أكد العلامة الدكتور مصطفى بنحمزة عضو المجلس العلمي الأعلى ورئيس المجلس العلمي المحلي لوجدة أن المادة الشرعية لا بد وأن تكون حاضرة في جميع القنوات العمومية، لأن المغاربة يحتاجون إلى أن يفهموا دينهم وإن لم يعرفوه في تلك القنوات فسيعرفونه في مكان آخر في صيغة من الصيغ. وأضاف بنحمزة في حوار ل «التجديد» بمناسبة انطلاق الكراسي العلمية بوجدة: أن هذه الكراسي العلمية هي من تقاليد المغاربة في العلم، مستشهدا بأن المدينة الإسلامية كانت دائما تحفل بالعلماء وكان فيها كراسي للتعليم وكان العلماء يؤطرون الحياة الدينية، وتوج هذا التأطير وجود القرويين. وتناول بنحمزة الفئات المستهدفة من الكراسي العلمية وأهميتها وفي ما يلي نص الحوار: ● لماذا هذه الكراسي العلمية؟ وما تقييمكم للتجربة الأولى لها؟ ❍ بسم الله الرحمن الرحيم، العلماء يقولون:ماجاء على أصله فلا يسأل عليه، هذا جزء من تقاليد المغاربة في العلم، ونحن نعرف أن المدينة الإسلامية كانت دائما تحفل بالعلماء وكان فيها كراسي للتعليم وكان العلماء يؤطرون الحياة الدينية، وتوج هذا التأطير وجود القرويين، فهذا ليس غريبا عن تقاليد المغاربة، لأنهم كانوا دائما مرتبطين بالمعرفة الشرعية، وكانت الفئات غير المتخصصة في العلم على صلة بالمعرفة الشرعية، وهذا معروف في تاريخنا. ولا شك أن استحداثها وابتعاثها هو جزء من كراسي أخرى موجودة، فوزارة الأوقاف تشرف على كراسي عديدة، تابعة للمجالس العلمية وهي تقوم بواجبها، إنما هذه الكراسي الآن حاولت أن تكون مركزة ومتميزة من حيث أنها منفتحة على المجتمع، هناك توسع على وسائل الإعلام، ومن حيث أنها تريد أن تركز على بعض العلوم الشرعية التي ترى أنه من الضروري أن يكون الناس على بصيرة منها، وكانت تجربة كتجربة أولى، وكانت تجربة موفقة وحظيت باستحسان كثير من المواطنين وإقبالهم عليها، وأصبح الحديث عنها والولوج إلى مواقعها معروفا، بل أصبح الناس من خارج المغرب يطلعون على المعرفة الشرعية من خلال هذه الدروس، ويرتبطون بها ويسألون عنها، هذا شيء كله جاء على طبيعته. لا شك أن العلوم التي يركز عليها هي علوم إسلامية شرعية، هي شيء غير الوعظ والإرشاد، الناس أصبح يلتبس عليهم الفرق بين الوعظ والإرشاد، والعالم وغير العالم. ولذلك أصبح من الضروري أن يربط الناس بالعلوم الشرعية، بأصول الفقه، بالقراءات القرآنية، بعلم النحو، بالمواد المؤسسة للفكر والعقلية الإسلامية، هذا شيء في حد ذاته مهم وأصبح له فائدة وأصبحت له جدوى، ونحن نعتقد أنه حينما يعود الناس من جديد إلى هذه المثابات العلمية وإلى أن يجلسوا إلى شيوخ العلم فإن شيئا كثيرا يتغير في مستوى تدين الناس ومعرفتهم للإسلام والنطق الصحيح في الإسلام، هذا هو المراد وهذا هو المطلوب. ● ما هي الفئة المستهدفة منها بالضبط؟ ❍ لاشك أن الفئة المستهدفة هي القادرة على التواصل مع العلم، إذا كان الإنسان ليس له حظ في طلب العلم، ربما يصعب عليه أن يتابع موضوعات متخصصة مثلا كموضوعات متعلقة بالحديث الشريف والرواة وما إلى ذلك، فهي درس علمي وبالتالي فالناس يمكنهم أن يجدوا متعة في المتابعة، ولكن المستهدف بالدرجة الأولى هم المثقفون والدارسون الذين يحاولون أن تكون لهم معرفة شرعية. ● يرى بعض المتتبعين أن علماء المغرب لديهم علم غزير ولكن لا يأبه لهم الكثير، ما تعليقكم على هذا؟ ❍ كونهم مغمورين هذه مسألة لا تتعلق بهم، تتعلق بالذين غمروهم، وهو الإعلام الذي لم يفتح لهم صدره، وكان في بعض المرات يرى أن وجودهم مضايقة له، وكان بعض الناس لا يرحبون بوجود كلام العلماء أصلا، هذا فوت على المغرب فرصا كثيرة للاستفادة منهم، بعضهم قد أفضى إلى ربه وانتقل إلى العالم الآخر من غير أن يستفيد منهم المغاربة. الآن وقد انفتحت الدنيا كلها على المواقع وعلى الفضائيات وأصبح الناس يرون أن هناك تواصلا من خارج الدائرة المغربية لا شك أن البعض أصبح الآن يطرح السؤال عن العلماء المغاربة، هل لدينا علماء، وكيف نتواصل معهم؟ هذا السؤال أصبح الآن مطروحا، ولكن نحن كنا نعرف العلماء من خلال الدروس الحسنية، من خلال الدروس المتخصصة التي كانوا يلقونها، نعرف علماء شمال إفريقيا، علماء تونسيين، نعرف الفرق بين عالم وعالم في مجال التحقيق والتوثيق والضبط، هذا أمر يعرفه الناس.لكن لعلنا الآن نؤسس واقعا جديدا هو التواصل مع العلماء والحديث عن العلم الشرعي، وكيف يجب أن تكون هذه المؤسسات التي هي في الحقيقة مؤازرة للعمل، لأن هناك عملا تعليميا تقوم به مؤسسات أخرى كالجامعات ومؤسسات التعليم العتيق. بعض العلماء في مواقعهم لازالوا يؤدون عملهم ولا شك، وأتصور أن الإنسان المغربي سيطلب الأكثر لأن الناس دائما تصحح وتتوجه إلى الأحسن وتطلب الأمثل. ● لماذا يقبل الشباب المغربي على مشايخ الشرق أكثر من مشايخ المغرب؟ ❍ هنا وجب القول أن بعض الناس ارتكبوا أخطاء بالتأكيد في حق العلم، وفي حق العلماء.هؤلاء الذين كانوا يريدون إسكات العلماء وكانوا لا يريدون سماع أصواتهم، كانوا في بعض المرات يتخذون بعض البرامج الدينية سخرية بين الناس، كانوا يسخرون من برنامج «ركن المفتي»، أنتم تعرفون أنه حتى بعض المتدينين كانوا يسخرون من ركن المفتي، أصبح مادة للنكتة والتندر. حقيقة ما كان يلقى في ركن المفتي علم كبير، والناس كانوا يكتفون بأن يسخروا مع أنهم كانوا لا يعرفون ذلك، هل يتكلم المفتي عن المواريث، والمواريث جزء من الشريعة الإسلامية، وهي علم دقيق، والناس يطلبونه ويحتاجونه. هذا مسار كان موجودا هو استهزاء بالعلم الشرعي، ويصور دائما العالم بأنه لا يعيش الواقع ومن أشبه ذلك من الأشياء التي مرت بها الأمة، هؤلاء الذين اشتركوا في هذا المشروع ساهموا في تغييب العلماء، ولكن نحن لا نحاسب الناس في الماضي، نقول دعنا الآن نكون أبناء الحاضر. أنا لا أفهم لماذا تكون هناك قنوات وطنية ليس فيها درس ديني، مع أن الإنسان المستهدف هو الإنسان المغربي المتدين، قد يقال أن هناك قنوات متخصصة كالسادسة، وهذا خطأ كبير، لأن ما هو من قبيل الثقافة المشتركة لا تعفى منه أي قناة.النشيد الوطني هو لجميع القنوات، العلم الشرعي هو لجميع القنوات، لأن الذين لا يتصلون بالعلوم الشرعية، هل يؤمن عليهم من أن يقع منهم الخلل ويقع منهم الضلال ويقع منهم الزلل، ، ألا يمكن أن يقعوا في شراك الغلو والتطرف؟ هم أيضا محتاجون، لأن الدين له صيغتان: صيغة صحيحة وصيغة خاطئة، إما أن يبرز في وجه وتجل صحيح وعلمي ومعتدل، وإما أن يبرز في تجل آخر متطرف ويعصف بكل الأشياء، وهذه هي العقوبة المعجلة لتغييب الدين، ولكن في جميع الأحوال لا بد من استحضار الدين، والمادة الشرعية ، لأن جميع القنوات يستفيد منها أناس مغاربة، يحتاجون إلى أن يفهموا دينهم لأنهم إن لم يعرفوه في تلك القنوات فسيعرفونه في مكان آخر في صيغة من الصيغ. نحن الآن أمام عالم مفتوح على كل التيارات وكل صيغ التدين وكل المذاهب.