية بالثانوي الإعدادي؛ فالتلميذ عندما يختار جذعا مشتركا معينا، ثم شعبة، فمسلكا دراسيا حسب قدراته وكفاياته الفعلية ورغباته، فذلك يجب أن يتم في إطار سيرورة متواصلة ومستمرة لتنفيذ مقتضيات مشروعه الشخصي بأبعاده المدرسة والمهنية والحياتية، إذ يظل التلميذ بداية ونهاية هو المسؤول عن قراراته واختياراته، بدعم ومساعدة من قبل المستشار في التوجيه التربوي، وكذلك الأساتذة والآباء ومختلف شركاء التوجيه من جامعات ومؤسسات المجتمع المدني ومقاولات وفعاليات اجتماعية وتربوية. رأي خبير تربوي عبدالعزيز صنهجي مفتش منسق مركزي لمجال التوجيه التربوي اعتبر أن مرحلة ما بعد البكالوريا « أهم مرحلة في تجسيد وأجرأة الاختيار وتحمل تبعاته وتكلفته النفسية والمادية»،مشيرا إلى أنه «غالبا ما يتم تبني ثلاثة أساليب في الاختيار من قبل التلاميذ الذين يلجون الجامعات والمعاهد: الأسلوب الأول في الاختيار يتم بشكل متردد ودون دراسة عميقة لمعطيات الذات ومميزات المسار الجامعي المختار، ويهم هذا الأسلوب التلاميذ الحاصلين على نتائج متواضعة، وغالبا ما تعترضهم مشاكل تتعلق بسوء الاختيار. أما الثاني فيخص التلاميذ الذين تلتصق اختياراتهم بنوعية الدراسة انطلاقا من نتائجهم وحصيلتهم الدراسية. أما الثالث، فيهم التلاميذ الذين يمتلكون رؤية وتصورا تتداخل فيه الدراسة بمشروع مهني متوسط أو بعيد المدى، يعمل على تنظيم دراستهم وتحفيزهم ودفعهم لبناء علاقة مغايرة مع ذواتهم ومحيطهم عن طريق البحث والتحليل والعمل والفعل.المتحدث أشار في السياق ذاته إلى أن الدراسات أكدت على أن الاختلاف في أسلوب الاختيار مرده بالأساس إلى التمايز في الانتماء الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وحدود الدعم والتدخل للأسر في اختيارات أبنائهم. مضيفا كون التلاميذ غالبا ما يعيشون قلقا وتوترا أثناء الانتقال من المرحلة الثانوية إلى المرحلة الجامعية، فإلى حدود اليوم لا توجد إجراءات مواكبة وبنيات مؤسساتية كافية تتكفل بتأمين هذا الانتقال عبر تقديم ما يلزم من خدمات الإنصات والدعم النفسي والاجتماعي والإعلام والمساعدة على التوجيه، مقترحات حلول من أجل تجاوز السلبيات المذكوة يقترح صنهجي توظيف واستثمار مختلف مصادر الإعلام والاستعلام (أطر التوجيه التربوي، بنيات الإعلام والمساعدة على التوجيه، الجامعات، المعاهد، المواقع الإلكترونية، الزيارات الميدانية، المنتديات الإعلامية، أبواب مفتوحة، مراكز ثقافية أجنبية...)، بهدف مساعدته على معرفة موضوعية لذاته ومحيطه وما يوفره من مؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح أوالمحدود، وكذلك المعاهد والمدارس المتاحة والممكنة، ومن أجل تسهيل ودعم كل ذلك وجب الإسراع في اتخاذ إجراءات وتدابير منها مراجعة المعايير المعتمد في الانتقاء للمؤسسات ذات الاستقطاب المحدود ضمانا لتكافؤ الفرص وتحييدا للعوامل السوسيواقتصادية المسببة للإقصاء الذاتي والمؤسساتي.وتعميم العمل بالمشروع الشخصي للتلميذ، كأداة محفزة وموجهة للتلميذ طيلة مراحل تمدرسه، وواقية له من كل الانحرافات ومزودة له بمنظومة من الكفايات التي تمكنه من التحليل الآني والمستقبلي، عند كل عتبة توجيه لعناصر ذاته، من حيث إمكانياتها وحدودها، وبنية محيطه المهني والمدرسي بفرصها وإكراهاتها وآفاقها،بالإضافة إلى إحداث البوابة الوطنية الإلكترونية للإعلام والتوجيه كبنية رقمية رسمية تمكن من مخاطبة مختلف الفئات المستهدفة من تلاميذ وطلبة وآباء، من خلال معلومات محينة ودقيقة ومتيحة للأدوات الملائمة والمساعدة على التوجيه.ثم إرساء وتفعيل مسطرة التوجيه النشيط باعتبارها آلية للمواكبة الفردية لتلاميذ السنة الثانية من سلك البكالوريا الراغبين في متابعة دراستهم بالمؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح، ومساعدة التلاميذ على اختيار شعب تلائم قدراتهم وميولاتهم لضمان فرص أكبر للنجاح والاندماج في سوق الشغل.