رغم التطور الطبي، ارتفعت حالات الإصابة بداء «السل» أقدم مرض معدي في التاريخ البشري، والقاتل الأول في العالم من الأمراض المعدية، خاصة بعد تحذيرات من ظهور سلالات من العصيات المسببة للمرض تقاوم المضادات الحيوية وتعوق فعاليتها مهددة حياة المرضى، وحسب تقرير صحفي نشرته صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، فإن منظمة الصحة العالمية أطلقت تحذيرا إلى دول العالم بشأن المرض بداية الأسبوع الماضي، أكدت فيه أن المرض الذي يهدد حياة ثلث سكان العالم يمكن أن يكون غير قابل للشفاء في حال فشل الحكومات التصرف حياله. التحذير الذي أطلقته المنظمة الأممية تحدث عن انتشار السلالات المقاومة للأدوية في أكثر من 70 دولة حول العالم بينها المغرب، مما يطرح الاستفسار حول الإجراءات التي اتخذتها الوزارة الوصية على القطاع من أجل حماية المواطنين من الإصابة بالمرض المعدي المؤدي للوفاة في حالة عدم علاجه. «التجديد»، تنشر ما ورد في تحذير «الصحة العالمية» من معطيات وتقدم كل ما يتعلق بالمرض، وتبسط خريطة الإصابة بالسل في المغرب، وأهم الإجراءات التي تتخذها وزارة الصحة من أجل محاصرة انتقال الداء بين المغاربة. ● إعداد: محمد كريم بوخصاص «السل» يهدد العالم نقلت صحيفة «الإندبندنت» بداية الأسبوع الماضي عن منظمة الصحة العالمية، قولها «إن مرض السل يمكن أن يصبح غير قابل للشفاء في حالة فشل الحكومات في التصرف حياله»، وأضافت الصحيفة، أن السل أو «الدرن» يؤدي إلى وفاة عدد من الأشخاص كل سنة أكثر من أي مرض معد آخر باستثناء الإيدز، وأن 95 في المائة من الوفيات تشهدها الدول النامية مثل الهند والصين وجنوب إفريقيا وإندونيسيا. وتمثل قارة آسيا نسبة 60 في المائة من حالات السل الجديدة المسجلة السنة الماضية، وتوجد في إفريقيا جنوب الصحراء معظم الحالات الجديدة وفقا لعدد السكان، وذكرت الصحيفة، أن ملياري شخص يحملون بكتيريا السل، وأن الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية أو من أمراض ثانوية هم الأكثر عرضة للعدوى بالمرض، وأن 8.8 مليون شخص أصيبوا بالمرض في سنة 2010، ويعتبر مرض السل أكبر عامل وراء وفاة المصابين بفيروس إتش 1 إين 1 المسبب لمرض الإيدز. وكان معدل الوفيات بمرض السل قد انخفض بنسبة 40 في المائة في الفترة الممتدة بين 1990 و2000، بعد حملة صحية نظمتها «الصحة العالمية» على مستوى العالم لقيت نجاحا، إلا أن ظهور سلالات مقاومة للعقاقير يهدد بوقف البرنامج ويقوض هدف المنظمة الأممية المتمثل في القضاء على المرض كمشكلة صحية عامة بحلول سنة 2050. المغرب ليس استثناء ظهور سلالات من المرض مقاومة للأدوية عقد من مهمة محاصرة المرض، خاصة أن هذه السلالات انتشرت على نطاق واسع في أكثر من 70 دولة بينها المغرب، ومن هذا المنطلق دعت «الصحة العالمية» الدول إلى ضرورة وصف الطبيب للأدوية اللازمة وبالكمية المطلوبة، لأن انتكاسة المريض وعدم شفائه من شأنه أن ينشر السل في المجتمع، ونقلت الصحيفة البريطانية، عن صارمان سينغ أستاذ بمعهد للعلوم الطبية ببريطانيا قوله «كثير من الأطباء لا يلتزمون بالنظام الصحيح لعلاج مرض السل.. وفي كثير من الأحيان لا يتم تشخيص المرض، وتعطى أدوية اثنين فقط لعلاج السل». وزادت مقاومة الجراثيم للأدوية كلفة مكافحة مرض السل في جميع أنحاء العالم، لأن هناك حاجة إضافية أكثر تكلفة للأدوية، وكشفت الصحيفة، أن الصندوق العالمي الخاص بدعم مكافحة السل والملاريا والإيدز، أعلن أنه لا يمكنه تمويل مشاريع جديدة حتى عام 2014، علما أن المغرب يأخذ دعما من الصندوق لمكافحة المرض. وأكدت الصحيفة، أن نقص الأموال الخاصة ببرامج الصحة العامة وبيع اختبارات دم غير دقيقة، وسوء استعمال الأدوية لا سيما في القطاع الصحي الخاص قد يعيق جهود مكافحة المرض ويؤدي إلى مقاومة العلاج، في ظل سلالات تقاوم الأدوية المستعملة مقاومة شديدة ولا يتجاوب حاملو العصيات الممرضة مع المضادات الحيوية التي يتناولونها. أي جهود للمغرب؟ في كل مناسبة، تؤكد وزارة الصحة أنها تحقق تقدما كبيرا في مجال محاربة داء السل بفضل مجانية العلاج، وعدم تمركز الخدمات الصحية الموجهة لفائدة المرضى، غير أن أطباء يشددون على وجود اختلالات تعيق محاصرة السل، تتمثل أساسا في عدم انطلاق العمل في مصلحة العلاج من المرض بالعاصمة الاقتصادية التي كان مفترضا أن تستقبل المرضى منذ السنة الماضية، وغياب وسائل الوقاية الضرورية. وباعتبار السل ظاهرة تتسبب فيها العديد من العوامل، دعت الوزارة إلى مقاربة قطاعية متعددة الأطراف بخصوص التصدي للمرض ينخرط فيها القطاع الخاص والسلطات العمومية وصناع القرار السياسي والمنظمات غير الحكومية، وذلك بهدف التسريع من الحد من هذا الداء، وبات القطاع الخاص مدعوا في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص تسمح بالتشخيص والتكفل بالمصابين وتزويدهم بالدواء مجانيا. ودعت الوزارة أيضا، إلى تعزيز مختلف الشراكات مع جميع الفاعلين المنخرطين في التصدي لهذا المرض، وأوضحت في وقت سابق من هذه السنة أنه تم إبرام 24 اتفاقية شراكة بين وزارة الصحة وجمعيات القرب وشركاء البرنامج الوطني لمحاربة السل بالدارالبيضاء وسلا و انزكان. يذكر، أن الميزانية المخصصة لمحاصرة الداء انتقلت من 20 مليون درهم سنة 2011 إلى 30 مليون درهم في السنة الجارية، وذلك لضمان ولوج مجاني للعلاج من الداء بالإضافة إلى تعبئة غلاف مالي إضافي ب 10 مليون دولار أمريكي بهدف دعم تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لمحاربة داء السل. 2 في المائة من المصابين يحملون «عصيات» تقاوم الأدوية أكد مصدر طبي، أن انتشار مرض السل في المغرب ظل مستقرا في السنوات الأخيرة، وتسجل في المناطق الهشة بالمدن الكبرى أكبر نسبة من الإصابة بالمرض، وقال المصدر، إن المغرب من بين الدول التي ظهرت بها «عصيات» من مرض السل مقاومة للدواء، مشيرا أن نسبة الإصابة بهذا النوع من المرض تشكل 2 في المائة، وبلغ عدد المغاربة الحاملين للعصيات السنة الماضية دون أن يعاينهم الطبيب نسبة 1.1 في المائة، في حين يتابع نحو 12 في المائة الدواء بشكل منتظم. وكشف المصدر، أن العلاج من مرض السل متوفر في متناول الجميع بالمجان، مبرزا أن وزارة الصحة قامت بتنسيق مع منظمة الصحة العالمية باستيراد الأدوية الفعالة الغير المتوفرة في الصيدليات، وأضاف المصدر في حديث ل»التجديد»، أن وزارة الصحة قامت بفتح مصلحة لعلاج المرض في العاصمة الرباط أواخر السنة الماضية، ولم تعطي انطلاقة الاشتغال بمصلحة الدارالبيضاء التي كان مقررا أن تفتح في وجه الزوار المرضى منذ شهور، وأوضح المصدر، أن هناك مشاكل كثيرة تقف حجرة عثرة أمام استفادة المغاربة من العلاج من السل، أهمها النقص الكبير في الأطر الصحية من أطباء وممرضين وعدم توفير وسائل الوقاية من المرض. 27 ألف إصابة جديدة سنة 2011 كشفت وزارة الصحة بمناسبة اليوم العالمي لداء السل يوم 24 مارس من هذه السنة، أن عدد حالات المرض التي تم الكشف عنها سنة 2011، بلغت حوالي 27 ألف إصابة أي 82 حالة جديدة لكل 100 ألف نسمة و35 حالة جديدة من السل الرئوي بالنسبة ل100 ألف نسمة. ووفقا لمعطيات السنة الماضية، فإن 70 في المائة من الحالات التي تم تشخيصها تتركز بالمناطق الحضرية على الخصوص بالمدن الكبرى، ويصب هذا المرض الرجال بسنة 58 في المائة أكثر من النساء (42 في المائة)، وفي 70 في المائة من الحالات، يصيب السل الساكنة الشابة والنشيطة المصنفة في الفئة العمرية ما بين 15 و45 سنة. وأبرزت الوزارة، أن الحالات الجديدة للسل الرئوي التي تشكل النوع المعدي، تنحو نحو التناقص (حوالي 35 في المائة في الفترة ما بين 1996 و2011). فشل توقعات استئصال المرض بحلول 2010 ظل مرض السل لسنوات طويلة مرضا لا شفاء منه إلى أن تم اكتشاف مضادات حيوية فعالة في الخمسينات من القرن الماضي، ساهمت في انخفاض أعداد حالات الإصابة بالمرض بنسبة 75 في المائة، وتنبأ مسؤولو الصحة العامة بأن السل سوف يستأصل بحلول سنة 2010، غير أنه في اننقلاب غير متوقع، ارتفع من جديد معدل الإصابة بالمرض سنة 1985، وذلك بسبب انتشار السل في أوساط مرضى «نقص المناعة المكتسبة»، فحاملو فيروس السيدا حساسون بدرجة خاصة اتجاه السل، ويكنهم نقله بسهولة للآخرين حتى من يتمتعون بجهاز مناعة سليم. ويربط متابعون للشأن الصحي في العالم ارتفاع نسبة الإصابة بالمرض إلى نسبة ارتفاع المصابية بالسيدا من مرضى العالم. «السل» يقتل طالبة بكلية الطب بفاس! أثارت وفاة طالبة من إريتريا تتابع دراستها بالسنة الثالثة بكلية الطب بفاس الخميس الماضي، تساؤلات حول مدى قدرة الجهاز الصحي المغربي على متابعة الحالة الصحية للمرضى المصابين بالمرض، فالطالبة التي تقيم بالمغرب منذ سنة 2004 عانت من ألم شديد في بطنها ونقص حاد في الوزن مدة ثلاثة أشهر، دون أن تتمكن من متابعة حالتها الصحية بعد رفض الأطباء الذين يلقون دروسا في الكلية ويشرفون على المصالح الاستشفائئة بالمركب الاستشفائي الجامعي بفاس، إلى أن زارت عيادة طبيب بمدينة تازة بمساعدة زميلاتها، وبعد أن توقف عند حالتها الصحية «الحرجة» توسط لها مع أحد أساتذتها المتخصصين في أمراض الجهاز الهضمي، وتمكنت من حجز سرير في المركب الجامعي. ورغم أن الوفاة خلفت غضبا في صفوف الطلبة الأطباء، الذي أرجعوا السبب إلى تعقيدات الاستفادة من التغطية الصحية ولا مبالاةالإدارة والأساتذة رغم طلبات المساعدة التي وجهتها المتوفاة إليهم مرات عديدة، فإن الوفاة تضعت قدرة الوزارة على تشخيص المرض والتكفل بعلاج المرضى على المحك.